فورين بوليسي: عشر نقاط تبين كيف تعزز جائحة كورونا سلطة الحكومات

منذ تفشي جائحة كورونا وانهيار الاقتصاد العالمي، اضطلعت الحكومات بصلاحيات جديدة باتت تسمح لها بالتتبع والتعقّب والسيطرة، فهل تعزز تداعيات الجائحة سلطة الحكومات بشكل دائم؟

واستعرضت مجلة فورين بوليسي الأميركية آراء عشرة من أبرز المفكرين الرائدين من جميع أنحاء العالم للمساعدة في فهم كيف يمكن للوباء أن يوسع نطاق السلطات الحكومية بشكل دائم، سواء للأفضل أو الأسوأ.

أولا: زيادة الرقابة
يرى ستيفن والت أن الحكومات في جميع أنحاء العالم فرضت سيطرة غير مسبوقة على الحياة اليومية لمواطنيها استجابة للفيروس. فقد أغلقت الديمقراطيات والديكتاتوريات على حد سواء حدودها مع باقي الدول وفرضت الحجر الصحي وأغلقت قسما كبيرًا من الاقتصاد وطبقت العديد من أنظمة الاختبارات وأساليب التتبع والمراقبة من أجل احتواء العدوى. 

ويضيف أن الدول التي اتبعت تدابير صارمة نجحت في احتواء الفيروس، في حين تكبدت البلدان الأخرى التي توانى قادتها في اتخاذ التدابير اللازمة خسائر فادحة. ومع انخفاض معدلات الإصابة وتوفّر العلاجات الفعالة، ستخفف العديد من البلدان تدريجيا معظم القيود المفروضة. ولكن الاستغلال السياسي والخوف من ظهور جائحة جديدة من شأنه أن يدفع العديد من الحكومات إلى مواصلة التمتع ببعض صلاحياتها المكتسبة حديثًا، وفق ما يرى والت. 

ثانيا: نعمة الحوكمة الرشيدة 
وأما ألكساندر رايغ فيرى أن إنفاق العالم تريليونات الدولارات على برامج التحفيز والقطاع الطبي سيخلق فرصا لا نهائية للفساد والكسب غير المشروع، وهو ما يمثل خبرا سيئا. أما الجيد فهو أن الروايات الحتمية حول الموارد المهدورة والمعاملات الغامضة من شأنها أن تحول الوباء نهاية المطاف إلى نعمة للحوكمة الرشيدة وتعزيز المساءلة. 

ويضيف أنه انطلاقا من الربيع العربي والكثير من الحركات الأخرى، فقد أصبحنا نعلم أن المجتمعات باتت أقل تسامحا مع الفساد. ينطبق ذلك خاصة على الحكومات الاستبدادية التي ستواجه بالتأكيد استجابة عنيفة من الشعب في حال حاولت التقليل من شأن المشكلة والسماح للمسؤولين بالاستفادة من الوباء.

ويرى أن الحكومات التي استجابت بشكل فعال -وكان عملها قائما على البيانات وبذلت جهودا حثيثة وكانت متعاونة وقدمت حلولا مبتكرة- سوف تتفوّق على الأنظمة الاستبدادية في إنقاذ مجتمعاتها من الفيروس والتكاليف الاقتصادية، مما يعزز مكانتها وثقة الشعب فيها في المستقبل.

ثالثا: بداية عصر جديد
ووفقا لجيمس كرابتري، سيمثل وباء فيروس كورونا بداية عصر جديد يكون فيه تدخل الحكومة أكثر في كل اقتصاد متقدم تقريبا، ولكن هذا التغيير سوف يكون محسوسا بشكل واضح في الدول الآسيوية.

ويرى أن إدارة الوباء في المستقبل سوف تتطلب حكومات أضخم، حيث تسارع الدول إلى إنشاء مرافق جديدة موسعة للسيطرة على الأمراض وتعزيز المراقبة الاجتماعية على أمل الحد من تفشي الأمراض المستقبلية قبل ظهور اللقاح. ويضيف أنه بناء على هذا، فمن المرجح أن تقود الحكومات الآسيوية -على غرار كوريا الجنوبية واليابان- هذه المبادرة، وذلك نظرا لامتلاكها قدرات تكنولوجية متطورة واتباعها نهجا مرنا نسبيًا في تنظيم قوانين الخصوصية.

ويقول أيضا إن عصر الحكومة الضخمة سيعود لكنه سيتجلّى على نحو مختلف تمامًا عن العصر السابق للدول الضخمة خلال الستينيات والسبعينيات، وسوف يصاغ شكل معظمها في الشرق وليس في الغرب.

رابعا: السياسات الصناعية 
وترى شانون ك. أونيل أنه رغم الصعوبات التي تواجهها البلدان والشركات جراء تداعيات كوفيد-19 على سوق الشغل والإنتاج، فإن السياسات الصناعية قد انتعشت هذه الفترة، وأنه بعد عقود من ازدهار السوق الحرة، تتبنى الحكومات في الدول المتقدمة والأسواق الناشئة على حد سواء أدوارا مؤثرة وطويلة الأمد في القطاعات الأساسية لاقتصاداتها.

