مقتل فلويد.. كيف أطاحت الاحتجاجات بصحفيين كبيرين؟

James Bennet Stan Wischnowski
ويشنوفسكي (يمين) وبينيت اضطرا للاستقالة بعد غضب على كيفية تغطيتهما للاحتجاجات (وكالات)

وصلت تبعات الاحتجاجات والمظاهرات الغاضبة -التي عمت العديد من المدن الأميركية خلال الأسبوعين الأخيرين على خلفية مقتل جورج فلويد المواطن من أصل أفريقي بطريقة وحشية على يد شرطي أبيض في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا- إلى عدد من أهم الصحف الأميركية.

فقد تسببت الأحداث بالإطاحة بجيمس بينيت مسؤول صفحة الرأي في نيويورك تايمز، وستان ويشنوفسكي رئيس تحرير صحيفة فيلادلفيا إنكوايرر.

وأضطر الصحفيان الكبيران إلى الاستقالة بعد ضغط وغضب بدأ من زملائهم داخل الصحيفتين وأمتد لخارجها، بعد نشر مقال لم يرض الصحفيين بالنسبة للصحيفة الأولى، وعنوان رئيسي اعتبر "مؤذيا" في الثانية.

وتتعرض الصحافة الأميركية لاختبار عسير يتمثل في كيفية تغطيتها للاحتجاجات والمظاهرات غير المسبوقة والتي صاحبها بعض العنف من المتظاهرين والكثير من القسوة من الشرطة.

أزمة مقال وعنوان
كانت نيويورك تايمز قد نشرت قبل أيام مقالا للسيناتور الجمهوري عن ولاية أركنساس توم كوتون عنوانه "علينا استدعاء الجيش" للسيطرة على الاحتجاجات من خلال استعراض للقوة لتفريق واحتجاز وردع منتهكي القانون في مختلف المدن.

وقوبل نشر المقال بعاصفة قوية من داخل الصحيفة حيث رآه الكثير من صحافييها يوفر ذريعة للقمع، ويعرض حياة الصحفيين السود تحديدا لمخاطر كبيرة.

أما فيلادلفيا إنكوايرر فقد نشرت عنوانا رئيسيا في صدر صفحتها الأولى عنوانه "المباني أيضا مهمة" اعتبر مؤذيا لمشاعر المحتجين على مقتل فلويد، خاصة وأنه يستعير شعار حركة "حياة السود مهمة" التي تكافح من أجل مساواة السود بالبيض وترصد انتهاكات الشرطة ضد السود.

وعودة إلى نيويورك تايمز التي كتبت افتتاحية تشرح لماذا نشر المقال قبل أن تعتذر وتعلق قبول استقالة بينيت، أما فيلادلفيا إنكوايرر فنشرت اعتذارا، وتعهدت باتباع خطوات من شأنها منع وقوع مثل هذا الخطأ في المستقبل قبل أن يستقيل رئيس التحرير.

وزاد من مضاعفات أزمة المقال والعنوان وقوع الصحيفتين في مدينتي نيويورك وفيلادلفيا على التوال اللتين شهدتا الكثير من الاحتجاجات والمواجهات بين الشرطة والمتظاهرين، كما شهدتا الكثير من أعمال العنف والسطو على المصالح التجارية.

لا مجال للحياد
اتهم الكثير من قادة الاحتجاجات وبعض الكتاب اليساريين الإعلام باتخاذ موقف سلبي من اللحظة الاستثنائية التي تمر بها البلاد.

وطالبت بعض الأصوات الإعلام بضرورة عدم "اتباع قواعد الحيادية المهنية والموضوعية مع إدارة فاشية تدعو لاستخدام العنف وتدخل الجيش ضد المحتجين السلميين" كما جاء في مقالة الكاتب إيريك آلترمان بمجلة ذا نيش، مطالبا الصحف بالتوقف "عن اللعب مع الفاشية والديمقراطية على حد سواء".

ويرفض كبار المسؤولين بالصحف الكبرى تلك الدعوات، ويروا أن دورهم ودور جميع المؤسسات الإعلامية الرئيسية يجب ألا يصبح صحافة معارضة، وأكدوا حياد تغطيتهم الصحفية.

وتسجل صحف مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز بانتظام "أكاذيب ترامب" لكن الصحف لا تتخذ موقفا معارضا من الرئيس أو إدارته وتلتزم بالمعايير المهنية في تغطياتها، وتمنح مساحة واسعة لعرض وجهة نظر الرئيس وأركان إدارته تجاه مختلف القضايا.

ويرى أنصار مبدأ حرية إتاحة مساحة لعرض وجهات نظر مخالفة أن تلك الصحف سبق ونشرت مقالات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وللرئيس التركي رجب أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ولا يمكن وصف أحد منهم بأنه نصير للديمقراطية أو متسامح مع معارضيه السياسيين.

Donald Trump v CNN
مشادة كلامية بين ترامب وأحد الصحفيين خلال مؤتمر صحفي (رويترز)

من ناحية أخرى، رصدت الجزيرة نت أنماط تغطية الإعلام الموالي للرئيس ترامب للمظاهرات والاحتجاجات التي أعقبت وفاة فلويد، والتي تختلف جذريا عن تغطية وسائل الإعلام الأكثر شهرة مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز وشبكة "سي إن إن".

وقد ركزت الصحف اليمينية مثل نيويورك بوست وواشنطن تايمز على الفوضى التي صاحبت الاحتجاجات في مدن سياتل بولاية واشنطن، وبورتلاند بولاية أوريغون. واختارت الصحيفتان عرض صور في صفحتهما الأولى أثناء الاحتجاجات تبرز أعمال العنف والنهب التي قامت بها أقلية من المحتجين خاصة في شوارع مدينتي نيويورك وفيلادلفيا.

ولم تشر المواقع الإخبارية اليمينية المقربة من إدارة ترامب مثل موقع "أميركا وان نيوز" إلى معاناة السود من وحشية الشرطة، وركزت بدلا عن ذلك على عرض تضحيات رجال الشرطة، وشيطنة اليسار المطالب بإصلاح سلوكيات الشرطة العنصرية.

كما أبرزت تلك الوسائل اتهامات ترامب لتنظيم آنتيفا اليساري بالوقوف وراء الهجمات على رجال الشرطة وتأجيج العنف في عشرات المدن.

فرصة أخرى لترامب
واستغل الرئيس فرصة الاحتجاجات ليجدد هجومه على الإعلام، ولم يتوان ترامب عن الإشارة للصحفيين بأنهم "أعداء الشعب الأميركي" ولم يتوقف عن اتهامهم بنشر أخبار مزيفة، وتشجيع أعمال العنف والشغب.

ولم يتردد ترامب في مهاجمة نيويورك تايمز بعد استقالة بينيت، وقال في تغريدة "نيويورك تايمز أقالت مسؤول صفحة الرأي، أقيل بعدما نشر مقالا ممتازا للسيناتور توم كوتون، أين الشفافية، نحن فخورون بالسيناتور كوتون. نيويورك تايمز تنشر أخبارا مزيفة".

المصدر : الجزيرة