عبر اتفاقيات عدة.. هكذا تسعى بريطانيا لتأمين لقاح آمن وفعال ضد كورونا

Britain's William, Duke of Cambridge, visits the Oxford Vaccine Group's facility at the Churchill Hospital, in Oxford
التجارب التي تجريها جامعة أكسفورد على لقاح مضاد لفيروس كورونا أظهرت أن بإمكانه منح مناعة للجسم ضد الفيروس (رويترز)

أخبار إيجابية حملتها جامعة أكسفورد للبريطانيين وللعالم بإعلانها أن اللقاح الذي تعكف على تطويره ضد فيروس كورونا، أظهر فعاليته في مواجهة الفيروس وقدرته على منح مناعة للجسم ضد هذا المرض، وهو ما يجعل من هذا اللقاح يحتل صدارة اللقاحات القريبة من الاعتماد ضمن قائمة طويلة من اللقاحات التي يجري تطويرها في دول مختلفة.

ولعل رهان الحكومة البريطانية على هذا اللقاح ظهر منذ أشهر عندما أعلن رئيس الوزراء بوريس جونسون عن تخصيص مبلغ يفوق 20 مليون جنيه إسترليني لدعم مشروع الجامعة البريطانية، وللتعجيل بكل مراحل البحث والاختبار.

كما أن دخول عملاق تصنيع الأدوية في بريطانيا "أسترا زينيكا" على الخط للمساهمة في تطوير اللقاح، منح دفعة قوية لأشغال تطوير اللقاح، مما يعني أنه في حال حصول اللقاح على الموافقة ستكون هناك إمكانية لإنتاجه بكميات كبيرة.

وبعد نشر نتائج اختيار اللقاح على ألف شخص في مجلة "لانسيت" العلمية الشهيرة، والتي تظهر أن اللقاح فعال وآمن، بات لقاح جامعة أكسفورد ربما "أمل العالم" في خروجه الوشيك للاستعمال على نطاق واسع.

ولم يخب التحدي الذي رفعه وزير الصحة البريطاني مات هانكون خلال شهر أبريل/نيسان الماضي عندما رد على الانتقادات التي وجهت للحكومة البريطانية بأنها بطيئة في الرفع من أعداد الفحوص مقارنة مع ألمانيا، حينها اعترف الوزير بقوة ألمانيا في مجال تصنيع المعدات الطبية، لكنه أكد أن بريطانيا هي الرائدة في مجال البحث العلمي والطبي، وهو ما يؤكده التطور الذي يعرفه لقاح جامعة أكسفورد مقارنة مع لقاحات أخرى.

سباق اللقاحات
وعلى الرغم من النتائج الإيجابية التي أظهرها لقاح جامعة أكسفورد، فإن الحكومة البريطانية أعلنت عن إبرام صفقة لشراء 90 مليون جرعة من لقاحات محتملة لفيروس كورونا، وذلك بهدف تأمين العاملين في الخط الأول لمواجهة الفيروس.

وعن تفاصيل هذه الصفقة، أعلن وزير التجارة ألوك شارما أن 90 مليون جرعة ستكون كافية لتأمين العاملين في القطاع الصحي أولا، والعاملين في دور الرعاية حيث سيكون لهم الأولوية، ولكن الهدف الأساسي من هذه الصفقة -حسب عدد من المراقبين- هو أن تضمن بريطانيا لنفسها حصة من أي لقاح يظهر فعاليته، حيث من المتوقع أن يندلع صراع شبيه بصراع الكمامات إذا تم اعتماد أي لقاح لمواجهة كورونا.

وعن تفاصيل هذه الصفقة، فإن الحكومة قد تعاقدت مع الشركة الألمانية "بيون تيك" التي تطور لقاحا نجح في اختبارات المرحلة الأولى، وتقوم الصفقة على حصول الحكومة البريطانية على 30 مليون جرعة من هذا اللقاح إذا تم اعتماده، وقد أعلنت الشركة الألمانية أن نتائج اختبار اللقاح كانت إيجابية في المرحلة الأولى في انتظار المراحل المتبقية.

