محرج أمام خصومه.. لهذه الأسباب يفشل الكاظمي في فرض سلطة الدولة على معابر كردستان

Iraqi Prime Minister Mustafa al-Kadhimi speaks to the media at Mandali border crossing between Iraq and Iran, in Mandali
الكاظمي خلال تفقده أحد المنافذ الحدودية مع إيران (رويترز)

انتقد مراقبون ضعف أداء رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في التعامل مع إقليم كردستان في عدة ملفات مهمة، أبرزها ما يتعلق بإدارة المنافذ والمعابر الحدودية والشركات النفطية، في إشارة منهم إلى عجزه عن فرض "هيبة الدولة" على الإقليم.

ويُنظر إلى خطوات وإجراءات الكاظمي بأنها ضعيفة وناقصة إزاء الأكراد، لا سيما فرض هيبة الدولة والقوانين الحكومية على المفاصل والمؤسسات الحكومية والرسمية في الإقليم، بعد تنفيذه سلسلة قرارات بطيئة لفرض السيطرة على المنافذ الأخرى في بقية المحافظات، لا سيما تلك التي كانت خاضعة لسيطرة الفصائل الشيعية المسلحة في المناطق الجنوبية الحدودية مع إيران.

 

رسوم جمركية موحدة بكافة المنافذ الحدودية للعراق
إقليم كردستان يضم 5 معابر ومنافذ حدودية معتمدة دوليا (الجزيرة)

22 منفذا

ويبلغ عدد المنافذ والمعابر البرية والبحرية في العراق 22 منفذا رسميا، تضاف إليها منافذ أخرى داخلية غير معتمدة رسميا، ويمكن وصفها بالشريان الاقتصادي الثاني في البلاد بعد النفط، إذ تؤمن ما نسبته 12% من اقتصاد العراق، وتهدر سنويا ما يقدر بـ15 مليار دولار، حسب تقارير إعلامية.

ويضم إقليم كردستان 5 معابر ومنافذ حدودية معتمدة دوليا، وهي: حاج عمران، وبرويزخان، وإبراهيم الخليل، وفيشخابور، وباشماخ، إضافة إلى مطاري أربيل والسليمانية الدوليين، ونحو 5 معابر محلية غير معتمدة.

وما زال التساؤل المطروح والمثير للجدل: هل فشل الكاظمي في فرض هيبة الدولة وثقلها المادي والمعنوي والسياسي على الموارد والمؤسسات الحية الغنية في إقليم كردستان، في وقت ينص فيه الدستور العراقي على أنها تخضع لإدارة السلطة المركزية في بغداد؟

ويرى مراقبون أن هيبة الدولة ومكانتها الحقيقية تبدأ من فرض السيطرة على الشرايين الاقتصادية والمالية فيها، لكونها تمثل كنزًا حيويا لها، وفقدان السيطرة عليها يمهد لإغناء وتقوية فصائل مسلحة خارجة عن القانون لأنها تحقق أموالا طائلة من خلالها.

وما زال الكاظمي يتعرض لانتقادات لاذعة، وبات موقفه محرجا جدا أمام خصومه الشيعة، لعدم تمكنه من فرض هيبة الدولة على المعابر والمنافذ وشركات النفط في إقليم كردستان، على غرار ما قام به في المحافظات الوسطى والجنوبية.

سيروان بابان
بابان قال إن إجراءات الكاظمي تجاه كردستان تفتقر الى الجدية وهي أشبه ما تكون بالفقاعة (الجزيرة)

عيب الكاظمي

ويَمنع نفوذ الأحزاب الكردية الحاكمة في الإقليم سيطرة السلطة المركزية على المعابر والمنافذ الحدودية فيه، ويمكن القول إن الأمر مستحيل للغاية، لأنها تؤمّن أموالا طائلة للنفوذ الحزبي، وفي الوقت ذاته ليست من مصلحة الكاظمي أن يشوه المصالح الشخصية للأحزاب الكردية.

وما يُعيب خطوات الكاظمي في هذا الصدد أنها تفتقر الى الجدية، وهي أشبه ما تكون بالفقاعة، كما يقول عضو برلمان الإقليم سيروان بابان، واصفًا خطوات وقرارات الكاظمي "بالسريعة"، معتبرًا ذلك غير مرغوب به في عالم السياسة، مع عدم امتلاكه القوة والقاعدة البرلمانية.

