ذلك القادم من خارج أروقة السياسة.. هل غيرت سنوات البيت الأبيض ترامب؟

U.S. President Donald Trump points to a reporter to ask a question during the daily coronavirus task force briefing at the White House in Washington, U.S., April 5, 2020. REUTERS/Joshua Roberts
ترامب أثناء سجال مع أحد الصحفيين بالبيت الأبيض (رويترز)

لم يتوقع الآباء المؤسسون للدولة الأميركية عندما اجتمعوا قبل 240 عاما للاتفاق على شكل الدولة الجديدة وطبيعة الدستور وعلاقة الحاكم بالمحكومين أن يصل رئيس مثل دونالد ترامب إلى سدة الحكم.

شكك البعض في قدرات الرئيس ترامب المعرفية ليحكم أهم وأقوى دولة في عالم اليوم، وآخرون اعتبروه غير مهيأ للحكم في ظل تعقيدات القضايا الكبرى الداخلية والخارجية، وغير ملم بأسس ومبادئ عمل الحكومة الفدرالية، كما رأه البعض رئيسا لا يكترث بالدستور أو بالتقاليد السياسية.

لكن على الجانب الآخر يرى ملايين الأميركيين ترامب سياسيا عبقريا غير تقليدي، تغيرت النظرة لترامب في انتخابات 2020 عن نظيرتها في انتخابات 2016، فلم يعد هو المرشح القادم من خارج أروقة السياسة الأميركية، وبعد 4 سنوات في البيت الأبيض أصبح ترامب شخصيا مركز السياسة الأميركية ومحورها الرئيسي.

ودعمت سياسات ومواقف ترامب خلال وجوده في البيت الأبيض ما عرفت عنه خلال حملته الانتخابية الماضية من آراء متطرفة وغير نمطية، ولم ينجح المكتب البيضاوي في تغيير سلوك أو نهج ترامب والذي جعل منه رئيسا غريب الأطوار لم يشهد العالم ولا الولايات المتحدة له مثيلا.

ومنذ تنصيب ترامب رئيسا في 20 يناير/كانون الثاني 2017 لم تتوقف المعارك والخلافات بينه وبين كافة ألوان الطيف السياسي الأميركي، من الديمقراطيين للجمهوريين، ومن الليبراليين إلى المحافظين، ومن المهاجرين إلى النخبة، ومن المزارعين إلى رجال الدين، ومن الحلفاء الخارجيين إلى الأعداء التقليديين.

لقد نجح ترامب في هز علاقته بالجميع، حيث يعمل على تغيير طبيعة علاقة بلاده بالعالم من حولها، وفي هذا ينجح قليلا ويفشل كثيرا كما يقول مراقبون.

وأهم نجاح حققه ترامب -وفقا لهؤلاء- كان تحصين نفسه (من العقاب على أي أخطاء أو سقطات)، يقول ما يقول، ويخطئ كيفما يشاء، وذلك كله يمر بدون حساب من جانب مؤيديه، وبدون اعتذار من جانبه.

ابن نيويورك البار
ولد ترامب في منطقة كوينز بمدينة نيويورك في 14 يونيو/حزيران 1946، حينها كان سكان كوينز في أغلبيتهم العظمى من الأميركيين البيض المهاجرين من الدول الأوروبية.

والدة ترامب هاجرت من أسكتلندا، وجده جاء مهاجرا من ألمانيا، واليوم تجتذب منطقة كوينز المهاجرين الملونين من كل بقاع العالم، ولم يعد يقطن فيها من البيض إلا أقلية صغيرة.

قضى ترامب معظم حياته بين شوارع ومناطق مدينة نيويورك وشهد تغيرها الديمغرافي الكبير والذي جعلها إحدى أكثر المدن العالمية من ناحية التنوع العرقي واللغوي.

وورث ترامب عن والده تجارة العقارات والاستثمار فيها حتى ناهزت ثروته عدة مليارات من الدولارات، ولا يعرف أحد حجم ثروته بدقة نظرا لرفضه الإفصاح عن سجلاته الضريبية.

عاش ترامب حياة صاخبة أقرب إلى حياة نجوم هوليود في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وتزوج 3 مرات، آخرها من سيدة أميركا الأولى ميلانيا ذات الأصول السلوفينية، ولديه 5 أبناء وعدد من الأحفاد.

عرفت مدينة نيويورك ترامب جيدا وعرفها، وأصبح أحد نجوم مجتمعها الليلي باستثمارات في برامج تلفزيونية شارك شخصيا في بعضها، كما يمتلك عددا من أهم مبانيها، إضافة إلى ملكيته مسابقة ملكة جمال أميركا ومسابقة ملكة جمال العالم.

