رغم الحصار 14 عاما.. غزة تُكمل في أسبوعين بناء ألف غرفة للعزل الصحي

عبد زقوت/ الحجر معزول عن المحيط الخارجي قرب معبر رفح/ قطاع غزة/ رفح
وحدات الحجر معزولة عن المحيط الخارجي قرب معبر رفح (الجزيرة)

عبد الرؤوف زقوت-غزة

يوصلون الليل بالنهار، يعملون كخلية نحل لا تكلّ ولا تملّ في مساحة ضخمة تبلغ 27 دونما من أجل بناء مقر للحجر الصحي مكون من ألف حجرة، ضمن إجراءات القطاع للوقاية من فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وتحسبا لأي طارئ.

توزّع العمال والمهندسون في موقعين شمال وجنوب قطاع غزة، وفي ظل الإمكانات المحدودة تمكّن طاقم العمل خلال أسبوعين من بناء وحدات الحجر الصحي المجهزة بشكل كامل لاستقبال الحالات، في زمن قياسي يحققه القطاع المحاصر منذ 14 عاما.

وتتوزع غرف الحجر الصحي بواقع خمسمئة غرفة على مساحة 14 دونمًا في المنطقة الواقعة بالقرب من معبر رفح جنوب القطاع، وخمسمئة أخرى على مساحة 13 دونمًا شمال قطاع غزة قرب معبر بيت حانون/إيرز.

الجدير بالذكر أن بناء المجمعين شهد تكاتفا كبيرا وعملا مشتركا بين الجهات الحكومية في قطاع غزة ومؤسسات العمل المحلي.

العريس البنّاء
محمد بلبل (30 عاما) أحد الشبان العاملين في المشروع، أكد أنه منذ بداية العمل لم يعد إلى منزله إلا لساعات معدودة، إذ إنه قرر المبيت في مكان البناء والتجهيز جنوب القطاع حتى انتهاء العمل وتسليم المشروع إلى الجهات المختصة.

‪تم بناء الحجر على مساحة كبيرة تضم الغرف ومتنزها مستقلا‬ (الجزيرة)
‪تم بناء الحجر على مساحة كبيرة تضم الغرف ومتنزها مستقلا‬ (الجزيرة)

قدّم بلبل -الذي تزوج منذ ثلاثة أيام فقط- العمل ونداء الواجب على حياته الشخصية، واتخذ من الغرف الحديدية الخاصة بالعمال "الكونتينر" مكانا للمبيت، حتى يكون مستعدا كل صباح ليوم شاق جديد، حاله حال العديد من العاملين في المشروع.

وقال العريس للجزيرة نت "منذ بداية عملنا في المكان لم نكن نفكر في العائد المادي رغم الحالة الصعبة، فما كان يشغل تفكيرنا هو أننا جزء من الذين يعملون من أجل الوقاية من كورونا وحماية أبناء شعبنا في قطاع غزة، لذلك تحملنا ساعات العمل الطويلة لأننا نعلم جيدا أن غزة تسابق الوقت".

ورغم العمل المُضني في المشروع، فإنه كان فرصة كذلك للشباب العاطلين عن العمل من أجل إيجاد مورد رزق ولو بصورة مؤقتة، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وارتفاع نسب البطالة والفقر بشكل كبير ومتزايد في قطاع غزة.

ووصلت نسبة الفقر والبطالة عام 2019 إلى ما يقارب 75% بحسب وزارة التنمية الاجتماعية في القطاع، وذلك مع اشتداد الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 2007، والذي تخللته ثلاث حروب أعوام 2008 و2012 و2014.

خطة متكاملة
وأكد الناطق باسم وزارة الداخلية إياد البزم أن قرار بناء الحجر الصحي جاء ضمن خطة متكاملة وضعتها الجهات الحكومية للتعامل مع جميع السيناريوهات المتوقعة لمواجهة كورونا.

‪خلال وضع التجهيزات النهائية للحجر الصحي جنوب القطاع‬  (الجزيرة)
‪خلال وضع التجهيزات النهائية للحجر الصحي جنوب القطاع‬  (الجزيرة)

ومن المقرر أن يتم تخصيص الحجر الصحي لعزل الحالات والإصابات في حال ظهورها، واستيعاب جميع الأعداد من المواطنين العائدين إلى القطاع من معبر رفح البري وحاجز بيت حانون.

