"ماراثون اللوائح" يشعل معركة داخل البرلمان التونسي وخارجه

الجبهة الشعبية تخسر 9 نواب من كتلتها بالبرلمان التونسي/مقر البرلمان/العاصمة تونس/مايو/آيار 2019
اللوائح التي كفلها البرلمان للأحزاب للتعبير عن مواقفها تحولت إلى "سلاح بيد الكتل المتصارعة"

تحولت الجلسات العامة التي عقدها البرلمان التونسي لمناقشة مشاريع لوائح مقدمة من بعض الكتل، إلى فضاء لتصفية الحسابات السياسية بين الأحزاب، مما دفع بالكثيرين إلى التساؤل عن جدوى هذه اللوائح البعيدة كل البعد عن القضايا الملحة التي تشغل التونسيين.

"ماراثون اللوائح"
ويتيح الفصل 141 من النظام الداخلي للبرلمان لكل كتلة برلمانية، التقدم بلائحة تتعلق بموضوع أو قضية ما لمناقشتها والمصادقة عليها خلال الجلسة العامة، لكنها لا تكتسي أي صبغة إلزامية للدولة باعتبار أن ضبط السياسات الخارجية من صلاحيات رئيس الجمهورية، حسب الدستور.

وشهدت قبة البرلمان التونسي خلال الأيام القليلة الماضية "ماراثون لوائح" تقدمت به كل من كتلة "الدستوري الحر"، سليلة النظام البائد، وكتلة "ائتلاف الكرامة" التي تقول إنها تحمل لواء الدفاع عن مبادئ الثورة.

وتقدم الدستوري الحر بلائحة برلمانية تطالب بمنع التدخل الأجنبي في ليبيا، لكنها لم تحظَ بالموافقة، بسبب ما اعتبر اصطفافا واضحا مع محاور إقليمية على حساب أخرى تتصارع في ليبيا، كما لم تخلُ الجلسة العامة من تراشق باتهامات العمالة بين النواب.

وأعلنت رئيسة الكتلة "عبير موسِي" عن طرحها لائحة جديدة في البرلمان تطالب فيها بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية مناهضة للدولة المدنية.

وأسقط البرلمان لائحة أخرى تقدمت بها كتلة ائتلاف الكرامة تطالب خلالها الدولة الفرنسية بالاعتذار والتعويض عن جرائمها الاستعمارية، وشهدت الجلسة بدورها مناكفات وصلت حد تبادل العنف بين النواب، مما خلف حالة من الاستياء الشعبي.

المجلس الوطني التأسيسي شهد عددا من الانشقاقات والانقسامات داخل الكتل والأحزاب (الجزيرة نت)
سياسيون يرون أن "معركة اللوائح" ليست سوى انعكاس لأزمة حكومية وبرلمانية في ظل غياب للديمقراطية وإدارة الحوار (الجزيرة نت)

استخدام مفرط للوائح
ويرى القيادي في التيار الديمقراطي محمد العربي الجلاصي أن آلية اللوائح التي كفلها البرلمان للأحزاب للتعبير عن مواقفها، تحولت إلى سلاح بيد الكتل المتصارعة، متغافلة عن الدور المنوط بعهدتها في تقديم مشاريع قوانين لمصلحة الشعب الذي انتخبها.

وأقر الجلاصي في حديثه للجزيرة نت بنزوع بعض الكتل للاستخدام المفرط وغير المسؤول لهذه الآلية التشريعية، وهذا يسيء لسمعة البرلمان ونوابه ويهدد المصالح والعلاقات الدبلوماسية بين تونس وسائر الدول، وفق المتحدث.

وحذر الضيف من مواصلة بعض هذه الكتل الاعتداء على صلاحيات رئيس الجمهورية، وعدم التنسيق مع مؤسسة الرئاسة، وفق ما يمليه القانون المنظم لعمل هذه اللوائح، مشيرا إلى أن الأحزاب لا تبحث عن التوافق بقدر ما تريد تسجيل نقاط سياسية.

وكانت النائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبو قد أكدت في تصريح إعلامي محلي، أنها ستقترح إلغاء الفصل المتعلق باللوائح البرلمانية "لتفادي استغلالها من قبل النواب والأحزاب لتصفية حساباتهم وخدمة مصالحهم الخاصة".

وأعلن النائب عن حركة أمل وعمل ياسين العياري، في تدوينة عبر صفحته على فيسبوك، أنه لن يشارك في المداولات والتصويت على أي لائحة تقدم في البرلمان طالما لم تستوف الشروط المناسبة.

واتهم العياري بعض الأحزاب باستغلال اللوائح لعرض خدماتها على جهات أجنبية، وتصفية حساباتها على حساب أولويات الشعب ومصالح تونس وأمنها القومي.

شارع الرئيس بورقيبة في تونس العاصمة
أرقام رسمية تشير إلى ارتفاع نسبة البطالة في تونس إلى حدود 15.1% (دويتشه فيلله)

أزمة سياسية
ويقر رئيس الكتلة الوطنية حاتم المليكي، في حديثه للجزيرة نت بأن "معركة اللوائح" ليست سوى انعكاس لأزمة حكومية وبرلمانية تعيشها البلاد، في ظل غياب الثقافة الديمقراطية وإدارة الحوار.

ولفت إلى أن كتلته لن تنادي بإلغاء الفصل المنظم لعمل هذه اللوائح بل ستسعى لتنقيحه بهدف قطع الطريق أمام "الإسهال والتسابق بين الكتل لعرض اللوائح بشكل اعتباطي غير مدروس"، وفق تعبيره.

وأضاف "الصياغة المتسرعة للوائح الخاصة بليبيا وبفرنسا دفع البرلمان ثمنها غاليا، حيث بات هناك انطباع محلي ودولي بأننا مع التدخل الأجنبي في ليبيا وضد الاعتذار الفرنسي للتونسيين، والحال أن الأمر ليس كذلك".

ودعا المليكي النواب للتوجه نحو تقديم مشاريع قوانين ومبادرات تشريعية تطرح وتعالج القضايا الاقتصادية والاجتماعية والمالية الملحة، بعيدا عن المناكفات السياسية الضيقة.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته أخيرا صحيفة "المغرب" المحلية ارتفاعا لنسبة التشاؤم لدى التونسيين خلال شهر مايو/أيار الماضي، حيث رأى 53.3% من المستطلعة آراؤهم أن البلاد تسير في الطريق الخطأ.

يشار إلى أن آخر أرقام رسمية، أظهرت ارتفاع نسبة البطالة في تونس إلى حدود 15.1%، في حين بدأت تنسيقيات جهوية بتنفيذ تحركات احتجاجية واعتصامات في أكثر من قطاع حيوي، لمطالبة الحكومة بتنفيذ تعهداتها الاقتصادية والاجتماعية.

المصدر : الجزيرة