الكاظمي في مواجهة الفصائل الموالية لإيران.. من يكسب المعركة؟

عملية مكافحة الإرهاب
عملية جهاز مكافحة الإرهاب استهدفت ورشة لتصنيع السلاح تابعة لحزب الله العراقي (الأوروبية)

أثارت عملية جهاز مكافحة الإرهاب العراقي النوعية -التي داهم فيها ورشة لتصنيع صواريخ الكاتيوشا ومنصات إطلاقها تابعة لكتائب حزب الله العراقي في العاصمة بغداد، واعتقل عددا من عناصرها- ردود فعل واسعة في الشارع العراقي، في حين اعتبرها محللون خطوة مهمة في اتجاه حصر السلاح بيد الدولة.

وقال الجيش العراقي إن المداهمة استهدفت أفراد فصيل مسلح يشتبه في أنهم وراء إطلاق صواريخ على سفارات في المنطقة الخضراء الشديدة التحصين وسط العاصمة العراقية، وقاعدة أميركية في محيط مطار بغداد الدولي، مشيرا إلى أن السلطات العراقية تستجوب 14 رجلا اعتقلتهم أثناء المداهمة.

ولا تزال الأنباء متضاربة حول مصير المعتقلين، حيث تحدثت مصادر عن إطلاق سراح جميع الموقوفين، بينما نفى آخرون أنباء الإفراج عنهم مؤكدين إحالتهم إلى التحقيق.

الصورة مرسلة من قبله- رئيس مركز التفكير السياسي - د.احسان الشمري
إحسان الشمري يرى أن عملية اليوم تؤكد جدية الحكومة في ملاحقة مجاميع الكاتيوشا (الجزيرة)

مواجهة الفصائل

واعتبر خبراء ومحللون أن اعتقال عناصر الفصائل المسلحة خطوة لافتة في إطار مواجهة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لهذه الفصائل.

وقال المحلل السياسي إحسان الشمري إن "العملية انتقالية في طبيعة المواجهة مع هذه الفصائل"، لافتا إلى أن "الكاظمي يريد أن يوجّه رسالة شديدة إلى هذه الفصائل بأنها لن تكون في مأمن من الملاحقة، ولا سيما بعد استهدافها المتكرر للمنطقة الخضراء ومطار بغداد والمصالح الأميركية في العراق".

وأضاف الشمري -في حديثه للجزيرة نت- أن "خطوة الكاظمي تأتي كجزء من عملية الرد الصارم على عمليات الفصائل المسلحة، والتي تتسبب بتهديد وإرباك أمني في البلاد".

ويرى الشمري أن "عملية جهاز مكافحة الإرهاب تؤكد أن حكومة الكاظمي ماضية في اتجاه حصر السلاح بيد الدولة، وأن هناك جدية كبيرة في ملاحقة مجاميع الكاتيوشا".

ولفت المحلل العراقي إلى أن "الحكومة الحالية تريد أن تؤشر وتضع دالة أساسية، بأن هناك متغيّرا كبيرا في تطبيق ملف حصر السلاح بيد الدولة الذي فشلت فيه الحكومات السابقة".

من جانبه، قال المحلل السياسي مجاهد الطائي إن "الكاظمي يريد أن يعيد الثقة المهتزة بالحكومة لدى المجتمعين الداخلي والدولي؛ وبأنها تنفذ تحذيراتها لهذه الجماعات وجادة في ملاحقتها".

وأشار الطائي في حديثه للجزيرة نت إلى أن "التجارب السابقة تثبت أن عناصر هذه الجماعات لا تُعامل كما يُعامَل عناصر تنظيم الدولة"، لافتا إلى أن العملية هي "محاولة لضبط هذه العناصر تحت سلطة الدولة، لكنها لا تصنف على أنها مواجهة بين الحكومة والفصائل".

ويضيف الطائي أن "الفصائل المسلحة التي تم اعتقال عناصرها، متهمة بشكل محدد بإطلاق صواريخ الكاتيوشا على المصالح الأميركية، وهي رافضة لتمرير الكاظمي منذ توليه كجزء من الانقسام داخل الفصائل المسلحة الموالية لطهران".

