زرعت "الارتباك والحيرة".. لماذا أثارت خطة جونسون لرفع الحجر كل هذه الانتقادات؟

Britain's Prime Minister Boris Johnson attends a parliament session made up of a mix of Chamber participants and remote participants, amid the coronavirus disease (COVID-19) outbreak, in the House of Commons Chamber in London, Britain, May 11, 2020. UK Parliament/Jessica Taylor/Handout via REUTERS THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY.
جونسون أثناء جلسة برلمانية أمس لمناقشة خطته (رويترز)

أيوب الريمي-لندن

حالة من الحيرة والشك تسود في بريطانيا بعد إعلان رئيس الوزراء بوريس جونسون عن خريطة طريقته الجديدة لإخراج البلاد من الحجر الصحي، توقيا من جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).

وما إن أنهى جونسون خطابه الذي وجهه للشعب نهاية الأسبوع الماضي، حتى تواترت الأسئلة والانتقادات لهذه الخطة التي اعتبرها كثيرون غير واضحة، ولا تقدم أجوبة صارمة وحاسمة بقدر ما تزرع الارتباك في صفوف البريطانيين.

وكانت الضربة القوية التي تلقتها خطة جونسون القائمة على شعار جديد هو: "ابقوا يقظين، احموا النظام الصحي، أنقذوا الأرواح"؛ هي إعلان كل من أسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية رفضها للخطة الجديدة القائمة على تخفيف جزئي لإجراءات الحجر الصحي.

ورغم أن جونسون أكد أمام البرلمان اليوم -في أول مواجهة له مع المعارضة بعد عرض خطته الجديدة- أن الوقت لم يحن بعد لفتح البلاد، فإن دعوته العاملين غير القادرين على العمل من البيت للعودة إلى مكاتبهم أحدثت حالة من الارتباك في صفوف العمال.

وظهر من خلال ردود الفعل على خطة جونسون الجديدة، أنها لم تنل ثقة المعارضين ولا المؤيدين، بخروج أصوات كثيرة من داخل حزب المحافظين، تعتبر أن ما تم تقديمه غير واضح ولا يشفي غليل المواطنين.

وجاء هذا النقد رغم نشر الحكومة تفاصيل خطتها في ستين صفحة، وقيل إنها ما زالت مبهمة، وعصية على الاستيعاب، خصوصا في شقها المتعلق بمتى يتعين على الناس مغادرة منازلهم، ومتى عليهم البقاء فيها، علما بأن الحالة الوبائية في بريطانيا ما زالت في مرحلة عدم احتواء انتشار العدوى.

المملكة منقسمة
ولم يتأخر الرد القادم من أسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية على خطة جونسون حتى قبل الإعلان عنها، فبمجرد تغيير الحكومة البريطانية لشعار مواجهة كورونا من "ابقوا في منازلكم" إلى "ابقوا يقظين"، خرجت رئيسة وزراء أسكتلندا نيكولا ستورغن لتعلن رفضها للشعار الجديد.

وشددت على أن بلادها ستحافظ على توصية البقاء في البيت، مؤكدة أنها لم تعلم بالشعار إلا من وسائل الإعلام، وبأنها لم يتم التشاور مع حكومتها في قرار تغييره.

وصبّت جام غضبها على قرار جونسون تغيير شعار مواجهة كورونا، واصفة هذا الأمر بأنه "كارثة"، مشددة على حفاظ بلادها على نفس المستوى من الحجر الصحي، وبأنها لن تسمح بالتخييم أو الاسترخاء في الحدائق العامة، معبرة أيضا عن امتعاضها من الخطة لأنها "فضفاضة وغير محددة المعالم".

أما الوزير الأول في ويلز مارك دراكفور، فقد أكد أن حث الناس على البقاء في المنازل لن يتغير في بلاده، وبأنه لن يتبع التغييرات التي أقدمت عليها بريطانيا من خلال خطتها الجديدة، خصوصا فيما يتعلق بالمدارس التي أعلن جونسون أن بعضها -وخصوصا في المرحلة الابتدائية- سوف يتم افتتاحه مع بداية الشهر القادم.

