لوموند: على خلفية كورونا.. فيروس الكراهية والريبة تجاه المسلمين ينتشر في الهند

NEW DELHI, INDIA - MARCH 31: Muslims wearing protective facemasks leave an Islamic seminary to board a special service bus that will take them to quarantine facility amid concerns about the spread of the COVID-19 in Nizamuddin area as the nation-wide lockdown continues on March 31, 2020 in New Delhi, India. Twenty-four people who were part of a mid-March Islamic religious gathering in India's national capital tested positive for coronavirus on Tuesday as police and health officials evacuated and quarantined over 1,000 people from the Nizamuddin area which was sealed and sanitized. The Delhi government accused the Tabhleegi Jamaat, an Islamic missionary movement that focuses on urging Muslims to return to practising their religion, which had organized the gathering, of gross negligence even as police said it had served notices to the organisers. The number of positive coronavirus cases in India crossed the 1,200 mark with 32 deaths as the country reeled under a government-imposed lockdown for the seventh day amid increasing hardships for the country's poor. (Photo by Yawar Nazir/Getty Images)
تجمع لجماعة التبليغ بالعاصمة الهندية متهم بالوقوف وراء نشر عدوى كورونا بين العديد من الهنود (غيتي)
في حي نظام الدين وسط العاصمة الهندية نيودلهي، المشهور بمزار "دارغاه نظام الدين عليا" والذي يعج عادة بالزوار والمتسولين والمرضى والسياح، لا شيء يشير إلى وجود حياة، فالأزقة مهجورة ولا زهور ولا بخور، ولا متجر ولا طفل شارع يبحث عن بعض النقود، ولا حتى صوت يخرج من الحي المطوق والمغلق بالكامل من قبل الشرطة والجنود المسلحين.
 
بهذه الصورة، افتتحت صوفي لاندرين مقالا في صحيفة لوموند الفرنسية، قالت فيه إن السلطات القومية الهندوسية ترى أن المسلمين لعبوا دورا حاسما في نشر وباء كوفيد-19 في العاصمة، واتهمت بذلك تجمّعا أقيم في حي نظام الدين داخل المدينة.

وقالت الكاتبة إن هذا الجيب الإسلامي الواقع في قلب نيودلهي أصبح أحد المصادر الرئيسية لانتشار فيروس كورونا في الهند، وبالتالي أطلقت الحكومة حملة مطاردة كبيرة للعثور على كل من مروا بالقرب من مسجد مركز بانغلوالي، المقر العالمي لجماعة الدعوة والتبليغ الواقع داخله.

زوار في الحجر الصحي

وبالفعل -تقول الكاتبة- عقدت جماعة الدعوة والتبليغ في مركزها بنظام الدين تجمعا دينيا ضخما من 13 إلى 15 مارس/آذار الماضي، تجمع فيه أكثر من ثمانية آلاف شخص قدموا من أنحاء الهند ومن ماليزيا وإندونيسيا وتايلند والسعودية، في وقت كانت فيه حكومة دلهي قد حظرت فيه أي تجمع يضم أكثر من 200 شخص، في محاولة لمنع انتشار وباء كورونا.

ولمدة ثلاثة أيام -تقول لاندرين- عاش أعضاء الجماعة في ظروف مزدحمة للغاية في المركز، ثم عادوا إلى ديارهم، وانتشروا في بلدانهم وفي جميع أنحاء شبه القارة الهندية، دون أن يعرفوا هل من بين المشاركين من يحمل فيروس كورونا.

وبعد أن حذرت بعض الولايات في الهند من وجود إصابات مفاجئة بعد عودة الزوار، وتسجيل عدد غير مسبوق من الوفيات، أرسلت الحكومة الشرطة إلى حي نظام الدين يوم 30 مارس/آذار الماضي، حيث لا يزال 1800 شخص، بينهم 300 أجنبي، في المركز، رغم الحجر العام الذي أمر به رئيس الوزراء ناريندرا مودي قبل خمسة أيام.

وتحت عدسات الكاميرات، نقل الزوار من المبنى في حافلات ووضعوا في الحجر الصحي، حيث ظهر أن 500 منهم مصابون بعدوى الفيروس، وقد تم تجميع 25 ألف شخص في غضون أيام قليلة، ممن لهم صلة بالتجمع الديني.

تجمع في عناوين الأخبار

وسرعان ما برزت الاتهامات الأولى على لسان الوزير المختص بالأقليات مختار عباس نقفي، الذي وصف اجتماع جماعة التبليغ بأنه "عمل إجرامي لا يغتفر"، وبعده ببضعة أيام، قالت وزارة الصحة إن ثلث حالات كوفيد-19 في الهند مرتبطة بتجمع نظام الدين.