لم تكن لترامب اهتمامات كبيرة بالشأن السياسي إلا ما كان يعنيه كرجل أعمال، ولم يعرف عنه أي توجه أيديولوجي معين، ولم ينضم لحزب أو كيان سياسي، قبل أن يعلن رغبته الجادة في خوض السباق الرئاسي عام 2015.

ترامب وحرب أميركا الثقافية
أشعل ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض حروبا ثقافية على خلفية قضايا تتعلق بهوية أميركا ومعنى أن تكون أميركيا، وجاءت قضية الهجرة على رأس هذه القضايا.

هاجم المهاجرين، وتوعد غير النظاميين منهم، وقرر الشروع في بناء جدار فاصل مع المكسيك.

كما حظر ترامب دخول مواطني عدة دول إسلامية بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي لبلاده كما يدعي.

ومع ذلك، ينفي ترامب أن يكون عنصريا، وأكد في عدة مناسبات أنه "أقل شخص عنصري في أي مكان بالعالم".

لكن منتقديه يعتبرونه عنصريا بامتياز على الرغم من أنهم يرون أنه ليس عنصريا تقليديا ممن يؤمنون بسمو ذوي البشرة البيضاء وإنما هو عنصري خدمة لأهدافه السياسية، ساعد على ذلك ربما عيشه في مانهاتن بمدينة نيويورك التي لا يتمتع أصحاب أي عرق أو جنس أو لون أو ديانة بالأغلبية فيها.

ويدرك ترامب وكبار مستشاريه ضرورة بقاء الحرب الثقافية الاجتماعية داخل الولايات المتحدة حية ومشتعلة من أجل حشد وتعبئة قواعده الانتخابية الوفية التي يقلقها استمرار زيادة التنوع والاختلاف بين الأميركيين.

ويعرف الرئيس أن أغلب من يصوتون لديهم لهم ميول عنصرية، وأنهم يريدون أميركا دولة مسيحية بيضاء، لذا فهو من حين لآخر يذكرهم بأنه مرشحهم المثالي.

ترامب وعدم الإستراتيجية في الخارج
تبنى ترامب مبدأ "أميركا أولا"، وحاول تطبيقه من منطلق شخصي نفعي دون النظر للحسابات الإستراتيجية التي يستحيل ترجمتها إلى أرقام من منطلق مبدأ الربح والخسارة المادية وفق خبراء.

ولا تنطلق قرارات إدارة ترامب الخارجية من نظريات في إدارة العلاقات الدولية، بل كانت في أغلبها عبارة عن عمليات توازن بين الرئيس ونائبه ووزير الخارجية من جانب، وبين مؤسسات الأمن القومي من جانب آخر، لكنها مبنية بالأساس على حسابات وتفضيلات ترامب المتعلقة بأمور متداخلة ومعقدة بصورة يطغى عليها الجانب الشخصي كما أشار مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون في كتاب "الغرفة التي حدث فيها ذلك.. مذكرات البيت الأبيض".

اتخذ ترامب العديد من القرارات خلال السنوات الأربع الماضية تسببت في ارتباك واضح في النظام الدولي بحكم موقع الولايات المتحدة في هذا النظام.

وتسببت القرارات في خلق فراغات إقليمية ودولية بشكل مفاجئ للعديد من الأطراف والشركاء قبل الأعداء، وزيادة حالة عدم اليقين تجاه مستقبل العلاقات مع واشنطن حسب متابعين.

وتمثل سياسات ترامب تهديدا حقيقيا لقواعد العلاقات الدولية المتعارف عليها، لأن تغيير قواعد التعامل الدولي المحاط بالغموض يدفع كل طرف إلى تقديم تفسيره الخاص للقواعد الجديدة.

حاول ترامب أن يدفع بعلاقات شخصية مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون منتظرا أن تتخلى بيونغ يانغ عن ترسانتها النووية اعتمادا على الثقة في الرئيس ترامب.

تعامل ترامب مع دول حليفة للولايات المتحدة من منطلق تجاري بحت، وطالبها بدفع مقابل مادي لوجود قوات أميركية لحماية هذه الدول، خاصة اليابان وكوريا الجنوبية.

ولم يكترث ترامب بأهمية حلف الناتو لواشنطن، واعتبره مؤسسة عفا عليها الزمان، وسحب آلاف الجنود الأميركيين من ألمانيا.

وفيما يتعلق بالشرق الأوسط نفذ ترامب ما وعد به وانسحب من الاتفاق النووي مع إيران، كما نقل سفارة بلاده في إسرائيل إلى مدينة القدس، وطرح خطته للسلام في الشرق الأوسط التي أقر مؤخرا بأن محركه الرئيس فيها هو أصوات الكتلة التصويتية الإنجيلية.