وشهد البرلمان البريطاني مواجهة عاصفة بين زعيم حزب العمال كير ستارمر ورئيس الحكومة جونسون، خلال تقديم تفاصيل خريطة الطريق الجديدة، حيث أكد زعيم المعارضة أن رئيس الحكومة فشل في منح المواطنين "طريقا واضحة المعالم".

وعاب ستارمر على جونسون أنه ضيع فرصة حقيقية خلال خطابه للبريطانيين من أجل تقديم خطة واضحة وطمأنة الرأي العام، معتبرا أن الحكومة فشلت في الإجابة عن أهم سؤال يطرحه الملايين، وهو: متى يمكن أن يلتقوا بأحبائهم من جديد؟

ونبّه زعيم حزب العمال إلى أن رفض كل من أسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية خطة جونسون، يعتبر مؤشرا سلبيا ويدعو إلى القلق، "لأنه قد يؤدي لخطر الانقسام".

غضب المحافظين
ولم تقتصر الانتقادات لخطة جونسون على الخصوم السياسيين فقط، بل جاءت حتى من داخل حزبه، حيث أكد وزير الدولة السابق دافيد ديفيس أن خيار الحكومة تخفيف إجراءات الحجر الصحي، يعني أنها تفكر في الجانب الاقتصادي أكثر من تفكيرها في الأسر البريطانية.

وبلغ الانتقاد مداه في مداخلة برلمانية لجيرمي هانت -وزير الخارجية السابق ومنافس جونسون داخل حزب المحافظين- الذي وصف ما يحدث في البلاد بأنه "من كبرى عمليات فشل الاستشارات العلمية المقدمة للحكومة في العصر الحديث".

وانتقد هانت ما سماه غياب الشفافية المحيط بلجنة الاستشارات العلمية للطوارئ، معتبرا "ما حدث فشلا منهجيا بسبب التعتيم المفروض على أعمال هذه اللجنة، لأن توصياتها لا يتم نشرها وبالتالي لا يمكن الرد عليها بطرق علمية".

وشدد على وجود جيش من العلماء البريطانيين القادرين على مواجهة توصيات هذه اللجنة، وخصوصا فيما يتعلق بفشل البلاد في إطلاق عملية واسعة للفحص، "وهي العملية التي كانت سوف تنقذ الكثير من الأرواح".

وأثرت ضبابية خطة جونسون حتى على وزرائه في الحكومة، حيث وجد وزير الخارجية البريطاني دومنيك راب نفسه في موقف لا يحسد عليه، وهو يعبر عن مواقف متباينة من قضية إمكانية زيارة الأهل وخصوصا الوالدين من كبار السن.

رأي العلماء
وأكد راب خلال حديثه مع قناة "سكاي" البريطانية أن الحكومة طلبت رأي العلماء بشأن إمكانية اللقاء مع أكثر من شخصين من العائلة، ومدى سلامة هذا الإجراء، وبأن الحكومة ما زالت في انتظار التوصيات العلمية، قبل أن يعود نفس الوزير -في لقاء مع شبكة "بي بي سي"- ليصرح بأنه بات مسموحا لقاء أحد الوالدين كل على حدة، مع الاحتفاظ بالتباعد الاجتماعي.

وينتظر أن يعلن راب -في برنامج إذاعي آخر- أنه يمكن للجميع مقابلة آبائهم من كبار السن في الحدائق العامة، مع مراعاة تعليمات التباعد الاجتماعي.

وتعاني الحكومة من تخبط في تنزيل خطتها الجديدة، ومما يزيد من حجم الضغط عليها هو تلويح النقابات العمالية الكبرى في البلاد بأنها لن تدعو منخرطيها للعودة إلا إلى العمل إلا إذا قدمت الحكومة ضمانات كافية لتوفير الحماية للعمال في أماكن عملهم.

المصدر : الجزيرة