في فلسطين.. العشائرية لمواجهة كورونا

صور للطواقم الطبية الفلسطينية التي أصبحت تأخذ عينات بالمئات يوميا بعد انتشار الفيروس مؤخرا في فلسطين| مصدر الصور: وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا
الكوادر الطبية الفلسطينية ضاعفت من عملها بعد زيادة معدلات انتشار الفيروس مؤخرا (الصحافة الفلسطينية)

تحلّ العشائرية في عددٍ من البلدان العربية مكان الجهات الرسمية والحكومية لحل النزاعات والحد من ظواهر معينة، وفي فلسطين برزت العشائرية مؤخرا من أجل مكافحة فيروس كورونا الذي يجتاح العالم.

وقد تضاعفت في فلسطين مؤخرا أعداد المصابين بكورونا، إذ تقول إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية إن أكثر من 80% من الإصابات مؤخرا -والتي ناهزت عن 5 آلاف- نتجت عن التجمعات في الأعراس وبيوت العزاء، وعدم الالتزام بطرق الوقاية والسلامة العامة.

وقررت الحكومة الفلسطينية اتخاذ إجراءات قانونية ضد المخالفين بإغلاق صالات الأفراح وتغريم غير الملتزمين، خاصة مع ارتفاع عدد الوفيات إلى ما يزيد على 32 حالة، ولكن الحكومة فعليا لا تسيطر على الواقع المضطرب على الأرض بوجود الاحتلال الإسرائيلي.

داود الزير أحد أبرز وجهاء العشائر في فلسطين يتحدث في جامعة فلسطين الأهلية عن وثيقة الشرف للحد من انتشار فيروس كورونا| بيت لحم|جنوب الضفة الغربية المحتلة
داود الزير أحد أبرز وجهاء العشائر يتحدث في جامعة فلسطين الأهلية عن وثيقة الشرف للحد من انتشار  كورونا (الجزيرة)

عدم التزام واستهتار

وقد أدى عدم الالتزام بقرارات الحكومة بمجموعة من الشخصيات الاعتبارية -وعلى رأسهم وجهاء العشائر- للاتفاق على ميثاق شرف وقع عليه المؤثرون في القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية، لإلزام الناس "أخلاقيا" بعدم إقامة الأعراس وبيوت العزاء، واقتصار ذلك على نطاقٍ ضيق مع اتخاذ إجراءات السلامة.

وقد أعلن هذه الوثيقة الشيخ داود الزير، أحد أبرز وجهاء العشائر في فلسطين، وأضيف إليها شخصيات عامة ولجان شعبية في المخيمات لتكون محلّ ثقة لدى العامّة، ليس فقط في المناطق التي فيها نفوذ عشائري بل في كل المدن والقرى والبلدات والمخيمات والتجمعات الفلسطينية.

يقول الشيخ داود الزير إن المواطنين ينقسمون بين مستهتر بالفيروس وغير مؤمن به، وآخر معاند لقرارات الحكومة، مؤكدا أن ذلك سيزيد من أعداد الإصابات والوفيات في وقت لاحق إذا ما أصيب كبار السن والمرضى، وهو ما حصل في فلسطين خلال أيام قليلة.

ويرى الزير -في حديثه للجزيرة نت- أن من الواجب التحرك لمساعدة الحكومة الفلسطينية في هذا الظرف الصعب، مشيرا إلى أن وثيقة الشرف تمت الموافقة عليها من مختلف وجهاء العشائر في جميع المحافظات الفلسطينية، للحد من تفشي الوباء.

صور للطواقم الطبية الفلسطينية التي أصبحت تأخذ عينات بالمئات يوميا بعد انتشار الفيروس مؤخرا في فلسطين| مصدر الصور: وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا
الأطقم الطبية تأخذ مئات العينات يوميا بعد تفشي الفيروس (الصحافة الفلسطينية)

 

 إلزام أخلاقي

ويسعى القائمون على وثيقة الشرف إلى الحد من تفشي الوباء الذي انتشر بسرعة بسبب التجمعات، ويقول الشيخ الزير إن الهدف من منع التجمع ليس منع إقامة الأعراس أو بيوت العزاء، وإنما وقف التجمعات والحث على استخدام الوسائل الحديثة في التواصل بين الناس لتقديم التهاني أو القيام بواجب العزاء، دون التجمع أو الالتقاء.

وطالب الزير من يتلقى دعوة أن لا يلبيها بالحضور الشخصي، كاشفا أن مصابا واحدا نقل العدوى إلى 20 شخصا أثناء مشاركته إياهم حفل زفاف في إحدى المحافظات الفلسطينية، كما أشارت إلى ذلك إحدى الإحصاءات.

واعتبر أن هذه الوثيقة العشائرية الوطنية تُلزم الفلسطينيين بطريقة أدبية وأخلاقية وشرفية أكثر منها قانونية، وهو جوهر العشائرية التي تقوم على هذه الصفات، ويمكن للحكومة أن تدعم ذلك من خلال القانون بملاحقة من يخالف إجراءات السلامة العامة.

صور للطواقم الطبية الفلسطينية التي أصبحت تأخذ عينات بالمئات يوميا بعد انتشار الفيروس مؤخرا في فلسطين| مصدر الصور: وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا
صلاة الجنازة على أحد المتوفين جراء إصابته بفيروس كورونا (الصحافة الفلسطينية)

وقف التنسيق الأمني

وأبرز الموقعون في وثيقتهم وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي ومنع أجهزة الأمن الفلسطينية من التنقل أو دخول مناطق من الضفة الغربية وشرق القدس، لأنها مناطق مصنفة (ج) بحسب اتفاق أوسلو.

ويصبح العُرف العشائري والأدبي في هذه المناطق أقوى من القانون بحكم عدم تمكن الجهات الرسمية من فرض سلطتها على الأرض، فضلا عن دعوة الوثيقة للفلسطينيين من المناطق المحتلة عام 48 والعاملين في هذه المناطق عند دخول الضفة الغربية أن يقوموا بالحفاظ على سلامتهم وسلامة عائلاتهم بطرق الوقاية المعروفة.

ومن جانبه، اعتبر المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية العقيد لؤي ارزيقات -في حديثه للجزيرة نت- أن الهدف من إجراءات الإغلاق في فلسطين والعقوبات التي أقرتها الجهات القانونية لغير الملتزمين في ظل جائحة كورونا، هو الحد من انتشار الفيروس وليس العقاب.

وثمّن ارزيقات أي دور مجتمعي فلسطيني في الحد من انتشار الوباء حتى يتسنى للشعب الفلسطيني تكريس قدراته وطاقته في مواجهة الاحتلال، الوباء الأخطر في الأرض الفلسطينية.

المصدر : الجزيرة