بعد إعلان وقف إطلاق النار بليبيا.. 6 أوجه للتوافق والاختلاف بين بياني حكومة الوفاق وبرلمان طبرق

بشكل مفاجئ، أصدر رئيس المجلس الرئاسي الليبي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج، ورئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، بيانين متزامنين يعلنان فيهما وقفا شاملا لإطلاق النار، وفتح الحقول والموانئ النفطية، مما يعني نجاح الضغوط الدولية في تحقيق اختراق هام في الأزمة الليبية قد يمهد لاتفاق أشمل.

البيانان الموقعان، بيوم الخميس 20 أغسطس/آب، لم ينشرا إلا الجمعة، ويتضمنان عدة نقاط مشتركة، لكن بالمقابل فيهما عدة نقاط ظلت أشبه باشتراطات من كل طرف، وهذا ما يفسر عدم صدور بيان مشترك لكل من السراج وصالح.

وفي التقرير التالي نرصد أبرز نقاط الخلاف بين البيانين:

1- ترسيم وقف إطلاق النار
بعد وقت وجيز من إصدار السراج تعليماته لجميع القوات العسكرية التابعة له بالوقف الفوري لإطلاق النار وكافة العمليات العسكرية في كل الأراضي الليبية، أعلن قائد غرفة عمليات سرت والجفرة العميد إبراهيم بيت المال امتثاله لأوامر رئيس المجلس الرئاسي، بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي.

بينما طلب صالح، الذي لا يملك سلطة فعلية على قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، من "الجميع" (دون تحديد)، الوقف الفوري لإطلاق النار وكافة العمليات القتالية في جميع أنحاء البلاد.

ولم تعلن مليشيا حفتر حتى الآن موافقتها على وقف إطلاق النار، رغم أن المعارك توقفت فعليا منذ يونيو/حزيران الماضي.

2- فتح النفط وتجميد إيراداته
لكن أهم نقطة في البيانين جاءت بشكل متشابه، تتمثل في استئناف إنتاج وتصدير النفط في الحقول والموانئ النفطية.

ويأتي ذلك بعد ٣ أيام من إعلان مليشيا حفتر موافقتها على تصدير النفط ومنتجاته المخزنة في الموانئ النفطية، ورفضها في الوقت نفسه استئناف إنتاج النفط.

كما تم حل إشكال كبير بالنسبة للتصرف بأموال النفط، الذي كانت مليشيا حفتر تعترض على إيداعه في البنك المركزي الليبي، حتى لا تتصرف فيه الحكومة الشرعية، وتطالب بتوزيعها بشكل "عادل" على جميع المناطق.

ووفق البيانين، ستودع الإيرادات في حساب خاص لدى المصرف الليبي الخارجي (التابع للبنك المركزي الليبي)، ولا يجري التصرف فيها إلا بعد التوصل إلى تسوية سياسية.

وبينما شدد السراج على ضرورة أن تشرف المؤسسة الوطنية للنفط وحدها على تأمين الحقول والموانئ النفطية في كامل البلاد، تجاهل صالح هذه النقطة، خاصة أنها تعني سحب ورقة مهمة من مليشيا حفتر للمساومة عليها.

3- سرت منزوعة السلاح.. ماذا عن الجفرة؟
تضمن البيانان ما يشبه التوافق على أن تتولى قوة شرطية من الطرفين عملية تأمين مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، مما يعني جعل سرت منطقة منزوعة السلاح، وإخراج مليشيا حفتر ومرتزقة شركة "فاغنر" الروسية والمرتزقة الأفارقة منها.

لكن في هذه المسألة يوجد تباين كبير بين الطرفين، إذ يشدد السراج على أن وقف إطلاق النار يقتضي أن تكون سرت ومحافظة الجفرة (300 كلم جنوب سرت) منزوعتي السلاح.

غير أن صالح لم يُشر ألبتة إلى نزع السلاح من الجفرة وقاعدتها الجوية الإستراتيجية (650 كلم جنوب شرق طرابلس)، كما لم يتحدث عن نزع السلاح في سرت، وإن فهم ذلك ضمنيا، رغم أن تصريحات سابقة له تتحدث عمّا يمكن تسميته "إعادة انتشار خارج المدينة" وليس خارج محافظة سرت.