أما اللقاح الثاني فيتم تطويره من طرف الشركة الفرنسية "فالفينا"، الذي يعتبر أقل تقدما مقارنة مع لقاح جامعة أكسفورد ولقاح "بيون تيك" الألماني، ومع ذلك فإن الحكومة أبرمت عقدا للحصول على 60 مليون جرعة، وإذا أظهر اللقاح نجاعته وأنه آمن للاستعمال البشري، فإن الصفقة تمنح للحكومة البريطانية الحصول على 40 مليون جرعة إضافية.

وعن سبب استثمار الحكومة البريطانية في لقاح شركة "فالفينا" الفرنسية، فهو راجع بالأساس لكون مصنع هذه الشركة يوجد في أسكتلندا، وعلى هذا الأساس عرضت الحكومة أن تموّل التجارب السريرية للقاح، وفي حال نجاحه وتوسيع المصنع الموجود في أسكتلندا سيؤدي إلى خلق فرض شغل وحركة اقتصادية حقيقية في المنطقة.

Britain's William, Duke of Cambridge, visits the Oxford Vaccine Group's facility at the Churchill Hospital, in Oxford
دخول عملاق تصنيع الأدوية في بريطانيا "أسترا زينيكا" في تطوير اللقاح منح دفعة قوية لأشغال التطوير (رويترز)

بريطانيا أولا
وظهر من خلال إعلان وزير التجارة البريطاني عن هذه الصفقة الهدف الرئيسي من ورائها، وهو تأمين حصة بريطانيا من "كعكة اللقاحات"، حيث وصف ما يحدث حاليا بأنه عملية مطاردة للحصول على اللقاح، وتهدف الحكومة البريطانية إلى أن تكون من بين الدول المحظوظة التي ستحصل أولا على أي لقاح ناجع، وهو ما قد يشكل بالنسبة لها نجاحا صحيا واقتصاديا وحتى سياسيا خصوصا أمام الانتقادات الكثيرة التي توجه لحكومة جونسون وطريقة تعاملها مع وباء كورونا.

وبهذه الصفقة تكون بريطانيا قد أمّنت حصتها من لقاحين يتم إنتاجهما خارج حدودها، إضافة للقاح أكسفورد الذي عقدت من أجله اتفاقا مع الجامعة على الحصول على 100 مليون جرعة منه، كما اتفق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أسابيع على التنسيق والاستفادة المشتركة من أي لقاح يظهر نجاعته أولا.

وانتقلت الحكومة البريطانية للسرعة القصوى في أبحاث تطوير لقاح ضد فيروس كورونا، عندما أعلن وزير الصحة فتح الباب أمام مئات الآلاف من المتطوعين للخضوع للحقن باللقاحات المحتملة ضد الفيروس، معلنا أنهم في حاجة لأزيد من نصف مليون متطوع، وهو أكبر رقم سيجري الاختبار عليه في العالم.

ومما يزيد من احتمال أن تصبح بريطانيا من أول الدول التي تستفيد من لقاح ضد فيروس كورونا، هو بعد إعلان المؤسسة الهندية "سيروم" -التي تعتبر أكبر مصنع للقاحات في العالم- أنها لن تنتظر نتائج اختبار اللقاح على البشر، للانطلاق في تصنيع ملايين الجرعات من اللقاح، حتى يكون جاهزا للترويج مباشرة بعد حصوله على الموافقة، وستكون بريطانيا أول من يحصل على هذه اللقاحات من الشركة الهندية.

ومع ذلك ما زالت لغة التفاؤل الحذر هي السائدة في صفوف المسؤولين البريطانيين، بداية من رئيس الوزراء بوريس جونسون، الذي كان في السابق يستبعد احتمال التوصل للقاح ضد فيروس كورونا قبل أن يغير من نبرته بعد إعلان نتائج اختبارات لقاح أكسفورد، ويعبر عن احتمال التوصل للقاح مع نهاية السنة أو بداية العام المقبل، أما وزير الصحة مات هانكوك فقد شدد على ضرورة إجراء المزيد من الأبحاث للتأكد من أن اللقاح آمن تماما للاستعمال البشري.

المصدر : الجزيرة