ولم يكترث ترامب بالتنظيم أو الالتزامات الدولية، انسحب من اتفاقية باريس للمناخ، وانسحب من اتفاقية التجارة الحرة مع دول المحيط الهادي، واعاد التفاوض بشأن اتفاقية نافتا، وانسحب من عدة منظمات تابعة للأمم المتحدة.

فشل محاولات تنحية ترامب
اتهم ترامب "الدولة العميقة" بالتواطؤ مع الديمقراطيين عبر تحقيقات التدخل الروسي في انتخابات 2016، لإخراجه من البيت الأبيض بأي طريقة ممكنة، ووصف انتهاء التحقيقات دون توجيه اتهامات له أو لأفراد عائلته بـ"الانتصار الكبير"، ورأى أن تحقيقات أوكرانيا جاءت رد فعل على تبرئته في قضية التدخل الروسي.

أدان مجلس النواب ذو الأغلبية الديمقراطية ترامب بانتهاكين للقانون: الأول يتعلق بإساءة استغلال سلطات منصبه عندما طالب أوكرانيا بالتحقيق بشأن منافسه السياسي الديمقراطي جو بايدن، وحجز مساعدات عسكرية كوسيلة ضغط، والثاني يتعلق بتهم عرقلة تحقيقات الكونغرس التي ظهرت في رفضه تقديم وثائق تخص البيت الأبيض لفريق التحقيق، ورفضه تعاون كبار مساعديه في التحقيقات.

وبرأ مجلس الشيوخ ذو الأغلبية الجمهورية ترامب من تهمتي إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونغرس.

وشغلت تحقيقات روسيا وأوكرانيا أميركا والعالم، وكان من أبرز ملامح رئاسة ترامب أن ضرب فيروس كورونا المستجد الأراضي الأميركية.

ترامب يواجه الفيروس
فاجأ فيروس كورونا الرئيس ترامب بصورة لم يتوقعها أحد، وبعدما كان يتباهى بانخفاض أرقام البطالة وتحسن الاقتصاد بصورة غير مسبوقة شهدت الولايات المتحدة ركودا اقتصاديا هو الأسوأ في تاريخها.

وانقسمت رحلة ترامب تجاه فيروس كورونا إلى 4 مراحل، الأولى: مرحلة الإنكار والاهتمام بقضايا أخرى، فخلال الأسابيع الأولى لوصول الفيروس إلى الولايات المتحدة انكب تركيز ترامب على المحاكمة التي أجراها مجلس الشيوخ بهدف عزله.

وتميزت المرحلة الثانية بادعاء أن كل شيء تحت السيطرة، وأنه لا وجود لمخاطر وشيكة على بلاده.

واعترف ترامب في المرحلة الثالثة بأن الولايات المتحدة تواجه عدوا خفيا لا مثيل له، وأعلن نفسه في ظهوره المتكرر بالبيت الأبيض كرئيس دولة في حالة حرب.

ترامب يجدد اتهاماته للصين بالمسؤولية عن تفشي فيروس كورونا
ترامب يجدد اتهاماته للصين بالمسؤولية عن تفشي فيروس كورونا (الجزيرة)

ثم انتقل ترامب إلى مرحلة رابعة بحث فيها عن كبش فداء ولوم الآخرين، وبدأ بتحميل الصين مسؤولية انتشار الفيروس، وأطلق عليه اسم "الفيروس الصيني"، ثم ألقى باللوم على الاتحاد الأوروبي بسبب الإصابات الكثيرة التي ظهرت في نيويورك، وكانت دول أوروبية هي المصدر.

ولم تنج الإدارات السابقة -خاصة إدارة الرئيس باراك أوباما- من لوم الرئيس ترامب عن خسائر أميركا البشرية والمالية جراء تبعات فيروس كورونا.

وكان حكام الولايات هم آخر من وجه إليهم ترامب أسهم الاتهامات على تقاعسهم عن القيام بواجباتهم و"الاستعداد المبكر لمواجهة تبعات فيروس كورونا".

وبعد الانتهاء من مؤتمري الحزبين الديمقراطي والجمهوري يبدأ الصراع الحقيقي والرسمي على المقعد الرئاسي للولايات المتحدة.

ويبقى التساؤل قائما عما إذا ما قام ويقوم به ترامب يبشر بطريقة جديدة تبقى بعد رحيله ويقتدي بها الرؤساء القادمون، أم إنها تمثل خروجا مؤقتا عن المألوف ينتهي بخروجه من البيت الأبيض وبعدها تعود التقاليد الراسخة للسياسية الأميركية كما عرفها العالم والأميركيون.

المصدر : الجزيرة