اتهمت بعدم الكفاءة والاستقلالية.. هل تنال حكومة المشيشي ثقة الأحزاب التونسية؟

الرئيس التونسي قيس سعيد (يمين) يكلف وزير الداخلية هشام المشيشي بتشكيل الحكومة
رئيس الوزراء المكلف هشام المشيشي (يسار) هل يقنع الأحزاب بالتصويت لحكومة غير حزبية؟ (مواقع التواصل الإجتماعي)

تباينت آراء الأحزاب التونسية تجاه التركيبة الوزارية المقترحة التي أعلنها رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي، والتي أراد لها أن تكون حكومة كفاءات مستقلة، بانتظار عرضها على البرلمان لنيل الثقة مطلع سبتمبر/أيلول المقبل.

وتتكون الحكومة الجديدة من 28 وزيرا وكاتب دولة، وتتميز بتعيينات غير مسبوقة في تاريخ الحكومات المتعاقبة حيث أسندت حقيبة وزارة الثقافة لشخص من ذوي الإعاقة البصرية، في حين منحت وزارة الشباب لآخر من ذوي البشرة السوداء، كما برز الحضور النسوي باقتراح سبع نساء لحقائب وزارية.

سابقة بتاريخ الحكومات العربية
ولا يخفي الأكاديمي وليد الزيدي في حديث خاص مع الجزيرة نت فرحته بالثقة التي منحها له رئيس الحكومة المكلف باقتراحه على رأس وزارة الثقافة رغم إعاقته البصرية، منذ أن كان في عمر السنتين إثر إصابته بسرطان في العين.

ويضيف "آمنت أنه واجب وطني أضطلع به ولا فرق بينه وبين أمانة التدريس، وسأعمل على أن أحيط نفسي داخل الوزارة بحال منحت الحكومة الثقة بنخبة من الكفاءات، وشعاري دائما هو أن الدنيا تؤخذ غلابا".

ويعد الزيدي أول وزير كفيف في تاريخ الحكومات التونسية والعربية بعد الأديب طه حسين في مصر ولقبته جامعته بـ "طه حسين تونس"، حيث حصل على شهادة الدكتوراه في الآداب من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمنوبة (شمال تونس).

وحول الانتقادات التي طالته من بعض الأشخاص وحتى زملاء المهنة الذين شككوا في قدراته على إدارة وزارة بحجم وزارة الثقافة، يرد الزيدي "ليست الاستطاعة ببصرك إنما الاستطاعة ببصيرتك وإرادتك وتكوينك وبمن تتخذهم شركاء لك في مشروع ثقافي تنموي جامع".

وشغل وزير الشباب والرياضة المرشح الرأي العام في تونس بسبب لون بشرته، ولا سيما أن تاريخ الحكومات المتعاقبة في تونس لم تعرف وزيرا أسود البشرة.

وتولى الوزير المرشح كمال دقيش رئاسة جامعة الملاكمة والجامعة التونسية لألعاب القوى، وهو محام وأستاذ جامعي بكلية الحقوق والعلوم السياسية في تونس.

وعلى الرغم من تجريم التمييز العنصري في تونس منذ سنوات فإن اعتلاء أشخاص من ذوي البشرة السوداء مناصب وزارية أو سيادية كان يبدو أمرا مستهجنا في المجتمع التونسي ولدى الأوساط السياسية، وفق حقوقيين وباحثين اجتماعيين في ظاهرة العنصرية.

تهم بالمحاباة
وتلاحق رئيس الجمهورية قيس سعيد تهمٌ بالمحاباة وبفرض أسماء من المقربين له وزملاء المهنة سابقا وتلاميذه بكليات الحقوق في وزارات سيادية، ولعل أبرزهم وزير الداخلية المرشح توفيق شرف الدين الذي تولى إدارة الحملة الانتخابية للرئيس في محافظة سوسة، ودرس على يد سعيد في كلية الحقوق بالمحافظة ذاتها.

ومن الأسماء الوزارية المرشحة والتي أثارت لغطا بسبب قربها من دوائر سعيد، وأغلبهم من المتمرسين في القانون والقضاء:

– وزير الخارجية عثمان الجرندي.
– وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي.
– وزير العدل محمد بوستة.
– وزيرة الوظيفة العمومية حسناء سليمان.

ليست كفاءات ولا مستقلة
ونفى القيادي بحركة النهضة خليل برعومي صفة "الكفاءة والاستقلالية" عن حكومة المشيشي، مشيرا في تصريح للجزيرة نت إلى وجود بصمات واضحة للرئيس قيس سعيد، وتدخله بقوة لفرض وزراء بعينهم.

وأكد أن الحكومة المقترحة لا تملك ضمانات بقائها ولا ضمانات تحقيق استقرار سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، لافتا إلى أن الموقف النهائي للحزب سيتحدد على ضوء اجتماع مجلس شورى الحركة خلال اليومين المقبلين وبالتشاور مع بعض الأحزاب الأخرى.

محسوبية
واستنكر القيادي في التيار الديمقراطي هشام العجبوني محاولات ترذيل الأحزاب وتحييدها عن الحكومة، مشككا في قدرة الأسماء المقترحة على إدارة المرحلة المقبلة.

ويقول العجبوني إن معايير اختيار رئيس الحكومة لوزرائه -والتي بنيت على الكفاءة والاستقلالية- تدحضها تعيينات أشخاص لهم ماض ونشاط حزبي على غرار الوزير المكلف بالعلاقات مع مجلس النواب علي الحفصي الذي سبق أن تولى منصب الأمين العام لحزب نداء تونس.

وكان حزب حركة الشعب المكون الثاني لائتلاف الكتلة الديمقراطية في البرلمان إلى جانب التيار، قد أعلن موقفا مغايرا لحليفه حيث عبرت قياداته عن دعمها المبدئي لحكومة المشيشي، الأمر الذي اعتبره محللون مؤشرا لبداية انقسام داخل الكتلة صاحبة التمثيل الثاني في البرلمان بـ 39 نائبا.

وشدد العجبوني على أن اختيار بعض الوزراء يبعث على الريبة والشك في مدى استقلاليتهم، منتقدا اختيار خمسة قضاة في الحكومة المقبلة "ما يمس استقلالية القضاء وتداخله مع السلطة التنفيذية"، على حد قوله.

وكان التيار الديمقراطي قد حسم موقفه بعدم منح الثقة لحكومة المشيشي، محذرا من المنهج الذي اختاره الرئيس بإقصاء الأحزاب والمضي في حكومة كفاءات غير متحزبة، مما يمثل تهديدا للديمقراطية الناشئة وتعديا على إرادة الناخبين، حسب بيان الحزب.

تأييد
في المقابل، أثنى القيادي في حركة تحيا تونس مروان فلفال في تصريح للجزيرة نت على كفاءة واستقلالية الشخصيات التي اختارها المشيشي في حكومته المقبلة، مشددا على أهمية الإسراع في التصويت على منح الثقة للحكومة بالنظر للاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية التي تنتظر البلاد.

ورجح رئيس كتلة قلب تونس في البرلمان أسامة الخليفي أن يمنح حزبه الثقة لحكومة المشيشي، رغم تحفظه على بعض الوزارات، مؤكدا في تصريح إعلامي محلي أن أولوية حزبه تتمثل في الخروج من الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم.

يشار إلى أن مكتب البرلمان قد حدد جلسة عامة للتصويت على منح الثقة لحكومة المشيشي في مطلع الشهر المقبل، ويتطلب تمريرها الحصول على الأغلبية المطلقة أي 109 أصوات من مجموع 217.

المصدر : الجزيرة