بعد فشل معركة طرابلس.. هل يستمر رهان مصر على حفتر؟

Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi (R) arrives with Arab leaders Sheikh Mohammed bin Zayed (C), Crown Prince of Abu Dhabi, and General Khalifa Haftar (L), commander in the Libyan National Army and members of the Egyptian military at the opening of the Mohamed Najib military base, the graduation of new graduates from military colleges, and the celebration of the 65th anniversary of the July 23 revolution at El Hammam City in the North Coast, in Marsa Matrouh, Egypt, July 22, 2017 in this handout picture courtesy of the Egyptian Presidency. The Egyptian Presidency/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY عبد الفتاح السيسي ومحمد بن زايد وخليفة حفتر
السيسي مع بن زايد والجنرال حفتر (رويترز)

محمود رفعت-القاهرة

أثارت التطورات المتسارعة في ليبيا تساؤلات حول خيارات مصر المختلفة في التعاطي مع الأزمة، فهل ستراهن بكل أوارقها على حليفها خليفة حفتر، أم ستترك باب العودة مواربًا في رعاية طرفي الصراع بدلاً من الانحياز وراء اللواء المتقاعد؟

وكان حفتر قد أعلن -في خطاب ألقاه الاثنين الماضي من مقره في بنغازي (شرقي ليبيا)- عن إيقاف العمل باتفاق الصخيرات السياسي المبرم عام 2015 واعتباره "جزءًا من الماضي" وتفويض قيادة البلاد في هذه المرحلة إلى المؤسسة العسكرية التي يترأسها.

وجاءت تلك الخطوة بعد انتكاسات عسكرية وضعت حفتر في وضع صعب بعد أن كان اختار في 4 أبريل/نيسان 2019 انتهاك عملية الحوار بوساطة أممية مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا، فشن هجومًا عسكريًا على طرابلس.

وعقب الإطاحة بنظام معمر القذافي 2011، كانت القاهرة أحد رعاة الحل السياسي للأزمة الليبية، لكنها مع الوقت دأبت بجانب الإمارات على دعم حفتر، وبفضلهما تحسّنت حظوظه العسكرية.

ورغم تأكيد القاهرة الالتزام بما سمته "مبدأ البحث عن تسوية سياسية للصراع الليبي" فإنها اعتبرت -وفق بيان للخارجية الثلاثاء- قوات الوفاق "إرهابية مدعومة من تركيا ولا مفاوضات معها" لتبقى مصر أمام معادلات صعبة مع تصاعد احتمالية سيطرة الوفاق وهزيمة حفتر.

وبهذا الصدد، رصد محللون سياسيون وعسكريون -في تصريحات منفصلة للجزيرة نت- ثلاثة سيناريوهات حول تعاطي مصر مستقبليًا مع الأزمة الليبية.

وتمثلت تلك السيناريوهات في استمرار دعم حفتر مع السعي لإعادة ترتيب ليبيا سياسيا وإعادة بلورة قواته عسكريا، أو استعادة الدور المصري في محاولة حل الأزمة بدلا من دعم طرف غير شرعي، أو استخدام أطراف الصراع المختلفة بما فيها معسكر حفتر بدعم رئيس مجلس نواب طبرق (شرق) عقيلة صالح للوصول إلى الوضع الأقرب لمصالح مصر.

واتفق المحللون على استبعاد التدخل العسكري المباشر من قبل مصر لترجيح كفة حفتر، خاصة مع دخول تركيا كلاعب رئيسي، أو دعم سيناريو تقسيم ليبيا في ظل صعوبة الحل العسكري أمام المتغيرات الدولية.

حفتر ليس كافيًا
الخبير العسكري اللواء المتقاعد طلعت مسلم، اعتبر أن حفتر ليس كافيًا بالنسبة لمصر حتى يمكن الاعتماد عليه الفترة المقبلة، مشيرًا إلى أن تجربة حفتر وحديثه المتكرر عن مقدرته على السيطرة على طرابلس أثبتت فشله وتؤكد أن قواته لم تحقق شيئًا على الأرض.

وأضاف أن دعم القاهرة يجب ألا يرتبط بشخص حفتر في ضوء عدم تقدمه خطوات للأمام، موضحًا "ليس المطلوب من مصر البحث عن من أخطأ لكن البحث عن الخطأ نفسه وإصلاحه".

وحال هزيمة حفتر، قال الخبير العسكري إن السيناريو المصري يتمثل في "تشديد اليقظة على الحدود الغربية (مع ليبيا)" مستبعدًا التدخل العسكري المباشر، طالما أن مصر ليست مستندة إلى قوى عسكرية ليبية كافية.

وأضاف اللواء مسلم: لابد من إيجاد قوى أقوى بالداخل الليبي لدعم الجيش لأن حفتر لم يحقق ما كان مأمولا منه على مدار شهور.