وتقول إن هذا شمل حتى الآن تعزيز إدارة التجارة عن طريق التعريفات والتراخيص وحصص التوريد ومعايير الجودة وحتى منع التصدير المباشر، لا سيما للمواد الغذائية والإمدادات الطبية. إلى جانب ضخ المليارات إلى الشركات ومنحها مزايا عامة أخرى للعودة إلى التصنيع المحلي بدلا من العمل في الخارج، لعل أبرز مثال على ذلك منح اليابان 2.3 مليار دولار لشركاتها مقابل مغادرة الصين.

ومع ترنح منظمة التجارة العالمية، فقد يمثل ذلك مجرد بداية مجموعة من الدعم العامة والإعفاءات الضريبية، والمشتريات الحكومية والتخزين، وتشجيع الصناعات المحلية، وغيرها من الخطط التي ستضعها العديد من الدول لهيكلة الإنتاج والوصول إلى مجموعة أوسع من السلع والخدمات التي تعتبر ضرورية على مستوى الأمن القومي. وتضيف: لا شك أن الجهود الرامية للحفاظ على التجارة الحرة وربما توسيعها لن تنتهي. لكن العديد من هذه المفاوضات سوف تفترض وتتقبل وتقنن التدخل الحكومي المباشر في الأسواق إذا لزم الأمر.

خامسا: الحكومة الضخمة
وبحسب روبرت د. كابلان، فإنه -على غرار الأزمات المصيرية الأخرى مثل الحرب العالمية الثانية- فمن المرجح أن تعزز جائحة كورونا الرغبة في تبني الإجراءات الوقائية للحكومة الضخمة.

ويرى أن الأساليب الجديدة المعتمدة لمراقبة الأفراد -التي نجحت بفضلها بعض البلدان في محاربة الوباء- قد تكون نذيرا بشأن الخصوصية في المستقبل، ويضيف أن الخصوصية ستصبح على نحو متزايد قضية هذا العصر الجديد للحكومة الضخمة. ويقول إنه مع فشل الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى في التصدي للوباء، فسيكون هناك ميل نحو تعزيز دور الحكومات الوطنية في عالم ما بعد فيروس كورونا. نتيجة لذلك، قد تصبح حياتنا أكثر تنظيما عما كانت عليه في أي وقت مضى. 

سادسا: إسكات النقاد
يعتقد كينيث روث المدير التنفيذي لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان أن هذه الأزمة لن تؤدي إلى توسع دائم للسلطات الحكومية طالما أن المواطنين يقظون. ففي فترات الأزمات، يسمح القانون الدولي لحقوق الإنسان لجميع الحكومات بتقييد بعض الحقوق بشكل مؤقت، طالما أن القيود ضرورية للغاية ومتناسبة وغير تمييزية. في المقابل، تحاول بعض الحكومات استغلال الجائحة لإسكات النقاد وتوسيع الرقابة وترسيخ حكمها.

ويقول أيضا إن الرقابة تقيد التدفق الحر للمعلومات التي تعتبر ضرورية للغاية لرصد التهديدات الصحية، والاستجابة لها بفعالية. كما أن المراقبة التي تفشل في حماية الخصوصية لا تشجع التعاون الطوعي الذي يعد شرطا مسبقا لأي مبادرة ناجحة للصحة العامة، ويضمن الفصل بين السلطات خدمة الحكومات لمصلحة المواطنين بدلا من مصالحها السياسية الخاصة.

ويضيف أن هذا الوباء يوضح أنه يجب احترام حقوق الإنسان ليس فقط من حيث المبدأ، وإنما لأسباب براغماتية وجيهة أيضا. فإذا أيقن المواطن هذه الأسباب، يمكن ممارسة ضغوط كافية على الحكومات لمنعها من الاستفادة من المأساة. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فقد نجد أنفسنا في عالم يواجه خطر الوباء ولا يكترث لحقوق الإنسان في الآن نفسه.

سابعا: حكومة أقوى
يشير روبرت موغاه إلى أن وباء فيروس كورونا يسلط الضوء على نجاعة الحكومات في جميع أنحاء العالم. ففي حين فشل العديد من قادة الدول في هذا الاختبار، تمكن قادة الأقاليم والمدن من التصدي للوباء في مجتمعاتهم وأظهروا كفاءة أكبر، وكسبوا ثقة مواطنيهم. 

ويقول إن المحافظين ورؤساء البلديات يركزون في الوقت الحالي على إنقاذ الأرواح وتقديم الخدمات الأساسية والحفاظ على القانون والنظام ودعم الانتعاش الاقتصادي، وإن القادة المحليين بدؤوا في التطلع إلى فترة ما بعد الوباء وأعادوا تخيل الحياة في مجتمعاتهم. ويضيف أن  الموارد المالية المحدودة ستفرض تطبيق سياسات فعالة من حيث التكلفة، والتي ستولد بدورها فوائد متعددة، بما في ذلك خلق طرق أفضل لتوفير الرعاية الصحية لأكثر الفئات ضعفاً وإرساء "الاقتصاد الأخضر".  

