إصابة جونسون ووزير الصحة بكورونا.. عواقب مناعة القطيع تحل بداونينغ ستريت

Britain's Prime Minister Boris Johnson visits a laboratory at the Public Health England National Infection Service in Colindale, north London, Britain, March 1, 2020. REUTERS/Henry Nicholls TPX IMAGES OF THE DAY
جونسون لم يكن مقتنعا باتخاذ إجراءات مشددة في بداية الأزمة ودعا لمواصلة الحياة كالمعتاد (رويترز-أرشيف)

صار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أول قائد لدولة كبيرة يصاب بفيروس كورونا المستجد، كما أعلن وزير الصحة البريطاني مات هانكوك إصابته بالفيروس في اليوم نفسه، وهما أرفع مسؤولين يقودان جهود مكافحة الوباء في دولة اختارت نهجا متساهلا للتعامل مع الأزمة في بدايتها وجرت على نفسها انتقادات شديدة.

فحين كانت دول الشرق والغرب تسارع باتخاذ إجراءات طارئة لمكافحة هذا الوباء المستشري وتغلق المدارس والمتاجر وتنشر جيوشها في الشوارع كانت حكومة جونسون تغرد خارج السرب، وتطرح منهجها الفريد للتعامل مع الأزمة، وهو مناعة القطيع التي تقول بتوسيع دائرة انتشار المرض حتى تتكون مناعة جماعية لدى السكان.

وفضلا عن تبني الحكومة هذه النظرية بادئ الأمر وفقا لتوصية مستشاريها العلميين، فقد أبدى جونسون بوضوح موقفه في التهوين من المخاطر، وحتى مخالفته إرشادات صحية أساسية.

ففي أحد المؤتمرات الصحفية قال رئيس الوزراء البريطاني إنه يصافح الناس باستمرار، وتابع قائلا "كنت في مستشفى الليلة الماضية، وأعتقد أن فيه بعض المصابين بكورونا، وقد صافحت الجميع".

لذلك، لن يكون غريبا إذا تبين أن جونسون التقط الفيروس من ذلك المستشفى في تلك الليلة التي كان يصافح الناس فيها بسخاء.

وأعلن جونسون اليوم الجمعة في فيديو بثه عبر تويتر إصابته بالفيروس قائلا "خضعت لاختبار وجاءت النتيجة إيجابية.. على مدى الساعات الـ24 الماضية عانيت من أعراض طفيفة لفيروس كورونا، لنقل إنها حرارة وسعال مستمر".

وقد ظهرت الأعراض على جونسون (55 عاما) أمس الخميس بعد يوم من حضوره جلسة أسبوعية في مجلس العموم للرد على أسئلة النواب.

وقال رئيس الوزراء البريطاني اليوم "أنا أعمل من المنزل، دخلت العزل الذاتي، لا يساوركم أدنى شك في أن بإمكاني الاستمرار -بفضل سحر التكنولوجيا الحديثة- في التواصل مع كل فريقي على أعلى مستوى لقيادة معركة الوطن ضد فيروس كورونا".

وذكر متحدث باسم الحكومة أنه تم إجراء اختبار الكشف عن كورونا لرئيس الوزراء بناء على "نصيحة شخصية" من كبير المستشارين الطبيين بالحكومة كريس ويتي.

وبعد مرور أقل من ساعتين على بيان جونسون، قال وزير الصحة البريطاني مات هانكوك إنه أصيب أيضا بفيروس كورونا ودخل العزل الذاتي في منزله، وأوضح أنه يعاني من أعراض طفيفة.

كم مصابا في داونينغ ستريت؟
لم يتضح على الفور عدد الموظفين بمقر الحكومة في داونينغ ستريت وكبار الوزراء الذين سيضطرون لعزل أنفسهم، نظرا إلى أن كثيرا منهم كانوا على اتصال بجونسون خلال الأيام والأسابيع الأخيرة.

وقالت الحكومة إن جونسون لديه خيار تفويض سلطاته إلى وزير الخارجية دومينيك راب إذا اقتضى الأمر.

