إذا كنت صديقا لكوبا فالأطباء في الطريق إليك.. هافانا تفعّل دبلوماسية القمصان البيضاء لمواجهة كورونا
5/4/2020
في خضمّ تفشي فيروس كورونا المستجدّ في العالم، استؤنف إرسال الأطباء الكوبيين إلى الخارج، بعد أن سخرت الولايات المتحدة والبرازيل العام الماضي من دبلوماسية كوبا الصحية، لكن دولا مثل إيطاليا لها موقف مغاير.
ويوضح الكوبي أرتورو لوبيز-ليفي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هولي نايمز الأميركية أنه "منذ مطلع القرن، هناك حديث عن احتمال تفشي وباء عالمي، وقد حضّرت كوبا جيشها من أصحاب القمصان البيضاء".
وهذه إستراتيجية معدّة من قبل، في بلد جعل من الصحة والتعليم ركيزتي ثورته الاشتراكية.
ويذكّر بأنه "نهاية الحرب الباردة، طوّرت كوبا هذه القدرة، وبالتالي منطقياً أصبحت أداة رئيسية من سياستها الخارجية".
وتؤتي هذه السياسة اليوم ثمارها، منذ بدء تفشي وباء كوفيد-19، حيث أرسلت هافانا 593 خبيراً صحياً إلى 14 دولة بينها إيطاليا الدولة الأوروبية الأكثر تضرراً من المرض مع تسجيلها أكثر من 15 ألف وفاة، وأندورا التي أبلغت عن حوالي 12 وفاة.
ويبدو أن دولا أخرى مهتمّة بتدخّل هذه الفرقة الإنسانية التي أُطلقت عليها فرقة "هنري ريف" المتخصصة في الكوارث الطبيعية والأوبئة.
و"هنري ريف" الذي تحمل الفرقة اسمه هو مقاتل أميركي شارك في حرب الاستقلال الكوبية.
وفي فرنسا، صدر مرسوم يسمح بتدخّل أطباء كوبيين في بعض أقاليم ما وراء البحار وهي: غويانا ومارتينيك وغواديلوب وسان مارتان وسان بارتيليمي وسان بيار وميكلون.
هافانا تلبي النداء
وأُنشئت هذه الفرقة الكوبية عام 2005 لتقديم المساعدة للولايات المتحدة بعد مرور الإعصار كاترينا. ورفضت واشنطن الأمر، إلا أن المجموعة تدخلت في عدة دول خصوصاً للتصدي لإيبولا في أفريقيا عام 2014، بطلب من منظمة الصحة العالمية.
لكن الأطباء الكوبيين لا يتدخلون فقط في أوقات الأزمات: بل يوجد منهم 28729 فرداً على مدار السنة في 59 دولة حيث يساعدون الفرق الطبية.
وكانت كوبا تُقدّم هذه الخدمة بشكل مجاني منذ الستينيات. وبعد عام 2000 بدأت هافانا في طلب رسوم من الدول الغنية وذلك بعد أضعفتها الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انهيار الاتحاد السوفياتي.
وفي الوقت الحالي تعتبر البعثات الطبية أحد المصادر الرئيسية للعائدات في كوبا (6,3 مليارات دولار عام 2018).
وأصبحت هذه الفرقة أيضاً مستهدفة من جانب واشنطن التي عززت عقوباتها الاقتصادية على هافانا، منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مطلع 2017.
وتتهم الولايات المتحدة الحكومة الكوبية "باستغلال اليد العاملة في السخرة" عبر احتجاز 75% من رواتبهم واستخدام هؤلاء الأطباء أحياناً كناشطين سياسيين في البلاد التي يعملون فيها.
ويؤكد الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو (حليف واشنطن) أنه تسلل بين صفوف هؤلاء الأطباء عملاء استخبارات.
ويرى خورخي دواني مدير معهد الأبحاث الكوبية بجامعة فلوريدا الدولية أنه تماشياً مع "السياسة الأميركية" القاضية بممارسة "ضغوط اقتصادية قصوى على كوبا" يمكن تفسير رفض البرنامج الطبي كإستراتيجية تهدف إلى "حرمان الحكومة الكوبية من موارد مادية".