وقال الوزير "نعلم الآن أن الإداريين انتهكوا القواعد، وسيتم اتخاذ إجراءات صارمة ضد مسؤولي هذه المؤسسة. نتيجة لهذا الإهمال الجسيم، تعرض العديد من الأرواح للخطر".

وبعد هذه الأحداث -كما تقول الكاتبة- أصبحت جماعة التبليغ على الصفحات الأولى للصحف الهندية وعلى التلفزيون، ومثار تعليقات يومية من السلطات، وبدأ حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بنشر مئات الرسائل والشائعات على شبكات التواصل الاجتماعية تحت وسم (هاشتاغ) "كوروناجهاد"، لربط المسلمين بنقل الفيروس.

ومع الحملة المغرضة، انتشر ببطء سم الكراهية المعادية للمسلمين في شبه القارة الهندية -حسب الكاتبة- وتعرض أناس في جميع أنحاء البلاد للهجوم، ونُهبت ممتلكاتهم، إن لم يتعرضوا للضرب المبرح، حتى إن رجلا عائدا من التجمع قتل نفسه بعد ما لقي من مضايقات ومقاطعة من أهل قريته، رغم أنه دخل الحجر وأثبت الفحص خلوّه من الفيروس.

الشائعات تنتشر

في هذا الجو بدأت الشائعات والأخبار الكاذبة، وانتشر فيروس الريبة بسرعة في قلب العاصمة الهندية -كما تقول الكاتبة- بعد أن أعلنت الشرطة يوم 9 أبريل/نيسان الحالي أن ثلاثة أفراد من عائلة ثرية قد أصيبوا بالفيروس، وقد فتح تحقيق الأولي بتهمة "الإهمال والأفعال الخبيثة" ضد حارس بيتهم المسلم بتهمة نقل العدوى إليهم.

واهتمت الصحافة الهندية، بما فيها تلك الجادة، بالقضية التي مات فيها مسنان من العائلة، وقالت إن الحارس أخفى عن أصحاب المنزل حضوره اجتماع جماعة التبليغ، وقد أمسك المحققون بالحارس في منزله ووضعوه في الحجر الصحي، إلا أنه تبين أنه غير مصاب بالفيروس، وربما لا علاقة له بإصابة مؤجريه الذين يفترض أن أحدهم التقط الفيروس في الخارج.

تحيز تقليدي

وتساءلت الكاتبة: هل الهند تحاول إلصاق جميع المشاكل كالهجرة والإرهاب والبطالة والمرض بالمسلمين؟ مشيرة إلى أن الوباء طغى فجأة على الهجمات التي تعرض لها المسلمون في فبراير/شباط الماضي في المناطق الشمالية من دلهي على إثر احتجاجهم على قانون إصلاح الجنسية.

وتنقل الكاتبة عن جيل فيرنيرز، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أشوكا قرب نيودلهي، قوله إن "القصة مستمرة، حتى في ظروف استثنائية مثل هذا الوباء، لا يتخلى القوميون الهندوس عن تحيزهم التقليدي. وبمجرد ظهور الفيروس، كانت النغمة معادية للمسلمين بشدة".

في أعقاب الكشف عن قصة مركز نظام الدين، أبدى الرئيس السابق لحكومة جامو وكشمير عمر عبد الله قلقه من عواقب ذلك على المجتمع الإسلامي، وحذر على تويتر من أن "جماعة التبليغ ستصبح ذريعة جيدة لأولئك الذين يريدون وصم المسلمين، كما لو كنا قد أنشأنا ونشرنا كوفيد-19 حول العالم".

وفي 25 مارس/آذار الماضي في اليوم الأول من الحجر الصحي، شارك الراهب يوغي أديتياناث -المقرب جدا من رئيس الوزراء ناريندرا مودي- في موكب بمدينة أيودهيا بولاية أوتار براديش، استعدادًا للبدء في أعمال البناء في معبد هندوسي، كما أقيمت احتفالات دينية هندوسية في جميع أنحاء الهند، دون أن يوجه لهم أي انتقاد..

وفي المقابل سيحاسب منظمو تجمع نظام الدين أمام المحاكم، حيث وجهت اتهامات جنائية لزعيم جماعة التبليغ بتهمة "القتل العمد" و"تعريض حياة الآخرين للخطر".

المصدر : لوموند