بعد معركة تعيين الولاة.. نذر أزمة جديدة في السودان بسبب قانون الحكم اللامركزي

اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء باعتباره البرلمان المؤقت (مواقع التواصل)

تلوح بوادر أزمة في الأفق بين الحكومة الانتقالية بالسودان وحاضنتها السياسية قوى الحرية والتغيير، على خلفية قانون جديد للحكم اللامركزي الذي ينظم العلاقة بين الحكومة المركزية والولايات 18 التي انجلت معركة تعيين الولاة فيها للتو.

وبشئ من الريبة تنظر قوى الحرية والتغيير للقانون، وذلك لأن اللجنة القانونية للتحالف لم تستشر فيه قبل إجازته في مجلس الوزراء قبيل عيد الأضحى، لتتبدى بعد ذلك تحفظات تتعلق بمنح القانون صلاحات واسعة للولاة.

ويقول القيادي في قوى الحرية والتغيير نور الدين صلاح الدين للجزيرة نت إن "التحالف الجديد لديه ملاحظات على القانون، رغم أنه ركز السلطات في يد الولاة الجدد المختارين من قبلهم".

وتجري حاليا مناقشات بين إدارة التشريع في مجلس الوزراء واللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير، حيث تم رفع عدد من النقاط الخلافية للمجلس المركزي للتحالف بغية البت فيها.

ولاة الأقاليم الجدد أثناء أداء القسم (مواقع التواصل)

وزير أم مدير؟
وحصر عضو اللجنة القانونية في قوى الحرية والتغيير كمال محمد الأمين عبد السلام تحفظاتهم على القانون في ثلاث نقاط، أولها خلاف أساسي حول تسمية الوزراء في الولايات بالمديرين العامين.

ويقول الأمين للجزيرة نت إن المدير العام يخضع للوائح الخدمة المدنية، وهو فني ومؤهل على عكس الوزير الولائي الذي ربما تتغلب على اختياره ظروف سياسية، ولكن رغم ذلك هناك مجتمعات في ولايات لا تقبل بمديرين عامين بدلا عن الوزراء.

ويتمثل الخلاف الثاني وفقا للأمين في تكوين المجلس التشريعي بالولايات، وهل يعتمد الطريقة، التي أقرها اتفاق السلام الشامل في نيفاشا (يناير/كانون الثاني 2005) بأن يكون عدد نواب المجالس التشريعية في ولايات الخرطوم والجزيرة وجنوب دارفور 48 نائبا وبقية الولايات 25 نائبا وذلك تبعا للكثافة السكانية.

وإضافة إلى المجلس التشريعي يشير الأمين إلى أن هناك خلافا حول اعتماد نسبة البرلمان الانتقالي التي أقرتها الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية بمنح 67% من مقاعد المجالس التشريعية الولائية لقوى الحرية والتغيير، مع مشاركة لجان المقاومة أم ملأها بلجان المقاومة وقوى مجتمعية أخرى.

وضع لجان المقاومة
ويعود الأمين ليقول إن الخلاف الثالث يتمحور حول خيار إنشاء سلطة قضائية ونائب عام بكل ولاية بحيث يكون على رأس كل ولاية رئيس نيابة يرأس لجنة الأمن بالولاية بدلا عن الوالي، وهو الساري حاليا.

ويؤكد موظف مسؤول في مجلس الوزراء للجزيرة نت أن قوى الحرية والتغيير وعبر لجنتها القانونية أبدت ملاحظات بهذا الخصوص، هي محل نظر لدى المجلس.

وينفي الموظف أن يكون قانون الحكم اللامركزي قد كرس لسلطات الولاة على حساب الجماهير، موضحا أن من ضمن التحفظات المثارة تهميش لجان المقاومة وهو غير صحيح لأن القانون نص بوضوح على مشاركتهم في المجالس التشريعية.

وبشأن لجان المقاومة يؤكد حسان نصر الله وكيل وزارة ديوان الحكم الاتحادي للجزيرة نت أن القانون لم ينص على تحديد "كوتة" للجان المقاومة لكنه نص في المقابل على نسب مشاركة للشباب والمرأة.

مظاهرات ٣٠ يونيو/حزيران 2020 في السودان
يأمل السودانيون الذين أسقطوا نظام البشير في إقامة نظام ديمقراطي بديل (الجزيرة)

تعديلات مقترحة
وطبقا لوكيل وزارة ديوان الحكم الاتحادي فإن أبرز التعديلات التي سيتم إدخالها على القانون الجديد اعتماد تسمية الوزراء بدلا عن المديرين العامين التي تم النص عليها ابتداء، لتقليل التكلفة المتعلقة بالامتيازات وتجنب المحاصصة السياسية والترضيات العشائرية.

ويقول وكيل الوزارة إن من ضمن التعديلات أيضا منح الولايات ذات الكثافة السكانية نوابا أكثر في مجالسها التشريعية، على أن يمثل النواب الطيف الاجتماعي وقوى الحرية والتغيير في الولايات.

وأوضح أن النص على أن يرأس الوالي المجلس التشريعي الولائي جاء ليتماشى مع الوثيقة الدستورية التي تعتمد نظام الغرفة المشتركة لمجلسي السيادة والوزراء للتشريع، وهو ما سيكون عليه الحال في مجالس الولايات.

ويشير إلى أن هناك وزراء اتحاديين أبدوا ملاحظات تتعلق بقوائم السلطات الحصرية للولاية والسلطات المشتركة بين الولاية والمركز، مثل قضايا الآثار والسياحة والصحة والتعليم.

وينفي وكيل الوزارة تجاوز قوى الحرية والتغيير في وضع قانون الحكم اللامركزي، مؤكدا أن مستندات إثبات الحضور في الإعداد للقانون تثبت مشاركتهم.

في ذات السياق، يستبعد الموظف المسؤول بمجلس الوزراء وصول الخلافات بين المجلس وقوى الحرية والتغيير حول القانون لمرحلة الأزمة، مشددا على أنه سيتم إدخال تعديلات على متن القانون قبيل عرضه على البرلمان المؤقت "الغرفة المشتركة لمجلسي السيادة والوزراء".

تحديات متوقعة
ويحذر الخبير الإداري عمر علي جماع من جملة مهددات للحكم اللامركزي أهمها استمرار الحرب، وتعثر تحقيق السلام مما يحول دون استقرار أي حكم إداري في بلد به تباينات شائكة.

ويؤكد جماع أن فصل السلطات والصلاحيات، بين المستويات الثلاثة المركزية والولائية والمحلية، يمثل بدوره تحديا آخر، فضلا عن عدم التحرر المعقول من هيمنة المركز، وهي قضية تتضح أثناء الممارسة والتطبيق للقوانين.

وينوه إلى عدم إتاحة الفرصة الكافية للأجهزة الشعبية في الرقابة رغم أن قوانين الحكم اللامركزي السابقة واللاحقة ظلت تنص على هذا الحق، ويعزو ذلك لسيطرة الجهاز التنفيذي على الجهاز الشعبي عبر تحكمه في امتيازات مثل السيارات والرواتب.

ويعتبر جماع أن المزج بين السلطتين التنفيذية والتشريعية يعد مشكلة حقيقية في القانون المطروح حاليا، حيث نص على أن يكون الوالي رئيسا للمجلس التشريعي.

وينصح القائمين على أمر الحكم اللامركزي باختيار المسؤولين بالولايات والمحليات، بمعايير الكفأة والجدية، دون النظر للمحاصصات السياسية والترضيات.

المصدر : الجزيرة