كما اشترط رئيس برلمان طبرق أن تكون سرت مقرا للمجلس الرئاسي الجديد، وهو ما لم يعلق عليه السراج سلبا أو إيجابا، وإن كانت الموافقة على هذه المسألة مستبعدة، لأنها تضع أعضاء المجلس تحت نفوذ مليشيا حفتر.

والمجلس الرئاسي الجديد، الذي يتحدث عنه صالح، يضم ممثلا عن كل إقليم من الأقاليم الثلاثة، بدل المجلس الرئاسي الحالي المشكل من 9 أعضاء (انسحب منهم 4).

4- خروج المرتزقة واستعادة السيادة
رغم أن الطرفين متفقان على ضرورة خروج المرتزقة من البلاد، لكن قد يختلفان في تحديدهم.

فرئيس المجلس الرئاسي أوضح أن الغاية النهائية من وقف إطلاق النار هي استرجاع السيادة الكاملة على التراب الليبي وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة.

أما رئيس برلمان طبرق فاعتبر أن وقف إطلاق النار يقطع الطريق أمام التدخلات الأجنبية وينتهي بإخراج المرتزقة وتفكيك المليشيات، ليتحقق استرجاع السيادة الكاملة.

5- نعم للانتخابات.. لكن متى؟
اتفق الطرفان على أن الهدف من هذا التوافق الوصول إلى انتخابات للخروج من المراحل الانتقالية، لكن الاختلاف بين رؤيتيهما ما زال واسعا، إذا أمعنّا في ما وراء السطور.

فالسراج يدعو إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية في مارس/آذار 2021، أي بعد نحو 7 أشهر من الآن، وهي فترة قصيرة لا تسمح بتغيير المجلس الرئاسي الحالي، مما يعني رفض مبادرة صالح التي تضمنها إعلان القاهرة، المتمثلة في انتخاب 3 أعضاء من الأقاليم الثلاثة (طرابلس وبرقة وفزان).

أما مبادرة صالح، فتقترح مرحلة انتقالية جديدة تمتد بين 18 و24 شهرا، أي أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في هذه الحالة لن تجرى إلا في 2022، على أقل تقدير.

فالسراج يريد الخروج من المراحل الانتقالية التي استمرت 9 سنوات، في حين يسعى صالح للدخول في مرحلة انتقالية جديدة قد تطيل الأزمة لسنوات أخرى.

6- كورونا والكهرباء قرّبتا بين الفرقاء
اللافت أنه في ديباجة البيانين برر السراج وصالح قبولهما بهذا التوافق بانتشار فيروس كورونا في البلاد والأوضاع الحالية التي تمر بها البلاد والمنطقة.

فليبيا تشهد خلال الأيام الأخيرة انتشارا لفيروس كورونا بشكل غير مسبوق في غرب البلاد كما في شرقها وجنوبها.

وتسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، بعد إغلاق مليشيا حفتر النفط، في أزمات كثيرة، أبرزها انقطاع الكهرباء لفترات طويلة يوميا.

وهذا الوضع تسبب في غليان شعبي، استغله أنصار نظام معمر القذافي السابق، للتحرك ميدانيا ومحاولة التظاهر للمطالبة بترشيح سيف القذافي لرئاسة البلاد، وإظهار أن ثوار 17 فبراير/شباط، سواء في معسكر السراج أو معسكر حفتر، فشلوا في إعادة بناء الدولة، وأرجعوا البلاد إلى أسوأ ما كانت عليه في عهد معمر القذافي.

لكن إصدار بيانَي "التوافق" في 20 أغسطس/آب، تاريخ سقوط العاصمة طرابلس في يد الثوار عام 2011 وانهيار نظام القذافي، قد تكون له دلالة بأن الثورة ما زالت لم تنكسر.

ويعكس صدور بيانين لوقف إطلاق النار الجهود الدولية المكثفة التي بذلتها الأسبوع الجاري عدة دول، على رأسها تركيا والولايات المتحدة وألمانيا، وشملت المشاورات دولا مؤثرة على غرار روسيا والإمارات وفرنسا وقطر.

لكن يبقى التساؤل عما إذا كان حفتر سيلتزم بما أعلنه صالح، خاصة أن الأول رفض المقترح الأميركي "سرت والجفرة منزوعتا السلاح"، ولا ينظر بعين الرضا لصعود أسهم الأخير.

المصدر : وكالة الأناضول