الإمارات وفرنسا أبرز الخاسرين.. من الرابحون خارجيا من انقلاب مالي؟

Ten Malian soldiers killed in militant attack, army says
قادة انقلاب مالي خلال وقفة لتأبين عدد من الجنود الذين قتلوا في هجوم مسلح (رويترز)

مع دخول الانقلاب العسكري في مالي -الذي قاده مجموعة من ضباط الجيش- أسبوعه الرابع لا تزال الأسئلة عالقة بشأن الولاءات والارتباطات الخارجية للقادة الرئيسيين للانقلاب والدول التي أعطت ضوءا أخضر للانقلابيين ونسقت معهم عملية تخطيط وتنفيذ الانقلاب.

وتأتي هذه التساؤلات في ظل اتضاح مواقف لقوى دولية باتت بعضها تجاهر برفض الانقلاب وعبرت عن القلق منه كفرنسا والإمارات العربية المتحدة مثلا، وتتعاطى أخرى مع الانقلابيين بمنطق يحكمه الاعتراف كروسيا وتركيا.

الرابحون من الانقلاب
جرى الحديث عن دور كبير لروسيا في الانقلاب الذي أطاح بالرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا في 18 أغسطس/آب الماضي، ومع أنه لا توجد معطيات قطعية عن الدور الروسي في عملية الانقلاب فإن القرائن والمؤشرات تؤكد الرضا الروسي بما جرى في مالي، فقد اكتفت موسكو بالتعبير عن قلقها بشأن عملية الاستيلاء على السلطة بالقوة، ولم يصدر عنها موقف إدانة أو شجب صريح للانقلاب خلافا لمواقف القوى الغربية التي أدانت الانقلاب وطالبت بالعودة للنظام الدستوري.

ولا يستبعد مراقبون أن يكون لروسيا -التي وقعت اتفاقا للتعاون العسكري مع مالي في السنوات الأخيرة وأمدتها بمعدات عسكرية متنوعة- دور في عملية الإطاحة بالرئيس كيتا.

ويعزز هذه الفرضية حرص موسكو على تعزيز حضورها في منطقة الساحل، لضمان حماية المكاسب الإستراتيجية التي حصدتها موسكو من الملف الليبي، وذلك باعتبار أن الحضور الروسي المتنامي في الملف الليبي بات يحتم على موسكو تجاوز الإطار المحلي الليبي بحثا عن حواضن إقليمية في المنطقة.

ومن الشكوك المثارة بشأن الدور الروسي المحتمل في الانقلاب عودة اثنين من القادة الرئيسيين للانقلاب من روسيا قبل أيام قليلة من تنفيذ الانقلاب بعد تلقيهما دورة تدريبية عسكرية هناك.

فعضو اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب العقيد صيدو كمرا الذي تردد اسمه في البداية كزعيم للانقلاب، وزميله العقيد مالك جاو نائب رئيس المجلس الوطني لإنقاذ الشعب اللذان ينظر إليهما كمهندسي الانقلاب عادا من روسيا قبيل فترة وجيزة، وهو ما يقوي حجج القائلين بطبخة الانقلاب فيها.

ويستدل أنصار هذا الطرح بالقول إن الفترة الزمنية التي أعقبت وصول العقيدين كمرا وجاو إلى باماكو ليست كافية لتنفيذ انقلاب لم يلق معارضة تذكر داخل المؤسسة العسكرية، ويفسرون سرعة تجاوب الجيش مع الانقلاب بوجود تخطيط مسبق ومحكم نسجت خيوطه في روسيا على حد زعمهم.

وزاد تخصيص الانقلابيين السفير الروسي في باماكو بأول لقاء يحظى به دبلوماسي أجنبي معهم هذه التخمينات، فروسيا لم تكن أصلا من الفاعلين الرئيسين في الملف المالي بما يجعل تصدر سفيرها قائمة لقاءات اللجنة العسكرية أمرا مستساغا ومتفهما.

ويرى أصحاب نظرية الدعم الروسي للانقلاب المالي أن الجيش تصرف تماشيا مع المزاج الشعبي الذي بات يضيق ذرعا بالوجود العسكري الفرنسي ويتعطش إلى دور عسكري روسي حاسم للقضاء على الجماعات الإرهابية في شمال البلاد بعد عجز فرنسا عن القيام بالمهمة.

وبالإضافة إلى الحضور الروسي، هناك أيضا تكهنات وتقديرات عن دور أميركي ما في الانقلاب، خصوصا مع تسريب معلومات عن تلقي بعض قادة الانقلاب تدريبات عسكرية في الولايات المتحدة، وفي ظل حالة متزايدة من التنافس بين القوى الكبرى، خصوصا الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا على زيادة نفوذها بالمنطقة.