وأوضح البزم للجزيرة نت أنه -ورغم الإمكانات المحدودة في قطاع غزة بفعل الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 14 عاما- تم بناء غرف الحجر الصحي في وقت قياسي بتظافر الجهود، للتعامل مع أي تطورات قد تطرأ في مواجهة الوباء العالمي.

يشار إلى أن الحجر الصحي معزول كليًا وجزئيا عن المحيط الخارجي، إضافة إلى عزل كل وحدة (ثلاثين غرفة تقريبا) بشكل مستقل، ويوجد في كل وحدة مشرف أمني.

وهيأت الجهات المختصة غرف الحجر الصحي بكافة المستلزمات التي تضمن عدم احتكاك المستضافين فيها وانتقال العدوى بينهم، ومدّتها بالكهرباء والمياه والإنترنت على مدار الساعة، إضافة إلى تخصيص مساحة كبيرة كحديقة مستقلة.

وعن استخدام المدارس والفنادق بادئ الأمر، قال البزم إن المدارس كانت للتعامل الطارئ والعاجل، وطبيعة بنائها غير مهيأة لتنفيذ عملية الحجر الصحي الكامل "لكننا اضطررنا لذلك وقمنا بتجهيزها بالإمكانيات اللازمة للتغلب على الواقع الجديد، ثم بعد ذلك استخدمنا الفنادق لتحسين إجراءات وظروف الحجر الصحي".

وعن عدد غرف الحجر الكبير، أشار البزم إلى أن وزارة الداخلية لا ترى أن ألف غرفة عدد كبير بتقديرها، لأن مواجهة الوباء قد تطول، مبينا أن "الداخلية مع الوزارات المختصة تضع خطة كذلك لإيجاد بدائل أخرى في حال تطورت الأمور".

إجراءات وقائية
وشدد الناطق باسم الداخلية في غزة على أن الإجراء المتقدم الذي تم اتخاذه بوضع العائدين إلى القطاع في حجر إلزامي وليس منزليا كان حاسما في عدم انتشار الفيروس في المجتمع، خاصة أن الحالات التي تم اكتشافها كانت ضمن المحجورين.

‪مشهد خارجي للحجر الصحي الذي بني في وقت قياسي‬  (الجزيرة)
‪مشهد خارجي للحجر الصحي الذي بني في وقت قياسي‬  (الجزيرة)

وبيَّن البزم أن الداخلية مع الوزارات المختصة اتخذت العديد من القرارات والإجراءات الوقائية منها  "إغلاق المساجد ووقف صلاة الجمع وإغلاق الأسواق الشعبية الأسبوعية، إغلاق الاستراحات على شاطئ البحر بشكل كامل، ومنع التجمعات، وإغلاق صالات المطاعم والمقاهي وصالات الأفراح، وعدم إقامة الحفلات العامة، وعدم إقامة بيوت العزاء".

وعلى صعيد القرارات المتعلقة بالوزارة فقد أخلت الداخلية سبيل عدد من السجناء الذين قضوا ثلثي المدة وفقا للقانون، إضافة إلى إعطاء 50% من السجناء المصنفين دون القضايا الخطيرة إجازة مفتوحة حتى إشعار آخر، في إطار الحماية والوقاية، أما من تبقى داخل السجون فيخضعون لإجراءات وقائية مشددة.

استنزاف كبير
وعن العمل في ظل الحصار، أكد البزم أن هناك ضعفا كبيرا في الإمكانات بسبب الحصار الإسرائيلي، لافتا إلى أن استمرار الحصار في ظل انتشار الوباء سيستنزف جميع الإمكانات الحالية، مما يعرض حياة المواطنين للخطر.

وناشد الناطق باسم الداخلية المجتمع الدولي وكل الأطراف للضغط على الاحتلال لرفع الحصار بشكل عاجل لإنقاذ حياة مليوني إنسان مهددين في ظل انتشار الوباء في العالم الذي لم تصمد في وجهه دول كبرى.

وكانت وزارة الصحة في قطاع غزة أعلنت إنهاء الحجر الصحي لـ 1018 مستضافا في مراكز الحجر من بينهم 233 من الطواقم الطبية ورجال الأمن والخدمات المساندة والنظافة بعد إتمام كافة الفحوصات للاطمئنان على سلامتهم.

وبحسب بيانات الوزارة، فإن إجمالي المتعافين من فيروس كورونا وصل إلى ثماني حالات، ولا تزال خمس حالات مصابة تحت المتابعة الصحية، في وقت لم تسجل حالات جديدة حتى الآن.

المصدر : الجزيرة