في الذكرى الـ72 للنكبة.. عندما حارب العرب واستشهدوا في فلسطين

 فادي العصا-بيت لحم

يُنقش العلم الأردني على جدارية حجرية موضوعة عند مدخل مقبرة بلدة العبيدية شرق بيت لحم جنوب شرق القدس المحتلة تحمل أسماء شهداء قاتلوا تحت لواء الجيش الأردني في إحدى المعارك ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي في خمسينيات القرن الماضي.

ويحيي أهل البلدة كل عام ذكرى استشهاد تسعة من أبنائها كانوا ضمن أكثر من سبعين جنديا استشهدوا في المعركة التي استمرت قرابة تسع ساعات متواصلة في بلدة حوسان غرب بيت لحم، ويرفعون العلم الأردني إلى جانب العلم الفلسطيني، وهم يشعرون بالفخر بقتال العرب معهم دفاعا عن وطنهم.

وكان الجيش الأردني هو الجيش العربي الوحيد الذي تبقى بعد قيام دولة إسرائيل على 78% من فلسطين التاريخية عام 1948، وكان ينضوي تحت رايته آنذاك آلاف من الأردنيين والفلسطينيين. 

جدارية حجرية أقيمت على قبور عناصر من الجيش الأردني دفنوا في قرية دار صلاح شرق بيت لحم (الجزيرة نت)
جدارية حجرية أقيمت على قبور عناصر من الجيش الأردني دفنوا في قرية دار صلاح شرق بيت لحم (الجزيرة نت)

جنود وقادة عرب
ويقول الحاج يونس جدوع -وهو أسير أمضى 12 عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلي، والذي عايش تلك الأحداث- إن استبسالا منقطع النظير أبداه الجنود العرب في فلسطين، سواء قبل النكبة الفلسطينية أو بعدها.

ويستذكر جدوع المعركة التي كانت تحت قيادة الضابط الأردني عبد الله عبد الهادي، وتعتبر واحدة من المعارك التي نفذتها قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الجيش الأردني في مناطق مختلفة بالضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة في خمسينيات القرن الماضي ردا على استهداف الفلسطينيين المستوطنات في النقب.

وعدّد جدوع للجزيرة نت عشرات المعارك التي شارك فيها الجنود العرب في فلسطين وسقط على إثرها مئات الشهداء، ويحتفي الفلسطينيون -كل في منطقته- بهذه القبور كشواهد على مرحلة مهمة عاشوها إلى جانب العرب الذين قاتلوا معهم.

‪أهل بلدة العبيدية يحيون سنويا ذكرى استشهاد تسعة من أبنائها حاربوا في صفوف الجيش الأردني بمعركة حوسان في خمسينيات القرن الماضي (‬ الجزيرة نت
‪أهل بلدة العبيدية يحيون سنويا ذكرى استشهاد تسعة من أبنائها حاربوا في صفوف الجيش الأردني بمعركة حوسان في خمسينيات القرن الماضي (‬ الجزيرة نت

وفاء للشهداء
صحبنا جدوع إلى مقبرة أخرى في قرية دار صلاح القريبة، وتضم المقبرة رفات جنود أردنيين قاتلوا في حرب يونيو/حزيران 1967، كان جدوع قد نقل حينها مع إمام مسجد من بيت ساحور جثامينهم من القدس وتم دفنهم في المنطقة، حيث أقيم نصب تذكاري إحياء لذكرى هؤلاء الشهداء.

وفي جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة أقام الفلسطينيون قرية سميت "قرية الشهداء" قرب مقبرة لشهداء الجيش العراقي الذين شاركوا في معركة ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي إبان النكبة عام 1948.

ويقول المؤرخ الفلسطيني ياسين السعدي للجزيرة نت إن هناك 58 قبرا لشهداء الجيش العراقي، منهم 44 تعرف هوياتهم ونقشت أسماؤهم على شواهدها، و14 قبرا بدون أسماء، لعدم معرفة هويات أصحابها، فسيّج الفلسطينيون المكان وأقاموا نصبا تذكاريا تخليدا لذكراهم، ورسموا العلم العراقي على قبورهم.

مقبرة شهداء الجيش العراقي الذين شاركوا في معركة ضد جيش الاحتلال بجنين شمالي الضفة الغربية عام 1948 (مواقع التواصل)
مقبرة شهداء الجيش العراقي الذين شاركوا في معركة ضد جيش الاحتلال بجنين شمالي الضفة الغربية عام 1948 (مواقع التواصل)
إحياء للذكرى
ينظم الفلسطينيون رحلات مدرسية وأنشطة وفعاليات سنوية في ذكريات تلك المعارك التي قاتل فيها الشهداء العرب، الأمر الذي استفز سلطات الاحتلال ودفعها إلى تخريب النُصب والاعتداء عليها من وقت إلى آخر، ويرد الفلسطينيون بمزيد من الاحتفاء ونقش أعلام الدول التي ينتمي إليها الشهداء على شكل جداريات حجرية ضخمة.
 
ومن جانب آخر، تواصل الناشطون الفلسطينيون في كل مكان يوجد فيه شهداء عرب مع أهالي الشهداء لإطلاعهم على أماكن قبور ذويهم، وبينما نقل بعضهم رفات قريبه إلى بلده الأم أصر آخرون على إبقاء الجثامين في أماكن دفنها في ثرى فلسطين كشاهد على مشاركتهم في القتال مع الفلسطينيين.
 
ولا توجد أرقام رسمية لأعداد الشهداء العرب الذين قاتلوا في فلسطين، فعدا عن بيت لحم وجنين لا تكاد منطقة فلسطينية تخلو من مشاركات لجنود عرب في القتال ببسالة منقطعة النظير كقتالهم دفاعا عن بلدانهم الأصلية، وبذلك تنتشر بين الفلسطينيين ثقافة الاحترام الكبير والمهابة لهؤلاء الشهداء ودولهم وشعوبهم.

المصدر : الجزيرة