الكاظمي يسعي لأن يخرج العراق من أزماته في ظل تنافس أميركي إيراني على بلاده (رويترز)
الكاظمي يسعى لوضع حل مع الجماعات المسلحة قبل بدء جولة جديدة من الحوار مع واشنطن (رويترز)

توقيت العملية

وبحسب مراقبين، فإن أهمية هذه العملية تكمن في كونها أول تحرك لحكومة الكاظمي بعد الجولة الأولى من الحوار الإستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، والذي تضمن محاور مهمة تتعلق بالأمن والاقتصاد وغيرهما.

ويعتزم الكاظمي زيارة العاصمة الأميركية واشنطن الشهر المقبل، لاستكمال مفاوضات الحوار الإستراتيجي بين البلدين، وذلك ما صرّح به وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين.

ويرى الطائي أن "توقيت العملية مهم، فالكاظمي يريد أن يضع حلا مع هذه الجماعات المسلحة قبل انطلاق الجولة الثانية من المفاوضات الأميركية العراقية التي ترفضها هذه الجماعات وتبحث عن المشاركة بها أو إفشالها".

وأكد الشمري أنها "تأتي مع دلالات أساسية، أبرزها الاستهدافات المتكررة للمنطقة الخضراء ومحيط مطار بغداد والمصالح الأميركية".

وأضاف أن عملية الاعتقال "تتزامن مع الحوار الذي انطلق بين العراق والولايات المتحدة، وما قبل ذهاب الكاظمي إلى واشنطن لاستكمال حواراته هناك فيما يخص صياغة مفهوم جديد للعلاقة بين بغداد وواشنطن".

ويعتقد الشمري أن "الكاظمي يحاول أن يعزز في هذا الوقت صورة الحكومة وجديتها في تطبيق وعودها والحفاظ على علاقات العراق ومساحة التوازن التي يطمح لها".

التداعيات المرتقبة

وعن تداعيات عملية اعتقال عناصر الجماعات المسلحة، يرى الشمري أنه "سيكون لها تداعيات سياسية وأمنية كبيرة جدا"، معتقدا أنها "ستفرز خصوما للكاظمي سياسيا، وقد يدفع ذلك إلى نسج تحالفات بالضد من خطواته، خصوصا أنه يُعد قريبا من أميركا -في نظر هذه الجماعات- قياسا برئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي".

وأضاف الشمري للجزيرة نت أن "أبرز التداعيات الأمنية التي ظهرت سريعا بعد العملية، هي تحدي الدولة ونزول المسلحين إلى شوارع العاصمة بغداد".

ويتابع قائلا "قد تحدث احتكاك بين الفصائل المسلحة من جهة، والقوات الأمنية من جهة أخرى"، مشيرا إلى أن "استمرار تواجد واستعراض السلاح بالضد من الدولة العراقية سيقوّض مؤسساتها، وهذا يؤدي إلى تسيّد السلاح وقد تفقد الدول ثقتها من للشارع العراقي".

أما الطائي فيعتقد أن "التصعيد من قبل الحكومة في هذا التوقيت الذي من المفترض أن تكون فيه حكومة تهدئة، هو للدفع باتجاه الحل السياسي، لأن هذه الجماعات ترفض حتى الحوار وتأتمر بأوامر إيرانية وتفتخر بذلك".

ويضيف أن "الجماعات المسلحة لن تصمت على هذه الاعتقالات وستستمر بحالة التهديد والوعيد وإطلاق الصواريخ"، لافتا إلى أن "الكاظمي قد يميل إلى الحل السياسي، فهو لا يبحث عن أزمات جديدة وتحديات تضاف إلى ما تواجهه حكومته".

 

بين الدولة واللادولة

وحول التطورات الأخيرة التي حصلت، أوضحت قيادة العمليات المشتركة أن هذه العملية استهدفت جهات لا تريد أن تكون جزءا من الدولة والتزاماتها، وتسعى إلى البقاء خارج سلطة القائد العام، وأكدت قيادة العمليات إصرارها على مواصلة مسيرتها حتى تحقيق الأمن.