ويشير إلى أن "فيروس كورونا المستجدّ أعطى لكوبا فرصة جديدة لتصدير فرقها الطبية".
ويعود أستاذ العلاقات الدولية الكوبي معلقا بأنه "من وجهة نظر اقتصادية، هذا لا يحل محلّ العقود الدائمة للمساعدة الطبية".
الدبلوماسية والمال
ويوضح المحلل السياسي كارلوس ألزوغاراي أن "المنافع الدبلوماسية والاقتصادية أكبر" بالنسبة لكوبا، حتى لو كان خلف ذلك "دافع إنساني بحت".
واعتبرت الخارجية الأميركية مؤخراً في تغريدة أن "كوبا تقدّم بعثاتها الطبية الدولية إلى الدول المتأثرة بكوفيد-19 فقط لاسترداد الأموال التي فقدتها عندما أوقفت دول أخرى المشاركة في هذا البرنامج المفرط". لكن حال الطوارئ التي تخلفها أزمة كورنا قد تنسف هذه الحجج.
ومنذ ستينيات القرن الماضي استثمرت كوبا في التعليم خصوصا المجال الصحي، وقد بات تصدير الأطباء يمثل دعامة مهمة لاقتصادها ودبلوماسيتها.
وفي الجانب الدبلوماسي، عكست كوبا من خلال "سفراء الطب" أنها ليست جزيرة منعزلة ومتخلفة كما تصورها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب.
وقد برهنت الطواقم الطبية الكوبية على كفاءتها، وقدمت خدمات جليلة في العديد من المناطق المنكوبة بآسيا وأفريقيا والأميركتين.
وقبل عامين تلفّظ الرئيس البرازيلي بولسونارو بكلمات نابية ضد الأطباء الكوبيين الذين يعملون في بلاده.
وعلى الفور، قررت هافانا استدعاء ثمانية آلاف طبيب كوبي يعملون في مختلف أرجاء البرازيل ويقدمون خدمات صحية احترافية لملايين الفقراء في المدن والقرى البعيدة.
ووفق أرقام نشرت عام 2018 يوجد ما يزيد على 45 ألف طبيب كوبي في 67 دولة من مختلف القارات إلى جانب عشرات الآلاف من الممرضين والفنيين والمسعفين.
ففي بوليفيا يوجد أكثر من سبعمئة اختصاصي كوبي في مختلف محافظات البلاد، وبعضهم يعمل في مناطق نائية.
كذلك، يعمل مئات الأطباء الكوبيين في هاييتي الفقيرة جدا، وفي تيمور الشرقية يعمل 182 اختصاصيا وفنيا من كوبا.
وفي الفترة من 1963 إلى 2004 أنشأت كوبا مرافق صحية في كل من اليمن وغينيا وإثيوبيا وغينيا بيساو وأوغندا وغانا وغامبيا وغينيا الاستوائية.
ووفق بيانات لوزارة الصحة الكوبية، فإن 2500 من أطبائها يعلمون في 32 دولة أفريقية بينهم المئات في جنوب أفريقيا وحدها. ويرافق هؤلاء الأطباء حوالي ألفين من المسعفين والممرضين والفنيين.
وفي فنزويلا، يعمل عشرة آلاف طبيب كوبي في مختلف التخصصات مقابل حصول هافانا على مئة ألف برميل نفط يوميا بأسعار مخفضة من كراكاس، وفق إحصاءات نشرت قبل عامين.
وكذلك يعمل أطباء كوبا في الجزائر منذ عقود نظرا لوشائج الثورة والاشتراكية بين البلدين، ووقع الجانبان قبل أعوام اتفاقية "النفط مقابل الأطباء" وبموجبها توفد هافانا المزيد من الكوادر الصحية مقابل حصولها على الوقود الجزائري.
ووفق الأمينة العامة السابقة لمنظمة الصحة العالمية مارغريت تشان فإنه "بفضل التضامن الطبي الكوبي ارتفعت المؤشرات الصحية الى مستويات كبيرة في مختلف شعوب العالم".
المصدر : الجزيرة + الفرنسية