وتوقع النائب الكردي في حديثه للجزيرة تراجع سطوة الكاظمي يوما بعد آخر، معلقًا على ذلك بالقول "القطار الذي يسير بسرعة أكثر من طاقته ستكون نهايته التوقف وعدم الاستمرار".

وفي رده على سؤال للجزيرة نت عن احتمالية أن تلعب الاتفاقات السياسية في الانتخابات المقبلة دورًا في هذا الأمر، يقول بابان إن الكاظمي يعرف كيف يستغل تعاطف الشارع الكردي، مما يمهد إلى عدم اكتمال المفاوضات بين الطرفين بشأن الموارد النفطية مع وجود مصالح لدول مجاورة للإقليم، لا سيما فيما يتعلق بالعقود المبرمة بينهما.

ويتوقع بابان أن يفشل رئيس الوزراء العراقي في فرض هيبة الدولة العراقية على كردستان بسبب الابتزاز والرشوة القائمين، فضلا عن وجود دولة داخل دولة ورفض الإقليم التماشي مع سلطة الدولة، متسائلا: كيف سيتمكن الكاظمي خلال هذه المدة الوجيزة من السيطرة عليها؟ في وقت تعجز فيه حكومة كردستان بعد 30 سنة من الحكم الذاتي عن السيطرة على المنافذ والمعابر الحدودية، في إشارة منه الى خضوع المنافذ والمعابر لسلطة الأحزاب وليس الحكومة.

وتعتبر إدارة المعابر من الملفات المعقدة بالنسبة للحكومة الاتحادية، سواء الموجودة في كردستان أو القريبة من الحدود الإيرانية؛ كونها تؤمن إيرادات ضخمة وكبيرة، ويتم إهدارها من دون معرفة مصيرها أو أين تذهب.

د. محمد الحياني
الحياني يرى إمكانية حل الإشكالات العالقة بين بغداد وأربيل من خلال الحوار (الجزيرة)

استخدام القوة

ولا يكفي اللجوء إلى القوة العسكرية لفرض هيبة الدولة على هذه المعابر والمنافذ، بل يمكن حل الإشكالات العالقة بين بغداد وأربيل عبر الحوار، ومن خلال تطبيق القانون بحزم ومهنية وحيادية، كما يقول المحلل السياسي محمد الحياني.

ويمكن تفسير سكوت الكاظمي وعدم اتخاذ أي إجراء أو قرار في ما يتعلق بالمعابر والمنافذ الحدودية في الإقليم إلى رغبته في إقامة علاقات ودية مرنة مع الأكراد، تزامنا مع قرب إجراء الانتخابات المبكرة وتشكيل التحالفات السياسية، إلا أن هذا الأمر يجب ألا يكون على حساب المصلحة الوطنية وتطبيق القانون، كما يرى الحياني.

وعن رأيه في توجيه قوة عسكرية من خارج الإقليم لإدارة المنافذ الحدودية في كردستان كما أوعز الكاظمي لقوات مكافحة الإرهاب بالإشراف الأمني على بعض المعابر، يؤكد المحلل السياسي للجزيرة نت أن الشعب العراقي سئم المواجهات واستخدام القوة والسلاح، مقترحا الذهاب إلى فضاء أوسع والحوار الوطني، مع ضرورة تفضيل المصلحة الوطنية فوق كل المصالح الأخرى للوصول إلى مخرجات تساعده على فرض هيبة الدولة والقانون في آن واحد.

كاطع الركابي
الركابي اعتبر أن موقف الكاظمي من الأكراد تحكمه اعتبارات انتخابية وإقليمية (الجزيرة)

اعتبارات انتخابية

وليس من السهل أو المعقول أن تسمح كردستان للحكومة الاتحادية بالسيطرة على منافذ الإقليم، كما فعلت بغداد مع المعابر الأخرى في المحافظات الجنوبية، كما يقول كاطع الركابي عضو مجلس النواب العراقي عن ائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

ويرى الركابي أن الكاظمي يحاول بسكوته عن الإقليم هذا إرضاء الأطراف المؤثرة، لا سيما التي تملك علاقات إقليمية ودولية، مؤكدًا للجزيرة نت أن الاتفاقات السياسية والتحالفات للانتخابات المقبلة ستلعب دورًا في استمرار هذا الصمت.

المصدر : الجزيرة