وحول ذلك، يؤكد المحلل الطائي أن "العملية تمثل صراعا حقيقيا بين منظمة اللادولة التي تدعمها طهران وتوظفها لمصالحها، وبين منظومة الدولة التي تدعمها واشنطن وتراها مسارا لتقويض نفوذ طهران في العراق"، بحسب تعبيره.

كما يعتقد الشمري أن "ما يحدث لا يقبل الشك بأنه صراع ما بين الدولة ورديف الدولة التي تمثلها هذه الجماعات وسلاحها غير المنضبط".

وأضاف أن "هذا الصراع نشأ منذ عام 2018، لكن تمكين عبد المهدي لهذه الجماعات جعلها قوة كبيرة تحاول أن تبتلع الدولة بكل مسمياتها".

وأشار الشمري إلى أن "هذا الصراع ستكون له عواقب وخيمة، ولن ينتهي إلا في حال إخضاع كافة السلاح أمام الدولة العراقية"، لافتا إلى أن "هناك منهجا في اتجاه لا يريد للدولة ومؤسساتها أن تكون هي الحكم في البلاد".

من جانبه قال السياسي المستقل ليث شبر إن "من يريد استعادة الدولة وهيبتها عليه أن يضرب الرؤوس التي اختطفت كل السلطات وعبثت بأمنها واقتصادها ووحدتها".

وأضاف أن ذلك يكون من خلال "تفعيل كل القوانين والنصوص القانونية التي تحاسب العملاء، ووضع الرؤوس في القائمة السوداء، والعفو الخاص للعراقيين المغرر بهم".

ردود أفعال متباينة

تسارع الأحداث أشعل مواقع التواصل الاجتماعي منذ فجر اليوم متناقلة أخبار العملية الاستباقية، وتداول ناشطون بعض الصور والمقاطع المصورة التي تظهر مركبات يستقلها مسلحون وهي تتجه إلى المنطقة الخضراء التي تضم معظم مقرات الحكومة وسفارات دول العالم.

وتباينت آراء العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض لهذه العملية، حيث تصدر التداول العراقي وسمان: أحدهما "#مع_جهاز_المكافحة_ضد_الأحزاب"، والآخر "#مجاهدينا_خط_أحمر_يالكاظمي"، بالإضافة إلى وسوم فرعية أخرى.

وأكد الداعمون للعملية على أهمية فرض هيبة الدولة وبسط القانون، من أجل إبعاد العراق عن الصراعات الإقليمية والدولية.

وقال الإعلامي عمر الجنابي إننا "داعمون لكم.. مساندون لفرض القانون"، مؤكدا على أن "قوات الأمن العراقية يجب أن تأخذ دورها وتحفظ أمن المواطن وتحصر السلاح بيدها".

وكتب الناشط المدني عمر كاطع "شگد حلوة هيبة القانون!، آني عراقي مع القانون والقوات الأمنية".

ويرى الإعلامي زيد عبد الوهاب أن عملية جهاز مكافحة الإرهاب هي صراع إرادات، وقال إن "ما يعيشه العراق في هذه اللحظات هو صراع إرادات بين الدولة واللادولة".

أما جهات أخرى وبينهم نواب وقادة فصائل، فقد أعربوا عن رفضهم لعملية المداهمة والاعتقال، ونددوا بما اعتبروه عملا استفزازيا، حيث اعتبر النائب في مجلس النواب العراقي حسن فدعم الجنابي أن "اقتحام جهاز مكافحة الإرهاب لأحد مقرات الحشد الشعبي واعتقال عدد من مقاتليه بحجة عدم معرفة عائدية المقر، هو تصرف استفزازي"، مشيرا إلى أن "هذا التصرف لن تكون عواقبه جيدة".

من جانبه علق القيادي في حركة عصائب أهل الحق جواد الطليباوي قائلا إن "رجال المقاومة ورجال الحشد الشعبي رجال العراق الغيارى، ولن نقبل بالتجاوز عليهم".

وبحسب تقارير صحفية، فإن أكثر من 33 هجوما صاروخيا استهدف منشآت عراقية وأجنبية في العراق منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، منها 6 هجمات خلال الأسبوعين الماضيين فقط.

المصدر : الجزيرة