جدل استقلال سيناء عن مصر.. هل ينطق نيوتن عن الهوى؟

دبابة مصرية الجيش المصري رفح غزة سيناء
مع تواصل العمليات العسكرية في سيناء يطالب كتاب ومفكرون بسياسة مختلفة تقوم على التنمية أولا (الجزيرة)

عبد الله حامد-القاهرة

دعوة لجعل سيناء إقليما اقتصاديا مستقلا، أطلقها كاتب باسم مستعار في صحيفة مصرية خاصة، أثارت جدلا واسعا، ودفعت كُتابا ومدونين معارضين للسلطة وآخرين مقربين منها لاعتبارها دعوة خبيثة تستهدف عزل سيناء عن مصر.

ولم تتوقف كرة اللهب عند مجرد تفنيد سلسلة المقالات التي نشرها الكاتب تأكيدا لوجهة نظره وتوضيحا لها، لكنها امتدت لاستدعاء ممثل الجريدة للتحقيق أمام المجلس الأعلى للإعلام.


حاكم مستقل
وفي المقال الأول من سلسلة المقالات التي تناولت مسألة سيناء على مدى الأيام القليلة الماضية، دعا كاتب المقال لاتباع سياسة مختلفة تجاه سيناء ذات المساحة الشاسعة، مطالبا باستحداث وظيفة حاكم سيناء لمدة ست سنوات، بصلاحيات تتجاوز مهام المحافظ.
 
وطالب الكاتب -الذي يكتب عمودا يوميا منذ سنوات ويوقعه باسم مستعار هو "نيوتين"- بإتاحة الحرية لحاكم سيناء لإقامة النظام الأفضل للحكم المحلي الذي يحقق الاستقرار لهذا الإقليم، على أن تكون الوظيفة مستقلة تماما عن بيروقراطية القوانين السائدة في الاستثمار، وفي استخدام الأراضي مثلا، اهتداء بنماذج ناجحة مثل سنغافورة أو ماليزيا.
 
ويبدو أن الكاتب توقع هجوما ضاريا على مقاله، فاستبق ذلك بالتأكيد على حسن نواياه وأنه لا مجال للتفريط في أي قطعة من هذا الإقليم الأكثر تشربا لدماء المصريين، منتقدا من يرفعون شعار "سيناء خط أحمر"، متهما إياهم بأنهم يريدونها أن تظل مهجورة وملعبا مفتوحا للجماعات المتطرفة والصفقات المشبوهة.
 
وفي مقال تال عضد الكاتب وجهة نظره بما قال إنه رسائل من قراء يؤيدون رؤيته، وكان من أخطر الفقرات التي اختارها نقلا عن قارئه قوله إن "الطرح ستواجه عقبات ومصاعب جمة، أولها وأهمها جهات اكتسبت بحكم تاريخ الصراع السياسي في الشرق أوضاعا ذات أولوية خاصة، تحتاج تفاهمات وترتيبات تيسر لمشروع القرن".

ويقول صحفيون ونشطاء إن "نيوتن" هو مالك الجريدة صلاح دياب، غير أن صحفيين آخرين هم من يكتبون أفكاره، وهم من كُتاب المقالات والأعمدة في الجريدة نفسها، ويعتقد كثيرون أن مضمون كتاباته كثيرا ما يكون من وحي الأجهزة الاستخبارية في مصر.

وسبق أن تعرض دياب لاقتحام منزله وتصويره مقيد اليدين من قِبَل الشرطة، وذلك في واقعة قال عنها صحفيون ونشطاء إنها رسالة من السلطة لدياب بضرورة التزام سياسة الدولة الإعلامية بعد الانقلاب العسكري في صيف 2013، وعدم التغريد خارج السرب عبر صحيفة المصري اليوم.


جدل
وأحدث المقال جدلا كبيرا بين مؤيد ومعارض لمضمونه، وبين من اعتبر المقال مجرد بالون اختبار، تريد السلطة به قياس ردود الفعل والبناء عليها بقرارات خطيرة تمس الأمن القومي المصري، تجاه منطقة مهمة في وقت حساس.
 
فيما رأى آخرون أنه بغض النظر عن مضمون المقال، فلا يجوز محاكمة كاتبه على مجرد الرأي، وأن حرية التعبير يجب صيانتها من تدخلات السلطة، وأن المقال يتم الرد عليه بمقال ورأي وليس قضايا جنائية وسياسية.

في المقابل، رأى صحفيون أن الجريدة لا يمكن أن تمرر نشر ما لا يرضى عنه النظام، في ظل حقيقة أن كل قياداتها موالون للنظام الحاكم، وتربطهم بالمؤسسة العسكرية تحديدا علاقات وثيقة.

ويرى هؤلاء أن هجوم اللجان الإلكترونية للنظام وألسنته الإعلامية، هدفه فقط تصعيد الجدل حول الفكرة المطروحة، لقياس ردود الفعل داخل المؤسسات الفاعلة بالدولة، حتى لا يمر المقال مرور الكرام إن لم يحدث هجوم عليه يعقبه جدل بشأنه.


تباين
وكان رئيس تحرير صحيفة الأخبار الحكومية خالد ميري، الأسرع لنقد مقال نيوتن، إذ كتب يقول إن هذه صفقة مشبوهة، واصما نيوتن بأنه يحمل الجنسية الإسرائيلية.