تركيا على الخط
تركيا هي الأخرى دخلت على خط الأزمة المالية، وكان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو هو ثالث وزير خارجية يزور حكام باماكو الجدد بعد كل من نظيريه الجزائري والموريتاني.

وتدخل زيارة جاويش أوغلو لمالي في إطار الاعتراف بالحكام الجدد، وقد أكد مسؤول الدبلوماسية التركية وقوف أنقرة إلى جانب مالي، مشيرا إلى أن الاستقرار والأمن والسلام فيها مهم بالنسبة لتركيا.

مطامح الحضور التركي في مالي والمنطقة أصبحت جلية، وأنقرة تمتلك من مقومات هذا الحضور ما لا تمتلكه روسيا، كما أنها تمتلك عناصر قوة لمواجهة القوى الطامحة لتعزيز حضورها، وفي مقدمتها فرنسا التي يشهد حضورها تراجعا في المنطقة، وذلك بالنظر إلى العديد من المشتركات التاريخية والروحية والثقافية بين تركيا وشعوب المنطقة.

الخسارة الفرنسية
بالمقابل، يرى الكثير من المراقبين أن فرنسا خسرت الرهان على أطراف داخل المؤسسة العسكرية، فقد كانت باريس ترى أنه بحكم علاقتها بها من جهة، وبحكم موقعها القيادي في هرم الجيش وتاريخها في المؤسسة العسكرية من جهة أخرى يمكن أن تمنع حدوث انقلاب في البلاد.

ويعتبرون أن مجرد حدوث انقلاب في مالي دون أن يكون لفرنسا الدور الأساسي فيه يعتبر ضربة للنفوذ الفرنسي في البلد، وذلك نظرا لما تمتلكه فرنسا من عيون أمنية واتفاقيات عسكرية وتعاون في المجالات الاستخباراتية والتكوينية الحساسة في مالي وحضور عسكري ميداني فعال شمال ووسط البلاد.

ومع أنه من المبالغ فيه القول بانحسار الدور الفرنسي، ومن الصعب التنبؤ حاليا بمستوى الحضور والتأثير الفرنسي على صناع القرار الجدد في مالي وبالبلاد عموما فإن معارضة باريس للانقلاب ووقوفها -إلى حد كبير- أمام الحراك الشعبي قبل ذلك سيؤثران بكل تأكيد على الوجود الفرنسي في المستقبل.

وفي وقت سابق، قالت لوفيغارو Le Figaro الفرنسية إن باريس تنظر بقلق إلى ما يجري في دولة مالي، وإن الخارجية الفرنسية أدانت هذا "الحدث الخطير بأقصى درجات الحزم" رغم أن القوات المسلحة المالية لم تخرج عن حذرها شمال البلاد هذه المرة، كما أفاد مصدر للصحيفة.

ورأت لوفيغارو أن الانقلاب السياسي في باماكو يمثل نكسة للعملية الفرنسية، وبالتالي تجب إعادة النظر في إستراتيجية باريس بأكملها.

وذكرت بأن الوجود الفرنسي غير مرضي عنه، وقد تم انتقاده مرارا، مع تنامي المشاعر المعادية للفرنسيين التي يغذيها الشك في أن المستعمر السابق يتدخل في شؤون البلاد.

الإمارات والرئيس المخلوع
الإمارات العربية المتحدة -التي تناغمت مع الحضور الفرنسي في مالي ومنطقة الساحل في الآونة الأخيرة- تصنف هي الأخرى ضمن حلقات الأطراف الخاسرة من الانقلاب.

فقد أعربت الإمارات "عن قلقها الشديد إزاء تطورات الأوضاع الأمنية في جمهورية مالي"، مؤكدة على أهمية الحفاظ على السلم والأمن في منطقة الساحل الأفريقي ومكافحة الإرهاب والتطرف.

كما شن الإعلام المحسوب على أبو ظبي حملة مسعورة على الحراك الشعبي في مالي الذي هيأ سياسيا وشعبيا لتدخل الجيش، وساهم في إجبار الرئيس على الاستقالة.

ولم تخف أبو ظبي تشبثها بالرئيس المستقيل كيتا حتى بعد الإطاحة به، حيث بعثت له طائرة طبيبة للعلاج في مستشفياتها، لكن الخسارة الكبرى لأبو ظبي تكمن في ظهورها أمام الحراك بمالي والقوى الحية الإقليمية كدولة مناوئة لأجندة وشعارات الديمقراطية والحرية والحقوق.

ومن الواضح أن هذه النقطة بالذات ستخصم رصيد الإمارات لدى شرائح عريضة في الشارع الأفريقي الذي يطمح إلى المزيد من الديمقراطية، وتسعى الكثير من شعوبه وأجياله الجديدة لتوثيق الروابط مع الأنظمة الخارجية الداعمة لحرية الشعوب واستقلالها.

المصدر : الجزيرة