وأوضح أن الوقت ليس في صالح مصر، وبالتالي تحتاج إلى إعادة ترتيب ليبيا سياسيا وإعادة بلورتها عسكريا، بحيث يمكن إيقاف أية أعمال من الطرف الآخر (حكومة الوفاق) مستقبلاً.

كما دعا الخبير العسكري لترك الباب مواربًا للتعامل مع فائز السراج، وفي نفس الوقت مراجعة الموقف الخارجي والبحث عن دعم دولي دبلوماسي من الدول الأخرى، لتعزيز موقف الجيش الليبي (قوات حفتر).

وتر التناقضات
بدوره، أكد الباحث المصري أحمد مولانا أن حفتر جزء من المشروع الإماراتي بالمنطقة الذي يمثل السيسي أحد أركانه، ويقوم على التدمير الممنهج لقدرات الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي، واستبدال أنظمتها بأنظمة استبدادية.

وأوضح الباحث أن فشل حفتر في السيطرة على طرابلس لا يعني انهيار مشروعه، فهو مازال يسيطر على مناطق شاسعة في ليبيا.

وفي حالة استحالة تحقيق حسم عسكري لصالحه، يقول الباحث "سيتم تفعيل عملية سياسية يكون حفتر أكبر المستفيدين منها مع اللعب على وتر التناقضات بين مكونات حكومة الوفاق لاستمالة بعضهم لصالح حفتر بما يمكنه من تحقيق مكاسب سياسية لم يستطع تحقيقها بالقوة العسكرية".

وأضاف الباحث أن مصر ستقدم مزيدا من الدعم العسكري لحفتر حال شعورها بتراجعه، في حين سيمثل انتصاره زيادة للنفوذ المصري بليبيا، وهو سيناريو مستبعد.

أما عن التدخل العسكري المباشر لترجيح كفة حفتر، فقد أكد الباحث "صعوبته حاليًا" لأن ذلك له حسابات دولية كثيرة، يراعيها السيسي الذي لم يغامر حتى الآن بقوات من الجيش خارج البلاد، فضلا عن أن حفتر عدديا لا يحتاج لدعم بمواجهة خصومه، والاحتياج العددي يأتي من مرتزقة دارفور وتشاد.

تحالف إستراتيجي
أما الباحث المصري بالعلاقات الدولية محمد حامد، فأكد أن تحالف القاهرة وحفتر إستراتيجي، لأن القاهرة ترى فيه الشخص القوى الذي يمكن له الدفاع عن ليبيا وحماية أمنها القومي، مستشهدًا بقدرته على "القبض على هشام عشماوي"، ضابط الجيش السابق الذي اتهمته القاهرة  بالإرهاب وأعلنت عن إعدامه مؤخرا.

وتوقع أن تبقي القاهرة على دعم حفتر وتمكينه من السيطرة على العاصمة وإقصاء حكومة السراج المدعومة من أنقرة، بعد أن استطاعت الأخيرة تغيير الوضع لصالح هذه الحكومة المعترف بها دوليًا.

ورأى الباحث أن الوضع في ليبيا سيبقى على ما هو عليه وسيبقى كل فريق متمترس وراء من يدعمه، إلى أن يحركه المجتمع الدولي الذي يدير الصراع ولا يحله.

واستبعد التدخل العسكري أو تغيير الإستراتيجية المصرية، قائلا "من كان يريد التدخل المباشر أكثر كان يجب أن يفعل ذلك قبل التدخل التركي".

عقيلة صالح
في سياق غير بعيد، أشار الليبي نزار كركيش مدير مركز بيان للدراسات الليبية بإسطنبول إلى تضارب المعلومات حول موقف مصر من الخلاف الظاهر بين رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح وبين حفتر.

وقال كركيش "صالح يطمح في أن يستمر في رئاسة برلمان طبرق بغطاء قبلي، وحفتر يريد أن يرى حكما عسكريًا لاراد له من مؤسسات الدولة".

وقبل أيام اقترح صالح (أكبر داعمي حفتر) إعادة تشكيل مجلس رئاسي بالتوافق أو الانتخاب، وتحت إشراف أممي، دون أن يلقى اقتراحه تجاوبًا.

وتساءل المحلل الليبي "هل توازن مصر بين الرجلين أم أنها تدعم عقيلة صالح (لوقف) جموح حفتر، أم أن حفتر والسيسي يعملان على الانفصال بالشرق الليبي وتقسيم ليبيا؟".

وفي هذا الصدد، أوضح كركيش أن متابعة الأحداث قد تشير إلى أن القاهرة تعرف صعوبة الحل العسكري أمام هذه المتغيرات الدولية، وتحاول أن تصل إلى كافة الأطراف لاستخدام طموحاتها السياسية في الوصول للوضع الأقرب لمصالح مصر.

المصدر : الجزيرة