كورونا والضغط على المرافق وأسعار النفط فجرت قنبلة العمالة "السائبة" في الخليج

طابور طويل من العمالة الفلبينية المخالفة
طابور طويل من العمالة الفلبينية المخالفة في الكويت (الجزيرة نت)
الكويت-خاص
 
"قبل قرابة عام، لاحت لي بشائر فرصة للسفر إلى الكويت، فرحت كثيرا بالأمر؛ إذ كان السفر حلما يراودني منذ فترة طويلة، علمت من المكتب الذي تعاملت معه أنني سأعمل هنا بأحد المطاعم نظير تقاضي 250 دينارا شهريا (ثمانمئة دولار تقريبا)".
 
يحكي علي صلاح جزءا من قصته للجزيرة نت، مشيرا إلى أنه واجه صعوبة شديدة في تدبير المبلغ الذي طلبه المكتب لإنهاء إجراءات سفره، وهو نحو سبعين ألف جنيه مصري (4.5 آلاف دولار تقريبا).
 
حين وصل الشاب علي الكويت قبل أشهر، لم تكن الصورة على النحو الذي رُسمت له؛ إذ انتهى به المطاف للسكن مع عشرين آخرين من رفاق العمل، الذين قدموا تباعا داخل شقة في منطقة المهبولة (جنوبي العاصمة الكويت).
 
بعد مضي أربعة أشهر من دون استخراج الكفيل أوراقهم الثبوتية، أو يمكنهم من تستلم أعمالهم، لم يكن هناك مفر من تقديم شكوى ضد الكفيل لدى الجهات المختلفة، بعد أن ساءت حالتهم، وتوقفت فرص العمل باليومية التي كانت تتاح لبعضهم قبل أزمة فيروس كورونا الحالية، التي اضطرتهم إلى طلب المساعدة من الجيران، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي لسد رمقهم.
 
تجار الإقامات جلبوا عشرات الآلاف من العمال (الجزيرة نت)
تجار الإقامات جلبوا عشرات الآلاف من العمال (الجزيرة نت)

أزمة حادة
وكشفت أزمة كورونا الحالية، وما فرضته من إجراءات احترازية توقف معها العمل في كافة الأنشطة الاقتصادية؛ عن أزمة حادة تواجهها العمالة الهامشية، أو عمال اليومية، ممن يعملون في أنشطة تختلف عن تلك التي جاؤوا في الأصل للعمل بها.

 
وهي مشكلة تبدو عامة في دول الخليج، التي وجدت نفسها أمام سيل ضخم من العمالة تضغط على المرافق الصحية والخدمية المختلفة، في وقت تحتاج فيه لتوفير الرعاية الصحية لمواطنيها والمقيمين بها وفق اشتراطات دقيقة للحد من انتشار فيروس كورونا.
 
وفي الكويت -على سبيل المثال- فجرت أزمة العمالة الزائدة عن احتياجات الدولة سيلا من المطالب بضرورة إعادة النظر في التركيبة السكانية الحالية، ومحاسبة تجار الإقامات الذين جلبوا مئات الآلاف من العمال على شركات وهمية نظير الحصول على مبالغ مالية تصل إلى ألفي دينار أحيانا (سبعة آلاف دولار)، لينتهي المطاف بهؤلاء إلى الشارع بحثا عن فرصة عمل.
 
وحسب أرقام الهيئة العامة الكويتية للمعلومات المدنية للعام 2019، يبلغ عدد سكان الكويت 4.7 ملايين نسمة، 30% منهم مواطنون و70% من الوافدين، بواقع 3.3 ملايين، بينهم 744 ألفا من العمالة المنزلية.
 
واضطرت الحكومة الكويتية الأسبوع الماضي إلى فرض حظر كامل على منطقتي جليب الشيوخ والمهبولة، بعد تزايد أعداد الإصابات بفيروس كورونا بين العمال فيهما، خاصة من الجاليات الآسيوية.
 
ويبلغ سكان منطقة المهبولة 196 ألف نسمة، 74% منهم من الجنسيات الآسيوية، و20% من جنسيات عربية، و1.5% من مواطني أميركا الشمالية، و1% كويتيون.
 
ويقدر عدد سكان منطقة الجليب بنحو 323 ألف نسمة، 30% منهم جنسيات عربية، و68% من الآسيويين، أما نسبة المواطنين فتقدر بـ1% فقط، مقابل 1% من الجنسيات الأخرى.
 
‪وزير الداخلية الكويتي يتفقد مقر إنهاء إجراءات العمالة المخالفة‬ (الجزيرة نت)
‪وزير الداخلية الكويتي يتفقد مقر إنهاء إجراءات العمالة المخالفة‬ (الجزيرة نت)

تهجم على الجاليات
وأتاحت أجواء الخوف في ظل الأزمة الراهنة فرصة لراغبي التكسب للهجوم على بعض الجاليات، وتوجيه سهام النقد الحاد لها، وتحميلها مسؤولية ما تعانيه البلاد، لا سيما الجالية المصرية، وهو ما اعتبره حقوقيون شكلا من أشكال خطاب الكراهية الذي يفتح الباب أمام ممارسات عنصرية تهدد نسيج المجتمع، وتعكر صفو العلاقات الثنائية بين الدول.

 
ونقلت صحيفة الوفد المصرية عبر مراسلها في الكويت قيام وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد الناصر بمهاتفة نظيره المصري سامح شكري، مشيرة إلى أن الجانبين أكدا عدم ارتياحهما ورفضهما التام للمحاولات المسيئة والهادفة إلى المساس بالعلاقة بين البلدين.
 
وكانت الحكومة الكويتية بدأت خطوات تدريجية منذ عام 2014 لمواجهة خلل التركيبة السكانية؛ إذ منعت منذ عامين تعيين أي وافد في القطاع الحكومي، مع وضع خطة لتوطين الوظائف بالكامل خلال خمس سنوات.
 
وحسب الخبير الحقوقي الدولي غانم النجار، فإن الكويت ودول الخليج عموما أنظمة ريعية لا يشكل الإنتاج أولوية فيها، وفي الوقت نفسه يمنح أصحاب النفوذ صلاحيات لجلب عمالة لا تحتاجها البلاد، كما تشكل المناقصات الكبيرة فرصة لجلب آلاف العمال من دون حاجة فعلية.
 
ويتطلب العلاج -وفق ما قاله النجار للجزيرة نت- حصر تجار الإقامات ومعاقبتهم، وألا يقتصر العقاب على إغلاق الشركات لأن جزءا كبيرا منها وهمي في الأساس، كما أن من المهم معالجة مشكلة غياب الضرائب في الأنظمة الريعية، سواء على المواطن أو المقيم، والتحول إلى اقتصاد متعدد المصادر.
 
وخلال مارس/آذار الماضي، أصدر أنس الصالح نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الكويتي قرارا بمنح مخالفي الإقامة فرصة لمغادرة البلاد من دون دفع أية غرامات أو تحمل تكاليف السفر، مع إتاحة الفرصة لمن يرغب في العودة إلى البلاد مرة أخرى بشكل قانوني، وهي المهلة التي بدأت مطلع الشهر الجاري وتستمر حتى نهايته.
 
وشهدت الأيام الخمسة المخصصة لأبناء الجالية المصرية قيام نحو ستة آلاف مقيم مصري بتسوية أوضاعهم تمهيدا للمغادرة.
‪الوقوف في الشارع بحثا عن لقمة العيش لم يعد ممكنا في ظل انتشار كورونا‬ (الجزيرة نت)
‪الوقوف في الشارع بحثا عن لقمة العيش لم يعد ممكنا في ظل انتشار كورونا‬ (الجزيرة نت)

اتهامات وتحقيق

وتشير تقارير محلية إلى فتح تحقيق مع العديد من الشركات باتهامات تتعلق بتجارة الإقامات، كما أعلن وزير الداخلية الخميس توقيف أحد الضباط لوجود شبهات بتورط شركة يملكها وآخرون في الاتجار بالبشر.
 
ويرى الوزير السابق وعضو الديوان الوطني لحقوق الإنسان علي البغلي أن أزمة العمالة "السائبة" يقف وراءها متنفذون هم تجار الإقامات من أصحاب الشركات الوهمية، ويساعدهم في ذلك تراخي بعض الجهات الحكومية، وهو أمر ظهر جليا في ظل أزمة كورونا بسبب الضغط على المرافق الحكومية، والخوف على الاحتياطي النقدي في ظل التراجع الكبير لأسعار النفط.
 
وقال البغلي للجزيرة نت إن هذه العوامل دفعت الدولة لترحيل المخالفين من هؤلاء العمال، الذين لم يعد لهم مصدر رزق في ظل توقف كافة الأنشطة الاقتصادية، إلا أنه أبدى رفضه للخلط بين العمالة السائبة وغيرهم ممن يعملون في وظائف محددة.
 
كما قال إنه لا يجب استهداف جنسيات بعينها أو المس بكرامة هؤلاء العمال الذين أتوا لكسب الرزق، لأن المسؤولية تقع على تجار الإقامات الذين يجب تعديل العقوبات الخاصة بهم في القانون الكويتي، لتتحول جريمة الاتجار تلك من جنحة إلى جناية.
المصدر : الجزيرة