منعا لانتشار كورونا بالضفة.. ممرضون يعالجون المرضى في منازلهم
عاطف دغلس-نابلس
"أهلي وجيراني وأحبتي في محافظة سلفيت، في ظل ما أعلن من حالات الطوارئ وما يسببه فيروس كورونا من خطر، أنا مستعد للتعامل مع أي حالات مرضية لكبار السن، وكل من يحتاج في المنزل من غيار للجرح وإعطاء أدوية وغيرها من الخدمات التمريضية".
هذا ما كتبه الممرض الفلسطيني زكريا قوزق من مدينة سلفيت شمال الضفة الغربية على صفحته في فيسبوك، مبديا استعداده -كالعشرات من زملائه في المهنة- تقديم الخدمة لكل مريض يحتاجها وهو في منزله، وذيّل منشوره بتأكيده أن الخدمة "تطوعية" وبرقم هاتفه الخاص.
ويقصد قوزق المرضى من ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن ومن يصعب عليهم الوصول إلى المستشفى، بسبب أوضاعهم الصحية أو خشية التأثر بالإصابة بأي فيروس داخل المشافي التي تعرف بأنها من أماكن انتشار الأمراض، باعتبارها بيئة حاضنة لمختلف الفيروسات.
منذ إعلانه، زار قوزق ثلاثة مرضى داخل سلفيت، وهو رقم يتناسب مع تعداد سكانها كمدينة صغيرة مقارنة بغيرها، وقدم لهم الخدمة الطبية الكاملة، ولا سيما لأحد كبار السن الذي أجرى حديثا عملية قلب مفتوح.
يقول قوزق للجزيرة نت "يحتاج مثل هؤلاء المرضى لرعاية خاصة والمكوث في منازلهم فترة طويلة، والآن في ظل انتشار فيروس كورونا أصبح الأمر أكثر تطلبا خوفا من إصابتهم به حيث تنخفض المناعة لديهم".
ورغم عودته الحديثة إلى العمل في مستشفى "ياسر عرفات" الحكومي في مدينته سلفيت، بعد عمله سنوات في مراكز صحية بمدن الضفة، فإن قوزق حظي بقبول واسع لدى الأهالي بعمله التطوعي.
ويرى الممرض أن مبادرته لقيت صدى في المدينة التي تغيب عنها المراكز الصحية الخاصة والعامة، باستثناء مستشفى وحيد، كما أنه ولخبرته الطبية يمكنه التعامل جيدا وبحرص كبير مع معالجة المرضى، ويجنبهم مشقة الذهاب للمستشفى.
اقتداء
ومثل الممرض زكريا قوزق، أعلن الممرض محمد الضميري من مخيم طولكرم للاجئين مبادرته التطوعية بالتزامن مع إعلان حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية الخميس الماضي، وقد زار حتى الآن وبشكل متكرر عددا من مرضى السكري، وآخرين قدم لهم المضاد الحيوي في الوريد.
يقول الضميري للجزيرة نت إن مخيمه -الذي يعاني فقرا مدقعا وكثافة سكانية- هو أكثر ما يحتاج هذه المساعدات الإنسانية، ويضيف أن ممرضين آخرين وطبيب امتياز من داخل المخيم وخارجه بادروا إلى هذا العمل التطوعي.
ودفعه لإطلاق مبادرته، خبرته الواسعة في التمريض المنزلي والوضع الصحي الصعب لعشرات المرضى، وخلو المخيم إلا من عيادة واحدة تتبع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وتفتح أبوابها لثلاثة عشر ألف لاجئ خمسة أيام في الأسبوع حتى الثانية ظهرا.
ويطلق الضميري (24 عاما) مبادرته بشكل فردي، لكنه يبدي استعداده لتحويلها إلى عمل جماعي ضمن فريق ينسق فيما بينه، ويصل كافة المرضى في المحافظة ويقدم لهم الخدمات، وخاصة إذا ازداد الوضع سوءا وتفشى فيروس كورونا بشكل أوسع بين الفلسطينيين.
بلهفة وفرح كبيرين، تلقى مرضى كثر في مخيم طولكرم -ومنهم مجيد حطاب- خبر مبادرة التداوي في المنزل بمساعدة الممرضين، فقد تعرَّض لجرح غائر في قدمه أدى لالتهابات حادة بفعل إصابته أصلا بمرض "القدم السكرية".
يقول الحاج حطاب وقد بدت عليه علامات الرضا والفرح، إن خطورة مرضه تكمن في سهولة نقل العدوى له عبر أي جرثومة تصيبه، مما قد يفتك بقدمه الأخرى السليمة، ويضيف أنه وجد العلاج في المنزل أكثر أمنا من المستشفى.
مبادرات فاعلة
وهذه المبادرات "جيدة ورائعة" بنظر الطبيب الفلسطيني المتخصص في الصحة العامة بسام ماضي، كونها تستهدف فئة مهمة هي المرضى من المسنين الذين لا يلقون العناية الطبية والاجتماعية المناسبة، وخاصة من المؤسسات العالمية مقارنة بغيرهم من فئات المجتمع كالمرأة والطفل.
وطبيا، لهذه المبادرات فوائد كبيرة وفق ماضي، فهي تمنع انتقال العدوى للمرضى أنفسهم بسبب ذهابهم للمستشفيات، فضلا عن قدرة الممرضين على نشر التوعية المطلوبة لتجنب هذه الفيروسات، ودعاهم للعمل بشكل جماعي ومشترك مع الجهات المختلفة الطبية والمجتمعية لإيصال الخدمة بشكل أسرع وأدق.
ولتعزيز دور هذه المبادرات، يدعو ماضي لتبني خطة تهدف استمرارية عملهم، والتقصي في البحث عن الأشخاص الأكثر حاجة للرعاية الطبية، لترتيبهم ضمن أولويات وخدمتهم بشكل أسرع.
وعلى غرار الممرضين، أطلقت مبادرات عدة تنوعت بين توزيع المساعدات العينية الطبية مجانا كالكمامات التي ارتفعت أسعارها، ومبادرات أخرى تتعلق بتعقيم الأماكن العامة كالمراكز الجماعية والمساجد، وثالثة إعلامية تقدم التوعية للمواطنين عبر مختلف الوسائل.