خبراء بريطانيون يجيبون.. هذا هو سيناريو التصعيد المتوقع بين تركيا واليونان

Turkish F-16 aircraft in Azerbaijan to participate in military exercises
طائرات إف-16 التركية ضمن مناورات بأذربيجان (وكالات)

مع استمرار التصعيد بين تركيا واليونان ومن خلفها الاتحاد الأوروبي، والتلويح بالخيار العسكري؛ لحسم الخلاف حول الحدود البحرية، تتزايد الخشية من اندلاع مواجهة عسكرية، تضم هذه المرة قوى إقليمية ودولية لها قدرات عسكرية ضخمة، ما يعني دخول الشرق الأوسط في أتون حرب مدمرة من حيث الآثار والنتائج.

وكالعادة تحافظ لندن على هدوئها في التعامل مع الأزمات الدولية، بغياب أي موقف رسمي حاسم يصطف مع أحد الجانبين، كما أن الأوساط السياسية البريطانية هي الأخرى لا تتعامل بتشنج مع هذه الأزمة كما يحدث في باريس وحتى برلين.

لندن لا تريد الحرب
ولعل تريث المملكة المتحدة في إعلان الانحياز لأي طرف، راجع بدرجة كبيرة للعلاقة بين رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهي علاقة لم يسجل فيها أزمات أو حرب تصريحات، بل كانت دائما تسير في اتجاه إيجابي، وعبرت عن ذلك رسائل أردوغان لجونسون أولا عندما هنأه بنصره الانتخابي قبل سنة، ثم رسالة الاطمئنان على جونسون بعد دخوله للعناية المركزة بسبب إصابته بفيروس كورونا.

ويمكن وضع الموقف البريطاني المتريث في هذه الأزمة، في سياق رغبة الحكومة البريطانية في وضع مسافة مع سياسات الاتحاد الأوروبي، تمهيدا للخروج النهائي نهاية السنة المقبلة، وأخيرا هناك الاتفاق التجاري الذي بلغ مراحله الأخيرة بين أنقرة ولندن، والذي تعول عليه الأخيرة لتنويع شركائها التجاريين بعد البريكست.

أما آخر العوامل فهو التعاون الوثيق بين البلدين في مجال الصناعات الدفاعية، ففي نهاية السنة الماضية، اتفقت تركيا مع بريطانيا على التسريع من التعاون العسكري في إنتاج المقاتلات الحربية.

كل هذه العوامل تجعل من بريطانيا تضع مسافة من مواقف الاتحاد الأوروبي في هذه الأزمة، وتعارض في نفس الوقت اندلاع أي مواجهة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط.

حرب ولكن
يقرأ طاهر عباس، الذي سبق له شغل منصب كبير الباحثين في المعهد الملكي المتحد للخدمات، وهو أقدم مركز بحثي في القضايا العسكرية في العالم، أن ما يحدث حاليا هو حرب دبلوماسية لإعادة رسم مناطق النفوذ من جديد، "وهناك قوى لا تريد لتركيا أن تتمدد أكثر لأنها ترى أن هذا سيؤثر على مصالحها الحيوية".

واستبعد أستاذ السياسات الدفاعية والإرهاب خلال حديثه مع الجزيرة نت، اندلاع حرب مباشرة بين الطرفين، مبررا موقفه، "بوجود عدد كبير من المتدخلين في هذه الأزمة، وكلهم لهم نفوذ كبير وقدرات عسكرية ضخمة، وأي حرب تعني خسائر كارثية وفوضى ليس فقط في الشرق الأوسط؛ ولكن سوف تصل شرارتها هذه المرة للاتحاد الأوروبي".

وعبر الخبير الأمني والعسكري عن ثقته في أن دولا كبرى سوف تسعى لعدم انزلاق المنطقة لحرب جديدة، "فهناك الولايات المتحدة التي ستعارض أي حرب، وهناك أيضا روسيا التي لها علاقات جيدة مع تركيا، وهناك المملكة المتحدة التي تحضر لمرحلة ما بعد البريكست، لا تريد اندلاع حرب تدمر الاقتصاد العالمي أكثر مما هو عليه الآن".

ولفت الأستاذ في جامعة لايدن إلى أن الاتحاد الأوروبي ليس على قلب رجل واحد في موقفه من تركيا "فهناك دولة ممتعضة من الدور الذي يقوم به الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي يحاول التأثير على سياسات الاتحاد ليظهر بمظهر القائد الجديد للاتحاد؛ ولكن هذا يغضب دولا أوروبية أخرى لا مصلحة لها في عداء تركيا".

وعن العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا يرى طاهر عباس أنها علاقة مصالح "وهناك اتفاق ضمني حول ملف اللاجئين، ولا يمكن لأحدها أن يخل به؛ لأنه يخدم الطرفين، ولهذا فلن يسعى الاتحاد الأوروبي لنقض هذا الاتفاق؛ لأنه ليس في صالحه حتى وإن كان معارضا للسياسات التركية".

ويتوقع المتحدث أن تعود الأمور للمربع الدبلوماسي "فالقادة الأوروبيون يعلمون أن تركيا قوة إقليمية، ولا يمكن جر الشعوب الأوروبية لحرب مدمرة"

مناوشات وليست معركة
يتوقع البروفيسور جيلبر الأشقر أستاذ العلاقات الدولية في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن، ألا يتطور التصعيد بين تركيا واليونان إلى حرب شاملة؛ "بل ما سيحدث في أسوأ الأحوال هو مناوشات محدودة بين الطرفين، وستكون مناوشات متحكما فيها، ولن تخرج عن السيطرة".

ويفسر البروفيسور الأشقر في تصريحه للجزيرة نت، موقفه بكون كل من تركيا واليونان يعدان من الحلفاء الإستراتيجيين والعسكريين للولايات المتحدة "وواشنطن لن تسمح باندلاع مواجهة عسكرية بين اثنين من حلفاءها".

ويوضح أستاذ العلاقات الدولية، أن ما يغذي هذا الصراع استعار التنافس الإقليمي والدولية على الغاز وهو السبب المباشر للتصعيد الأخير.

لكنه يذهب لوجود أسباب أخرى ومنها "اعتماد أردوغان على السياسة الخارجية بشكل كبير في بناء مشروعه السياسي، وهو ما يسمى في الأدبيات السياسية التركية وحتى الغربية بالعثمانية الجديدة"، موضحا أن الرئيس التركي "يرى أن بلاده باتت الآن قادرة على نهج سياسة خارجية تضاهي تلك المتبعة من طرف الدول الكبرى".

أما عن الموقف الفرنسي الذي يقود جهود التصعيد ضد تركيا فيرى البروفيسور الأشقر أن "السياسة الخارجية لباريس لا تخلو من انتهازية، والمناكفة السياسية ضد تركيا خصوصا وأن فرنسا كانت عينها على ليبيا منذ عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي؛ لكنها تلقت صفعة قوية في ليبيا بعد التدخل الفرنسي، ووجدت نفسها الخاسر الأكبر بسبب رهانها على حفتر".

ويضع أستاذ العلاقات الدولية، حل هذه الأزمة في يد واشنطن حصرا، "ولن يُحل هذا الملف إلا بعد ظهور نتائج الانتخابات الأميركية، وهي من سيحسم الأمر في الشرق المتوسط بصفة عامة؛ لكن الأكيد أنه مهما كانت طبيعة الرئيس القادم فلن يختار الحرب".

المصدر : الجزيرة