ورغم شكاوى ناشطين من سيناء من غياب التنمية والأمن أكد ميري أن سيناء تجري فيها أكبر عملية تحديث وتنمية لم تشهدها طوال تاريخها، كما نجحت قوات الجيش والشرطة في "تطهير سيناء من الإرهاب ليلفظ أنفاسه الأخيرة".

واعتبر ميري أن فكرة حاكم إقليم سيناء هي رؤية مريضة لا هدف لها إلا فصل سيناء عن جسد الوطن، مطالبا بضرورة الكشف عن شخصية الكاتب ومحاسبته.

أما رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية الصادرة عن مؤسسة الأهرام الحكومية أحمد قمحة، فذهب أبعد من ذلك وقال إن ما طلبه نيوتن يقترب كثيرا من المنظومة الفكرية للإخوان، والتي لا تعترف بالوطن ولا بحدوده وتعلي من مصلحتها على مصلحة الوطن بحسب وصفه.

 
بالمقابل، أيد رئيس تحرير الوفد الأسبق عباس الطرابيلي -وهو من كُتاب المصري اليوم حاليا- فكرة تعيين حاكم إقليم سيناء، مؤكدا أنها من الأفكار البناءة، وستحول سيناء إلى نمر آسيوي جديد.
 
وكتب الطرابيلي في مقال أن فكرة حاكم إقليم سيناء معمول بها في نظام إدارة الولايات المتحدة الأميركية، لتمنح سيناء أسلوب الإدارة والحكم الذي يحقق المطلوب.
 
وقال عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق والصحفي سابقا بالمصري اليوم أبو السعود محمد، إن فكرة نيوتن أكثر عقلانية من أفكار أخرى مجنونة أقدمت الدولة عليها مثل التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.
 
ولفت في منشور له بصفحته الشخصية على الفيسبوك إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي وهو الرجل العسكري، مضى في تنفيذ خطته تجاه تيران وصنافير رغم المظاهرات التي خرجت ضدها، ورغم حكم المحكمة ببطلان اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية.
 
وأكد أن ما كتبه نيوتن في النهاية هو فكرة لا يملك صاحبها تنفيذها، وعلى المعترضين عليها تفنيدها.

صفقة القرن
بدوره، قال الكاتب الصحفي سيد أمين "كان الممكن أن يمر هذا المقترح مرور الكرام وأن يبدو مقنعا لولا عدة متغيرات مهمة، منها أن المنطقة المستهدفة بالمقال هي نفسها المنطقة المستهدفة بصفقة القرن، حتى إن المفردات والنماذج التي أوردها نيوتن هي نفس مصطلحات مشروع القرن".
 
وأوضح أن النماذج التي ضربها نيوتن وخاصة هونغ كونغ، هي في الواقع مناطق كانت واقعة تحت سيطرة أجنبية بريطانية، وليست تحت السلطة الصينية، فكان الأوجب ألا يشبهها بسيناء.
 
وأضاف "يبدو أن ما تم طرحه جاء بإيعاز من قبل السلطة لجس النبض، وتم تزيينه ليبدو مقنعا من أجل إقناع الجيش والأجهزة الحساسة التي يبدو أنها رافضة لمشروع صفقة القرن".

حسن النية
بدوره، يقول المرشح الرئاسي الأسبق أيمن نور إنه على يقين من أن كاتب المقال هو صلاح دياب، وهو ما يعني الكثير عند الوقوف على خلفيات الرجل، فهو ليس فقط رجل أعمال من الوزن الثقيل في الزراعة والبترول، ولكنه أيضا سياسي قديم ارتبط بحزب الوفد، وذو توجهات ليبرالية.
 
وأضاف السياسي المصري المعارض، "وهو ما يعني أنه طرح فكرته تلك بدافع من حسن النية والوطنية، بعيدا عن حقيقة ارتباط شركاته بعلاقات استثمارية مع إسرائيل".
 
وفي حديثه للجزيرة نت أوضح نور أن صلاح دياب ربما يكون راغبا في أن يروج لنفسه حاكما لهذا الإقليم، وهو أمر لا مشكلة فيه سواء كان هو بنفسه أو رجل أعمال آخر مثل حسن راتب الذي له باع في الاستثمار بسيناء، فهما على أية حال "أفضل من لواءات يتسببون في مزيد من التخريب لها"، بحسب تعبير السياسي المصري.
 
وتابع "لكن لن ينجي صلاح دياب من عقاب مؤسسات الدولة إلا توافق إرادتها معه، حتى لا يتعرض لإهانة كالتي سبق وتعرض لها بالاعتقال وتصويره بشكل مذل، وكاد يغيب في غياهب السجون لولا تدخل شخصية إماراتية ترتبط بعلاقة مصاهرة معه".
 
ولا يجد نور حرجا في أن تكون سيناء "ذات طبيعة اقتصادية خاصة"، لأن هذا المشروع تم تداوله والنقاش حوله في مراحل كثيرة، مستدركا بالقول إن تحولها لإقليم ذي طبيعة مستقلة بكافة أشكال الاستقلال، لا بد أن يجري التعامل معه كطرح بحذر في ظل الظروف الخاصة بسيناء حاليا، ومع الحديث عن مشروعات إقليمية خطيرة مثل "نيوم" ومشروع تبادل الأراضي.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي