الوزير الإيطالي للشؤون الأوروبية للجزيرة نت: كورونا لن يخرجنا من الاتحاد الأوروبي

وزير الشؤون الأوروبية بالحكومة الإيطالية فينتشينسو أميندولا في مكتبه بروما أثناء اتصال عن بعد مع زملائه بالاتحاد الأوروبي (الصور منحها فريق عمل الوزير للمراسل
وزير الشؤون الأوروبية بالحكومة الإيطالية (الجزيرة)
عبد المجيد الفرجي-روما
نفى وزير الشؤون الأوروبية بالحكومة الإيطالية فينتشينسو أميندولا أن يكون لدى بلاده سيناريو للخروج من الاتحاد الأوروبي على خلفية الانتقادات الواسعة لموقف الدول الأوروبية من انتشار وباء كورونا في إيطاليا.

وقال الوزير الإيطالي، في حوار مع الجزيرة نت، إن مؤسسات الاتحاد الأوروبي تواجه أكبر تحد لها منذ نشأة الاتحاد، داعيا التكتل الأوروبي إلى حماية مواطنيه ودعم قوته الاقتصادية.

وتاليا نص الحوار:
 

حلت الذكرى 63 لتوقيع معاهدة روما "نواة الاتحاد الأوروبي" هذا العام في وقت انتشار جائحة فيروس كورونا. كيف تنظر إلى هذه المفارقة التاريخية؟ 

تتزامن (هذه) الذكرى مع يوم ولادة مشروع اتحاد قارتنا. ومع تفشي جائحة كوفيد-19، حيث تواجه أوروبا أحد أكبر التحديات على مدى 63 عاما من التكامل المستمر. ومؤسسات الاتحاد في تحد حي اليوم للحفاظ على قوتها في المستقبل القريب، بعد أن أحدث هذا الوباء العالمي جلبة في حياة شعبنا، فحمل معه الموت وانعدام الأمن.

وهي أزمة ستؤدي إلى ركود عالمي وتباطؤ قوي في العلاقات الاقتصادية والإنتاجية العالمية، والركود لن يؤثر فقط على البورصات، ولكن على الاقتصاد الأوروبي والعرض والطلب، ويهز قطاع الأعمال. ولهذا السبب فإن الاتحاد الأوروبي مدعو إلى مواجهة التحدي الأكبر منذ نشأته. يجب على الاتحاد حماية مواطنيه، ودعم قوته الاقتصادية دون إضاعة الوقت.
 
هل خرج انتشار هذا الفيروس عن السيطرة في إيطاليا، أم هناك أمل لتدارك الوضع؟ 

سجلت إيطاليا أكثر من مئة ألف حالة إصابة، وأكثر من 11 ألف حالة وفاة. وهي أعداد عالية جدا، واجهتها الحكومة بتدابير قوية جدا تقدرها منظمة الصحة العالمية. 
 
واكتشاف العدوى في إيطاليا حدث قبل أسبوعين على الأقل من انتشار الفيروس في بلدان أوروبية أخرى، ولسوء الحظ، تتزايد أعداد العدوى بشكل كبير في دول أخرى في القارة، مع منحنى مساو لنا. 
 
‪أميندولا (وسط) في اجتماع لمجلس الوزراء بروما (الجزيرة)‬ أميندولا (وسط) في اجتماع لمجلس الوزراء بروما (الجزيرة)
‪أميندولا (وسط) في اجتماع لمجلس الوزراء بروما (الجزيرة)‬ أميندولا (وسط) في اجتماع لمجلس الوزراء بروما (الجزيرة)
 
متى بدأ عرض فكرة إيطاليا إنشاء صندوق ضمان أوروبي أو إصدار "سندات فيروس كورونا" بهدف تمويل جميع المبادرات التي ستتخذها الحكومات للتعامل مع حالة الطوارئ؟ وهل عدم التفاعل بالشكل الحاصل كان منتظرا أم شكل صدمة لكم؟ 

مع تفشي الوباء، تم سن تدابير في جميع المؤسسات الأوروبية، واتخاذ تدابير لتنسيق المواد الصحية والطبية، ومنح الأموال لمختلف الدول، كما اتخذ البنك المركزي الأوروبي خيارات مهمة مع برنامج "بيب" لحماية الاقتصادات في الأسواق، إلى جانب قواعد جديدة وسياسة نقدية مدعومة. ونناقش اليوم المزيد من تدابير السياسة المالية لمواجهة الركود وإعطاء القوة لاستعادة قدراتنا الإنتاجية، والأدوات التي تمت مناقشتها كثيرة ومن بينها "سندات كورونا" التي لا تقدرها بعض دول الإتحاد.
 
ويتم اتخاذ القرارات في المجلس الأوروبي بالإجماع في المسائل الضريبية، وهذا يعقد الإجراءات. ولكن بالنظر إلى الضرورات الملحة وعمق الصعوبات الاقتصادية، فإن إيطاليا، مع دول أخرى، تضغط من أجل اتخاذ خيارات جديدة على الفور، تتناسب والطبيعة غير العادية للأزمة.
 
هل تشعر إيطاليا اليوم بخذلان من طرف الاتحاد الأوروبي، أم هو مجرد ارتباك بسبب الحدث الطارئ وأنه يمكن تدارك الأمر الأيام القادمة؟ 

بالنسبة لبلدنا، الاتحاد الأوروبي هو قدرنا وهو تحالف يعزز مصلحتنا الوطنية، ولن تكون أي دولة من أصل 27 دولة خارج الاتحاد قوية في الاضطرابات والأزمات العالمية. وكوفيد-19 أوضح مثال على ذلك، ولا يمكن للفرد وحده أن يدبر الأمر، لكن التحالف يساعد في التغلب على الصعوبات الفردية لكل دولة. لهذا، هناك حاجة إلى سياسة مالية منسقة على المستوى الأوروبي، مثل تلك التي قدمها مفوض الشؤون الاقتصادية، الإيطالي باولو جنتيلوني، لخطة "النهضة" للاتحاد الأوروبي ومرونتها الاقتصادية. وستكون هناك حاجة أيضًا إلى التعاون على مستوى مجموعة السبع دول ومجموعة العشرين الكبار.
 
هناك شعور متنام بالغضب لدى الرأي العام الإيطالي تجاه الاتحاد الأوروبي، هل ترونه مبررا، لاسيما وأن جائحة كورونا تجتاح مختلف دول القارة، وليس فقط إيطاليا وإن كانت الأكثر تضررا؟ 

لا أعتقد أنه غضب بل رغبة في رؤية المؤسسات أكثر نشاطًا وأسرع في إيجاد حلول للمشكلات. والانتقاد العام للاتحاد الأوروبي نتاج الأزمات المالية عامي 2008 و2012، عندما كانت استجابة الجمهور الأوروبي للأزمة المالية بالتقشف والصرامة في الميزانية، مما تسبب بصدع كبير في المشاعر الشعبية، ولهذا السبب، يجب أن نقاوم كوفيد-19 دون أن ننسى أخطاء الماضي، أو نكررها لأن الأزمة أكبر بكثير من الماضي. نحن بحاجة إلى التعاون والدعم لإعادة إطلاق الإنتاج الصناعي.
الوزير الإيطالي لا يرى في الخروج من الاتحاد أي مصلحة (رويترز)
الوزير الإيطالي لا يرى في الخروج من الاتحاد أي مصلحة (رويترز)
 
هل ستنتظرون تجاوب الاتحاد الأوروبي أم ستلجأ إيطاليا إلى حلفاء جدد خارج المنظومة في ظل حالة الطوارئ التي يعانيها البلد؟ 

تُترك السياسة الصحية في المعاهدات للدول، ويوفر الاتحاد الأوروبي التنسيق بين مختلف السيادات الوطنية، وهذا مثال يتخلف عنه التكامل الأوروبي، بسبب الأنانية الوطنية، ونحن ندرك، مع ذلك، مدى فائدة النظر بدقة في التأخيرات المتراكمة في التدخلات الصحية الأسابيع الماضية. 
 
وفي الأيام الأخيرة، أنشأت المفوضية الأوروبية غرفة مشتركة للطوارئ، والتي توزع مساعدات تأتي من دول أخرى خارج الاتحاد الأوروبي.
 
كيف يمكنكم الموازنة بين إنقاذ إيطاليا من انهيار اقتصادي وصحي عبر التعاون وجلب مساعدات من دول خارج المنظومة الأوروبية، وفي نفس الوقت الحفاظ على حلم الاتحاد؟ 

إيطاليا، مثل كل أوروبا، لديها قيمها الأساسية التعددية والتعاون والتضامن مع جميع دول العالم، وأوروبا لم تضع سيادتها في صراع مع أي شخص، وتحاول دائما التعاون مع الجميع بسلام. ولهذا السبب، لا يوجد تناقض بين المساعدة المقدمة في الأزمة بسبب هذا الوباء، والحكومة الإيطالية متحدة في هذا النضال الصعب، وتجسد سياسة أوروبية وعابرة للأطلسي منفتحة على قيم التعاون الدولي.
 
يبدو الإعلام الإيطالي بمختلف توجهاته، ومعه جزء مهم من الرأي العام، وكأنه في جبهة واحدة ضد سياسة الاتحاد الأوروبي، غير المساندة للبلد في محنته اليوم مع تداعيات فيروس كورونا، هل نحن أمام سيناريو "بريكست" إيطالي جديد؟ 

لا يوجد سيناريو لخروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي، وتبين هذه الأزمة أنه سيكون من الجنون لمصالحنا الوطنية، ويجب تغيير الاتحاد الأوروبي وتعزيزه وتجهيزه بأدوات جديدة في الواقع العالمي اليوم، حيث تشكل الروابط الاقتصادية والتكنولوجية فرصا جديدة.

أعتقد أن هذه الرغبة تحفز أيضا انتقاد التحالف الأوروبي الذي غالبا ما يكون خجولا أو بطيئا جدا في اتخاذ القرارات، ويطالب العديد من المواطنين الإيطاليين والأوروبيين بـ "المزيد من أوروبا". وأنا مقتنع بأنه لا توجد أغلبية من الإيطاليين على استعداد لترك الاتحاد لمغامرة قومية بدون مستقبل.

 
تعاني إيطاليا من أزمة اقتصادية خانقة وتتطلع لدعم أوروبي لتفادي الانهيار (الأناضول)
تعاني إيطاليا من أزمة اقتصادية خانقة وتتطلع لدعم أوروبي لتفادي الانهيار (الأناضول)
 
خصمكم السياسي زعيم اليمين ماتيو سالفيني يدعو للخروج من الاتحاد بالنظر إلى المعطيات الحاصلة بعدما تخلى الأخير عن دعم إيطاليا في محنتها الحالية، كيف يمكنكم أن تواجهوا خطابا من هذا النوع، والذي أصبح يتبناه حتى بعض اليساريين حاليا؟
 
المعارضة تعبر عن انتقادات شديدة تجاه الاتحاد الأوروبي. في الماضي، اقترحوا ترك اليورو أو العملة الموحدة أو الاتحاد نفسه، ولحسن الحظ، لم يعودوا يكررون هذه الشعارات اليوم، لكن هذا الشعور المشكك في إدارة السياسة الأوروبية، من قبل أقلية في البرلمان الأوروبي، لم يعقبه أبدا مؤشر بديل واضح ولا حتى اقتراح كامل بشأن مستقبل البلاد خارج الاتحاد الأوروبي.
 
كيف تنظر إلى مستقبل الاتحاد الأوروبي بعد مضي أزمة وباء كورونا. هل هو مهدد بالاندثار؟  

هذا هو التحدي الأبرز من أجل التعبئة لحاضرنا ومستقبلنا، وكل شيء على المحك، ولا أعتقد أن العديد من طرق التدبير في الماضي ستعود. بالنسبة لأوروبا، هناك اختبار أساسي يجب اجتيازه، ويجب أن يجد الشجاعة والمقترحات لإعادة إطلاق مشروع الاتحاد الأوروبي، وإيطاليا تطالب به بقوة، ونريد تغيير أوروبا ومواجهة هذا التحدي أيضا.
 
كيف ترون شكل العالم عموما والاتحاد الأوروبي بعد انتهاء جائحة كورونا؟ 

ستخرج أوروبا بشكل مختلف، وسيتغير الرأي العام مع التضحيات والمعاناة، وسيتعين على السياسة أيضا تغيير وتيرتها، ولن تعود بنفس طرق العمل، ويتطلب الأمر الشجاعة في النقاش لمواجهة هذه الوقائع التاريخية التي لم يكن يتوقعها أحد، وفي مواجهة هذه الأحداث ستظهر قيمة وقوة الأفكار ونوعية القيادة الأوروبية والعالمية. 
المصدر : الجزيرة