وعلى مر التاريخ -كما يقول موغاه- فقد كان لتفشي الأمراض المعدية تأثير عميق على الحكم المحلي، حيث أدى الطاعون الدملي في القرن 14 إلى إعادة النظر في المساحات الحضرية "القذرة" وأدى تفشي الكوليرا في القرن 19 إلى وضع خطط إعادة تنمية حضرية ضخمة وبناء أنظمة الصرف الصحي. وبالمثل، ستؤدي جائحة فيروس كورونا الحالية إلى إحداث تحولات في طريقة الحكم بدءًا من تقنيات المراقبة لتعقب الإصابات وفرض الحجر الصحي وصولا إلى الإنفاق الرئيسي على الرعاية الصحية لإبقاء هذا المرض والأمراض المستقبلية تحت السيطرة.

ثامنا: أعمال سيئة
أوضح آدم بوسن أن عملية وضع سياسات الاقتصاد الكلي السابقة ركزت على عوامل متغيرة رئيسية تمثلت في النمو والتضخم والبطالة والديون. ويضيف أن هذا سمح لمحافظي البنوك المركزية وما شابه بإقناع أنفسهم وشعبهم بأنهم يهتمون بالرفاهية العامة، وليس باتخاذ خيارات متعلقة بتوزيع الأموال. 

لكن الوباء وتداعياته أجبرت الاقتصاديين على التلاعب بقرارات تخصيص الموارد، وذلك من خلال تحديد أي الشركات ستحصل على قروض سريعة وأي ترتيبات عمل ستحصل على الدعم وأي أصول ستُشترى. وهذا يجعل سياسات الأزمات أكثر فاعلية، حيث إن البنوك المركزية ووزارات المالية والهيئات التنظيمية المالية ستخرج من هذه الأزمة بأشكال جديدة من التدخل المباشر. 

تاسعا: حب المال
يرى كومي نايدو أن تشكيل عالم ما بعد الوباء يبدأ بإقرار أننا جميعًا مصابون بحب المال، وأننا نستهلك الكثير ونساوي بين الاستهلاك اللافت للنظر والنجاح والسعادة في الحياة. والواقع أن جائحة كوفيد-19 أظهرت لنا أننا بحاجة إلى إعادة النظر الجذري في إنتاج وتوزيع المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى في المجتمع للعيش بصحة جيدة وسلام ورخاء. 

ويضيف أنه يجب علينا الآن أن نشجع الملكية المحلية واللامركزية والإنتاج المشترك للسلع والخدمات الاجتماعية. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومات تستخدم المجمع الصناعي العسكري للحد من مشاركة المواطنين في العمليات الديمقراطية، لذلك يجب علينا أن نتأكد من ألا يُصبح هذا التراجع للحقوق المدنية ركيزة حياتية دائمة في حقبة ما بعد فيروس كورونا.

عاشرا: الصالح العام
أورد بروس شناير أنه كانت هناك معركة أساسية في المجتمعات الغربية حول استخدام البيانات الشخصية، وهي معركة تضع حق الفرد في الخصوصية أمام قيمة تلك البيانات الشخصية بالنسبة لنا جميعًا بشكل جماعي. فعلى سبيل المثال، تُظهر لنا خرائط غوغل حركة المرور في الوقت الفعلي، ولكنها تفعل ذلك من خلال جمع بيانات الموقع من هاتف كل شخص يستخدم الخدمة.

ويضيف كوفيد-19 -حسب شناير- جهات فاعلة جديدة لهذه المسألة، مثل سلطات الصحة العامة والقطاع الطبي. والواقع أن الأمر لا يقتصر على تطبيقات الهواتف الذكية التي تتعقب الاتصالات مع الأشخاص المصابين فقط.

في المقابل، سيستغل المجتمع الطبي الوباء لتعزيز فرص حصوله على بيانات صحية مفصلة لإجراء جميع أنواع الدراسات البحثية، وستضغط سلطات الصحة العامة من أجل مزيد من المراقبة للحصول على تحذير مبكر عن الأوبئة في المستقبل.

وفي الختام يقول شناير: هكذا، نجد أن هذه البيانات تعد شخصية للغاية بالنسبة للفرد، ولكنها ذات قيمة هائلة لنا جميعا. وبينما نتقدم نحو تطوير وسائل رقابة أكبر، نحتاج لمعرفة كيفية إرضاء الطرفين، أي من خلال معرفة كيفية تصميم أنظمة تستفيد من بياناتنا بشكل جماعي لصالح المجتمع ككل، وحماية الأشخاص بشكل فردي في نفس الوقت.

المصدر : الجزيرة + فورين بوليسي