وسيخضع رئيس الوزراء للعزل الذاتي لمدة سبعة أيام، وسيباشر عمله من مقر إقامته في داونينغ ستريت.

ماذا عن الملكة؟
قال قصر باكنغهام إن ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية في صحة جيدة، وأوضح المتحدث باسم القصر أن "آخر لقاء بين الملكة ورئيس الوزراء كان في 11 مارس (آذار)، وأنها تأخذ بكل النصائح الملائمة بشأن سلامتها".

وكانت الاختبارات أظهرت قبل أيام إصابة ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز (71 عاما) بفيروس كورونا، وقال مكتبه إنه بصحة جيدة ويعزل نفسه حاليا في مقر إقامته بأسكتلندا ويعاني من أعراض بسيطة.

وعبر العديد من السياسيين البريطانيين والأوروبيين عن تمنياتهم بالشفاء لرئيس الوزراء البريطاني.

وقال زعيم حزب العمال المعارض جيريمي كوربن عبر تويتر إنه يتمنى الشفاء العاجل لجونسون، مضيفا أن فيروس كورونا يمكنه أن يؤثر على أي شخص.

في غضون ذلك، سجلت أصوات أخرى انتقاداتها لرئيس الوزراء البريطاني، ورأت أن إصابته بالفيروس ما هي إلا نتيجة طبيعية لموقفه "المتراخي" في التعامل مع هذه الأزمة وحرصه على سير الأنشطة التجارية والاجتماعية بوتيرتها المعتادة على الرغم من التحذيرات الدولية.

وقبل أسبوعين من إصابته بكورونا، خلفت تصريحات جونسون صدمة لدى البريطانيين حين أخبرهم أن عليهم الاستعداد لفقد أحبائهم، لأن الفيروس سيواصل الانتشار في البلاد على مدار الأشهر المقبلة حاصدا المزيد من الأرواح.

وقال "سأكون صريحا معكم ومع كل الشعب البريطاني، عائلات كثيرة، كثيرة جدا ستفقد أحباءها قبل أن يحين وقتهم".

وتحدث المستشار العلمي للحكومة البريطانية باتريك فالانس في اليوم التالي عن "مناعة القطيع"، موضحا أنه كلما توسعت دائرة انتشار الوباء ستصبح هناك مناعة وطنية أوسع لأجيال رغم ما قد يرافق ذلك من خسائر في الأرواح.

وألمح فالانس إلى احتمال ترك فيروس كورونا يصيب نحو أربعين مليونا من سكان المملكة المتحدة، أي 60% من السكان، للوصول إلى "مناعة القطيع"، وهي نظرية معروفة تقول بمواجهة أي فيروس بالفيروس ذاته، "داوها بالتي هي الداء".

ما مناعة القطيع؟
يحارب جسم الإنسان الأمراض المعدية عبر جهاز المناعة، فعندما يتعرض جهاز المناعة لعدو جديد -فيروس مثلا- فإنه يتعامل معه، وإذا عاش الشخص وتعافى فإن جهاز المناعة يطور ذاكرة لهذا الغازي، بحيث إذا تعرض للفيروس مستقبلا فإنه يمكنه محاربته بسهولة.

هذه هي الطريقة التي تعمل بها اللقاحات، والتي تقوم بخلق ذاكرة للمرض من دون أن يصاب الجسم حقيقة بالمرض، إذ يكون اللقاح مكونا من فيروسات ميتة أو ضعيفة، لكنها كافية لتكوين ذاكرة لدى جهاز المناعة من دون إصابة الجسم بالمرض.

مناعة القطيع تقول التالي: إذا كان لديك مرض جديد مثل كوفيد-19 وليس له لقاح فعندها سينتشر بين السكان، ولكن إذا طور عدد كافٍ من الأشخاص ذاكرة مناعية فسيتوقف المرض عن الانتشار حتى لو لم يكن جميع السكان قد طوروا ذاكرة مناعية.

المشكلة أن تطبيق مناعة القطيع على فيروس كورونا في المملكة المتحدة يتطلب أن تصاب نسبة كبيرة من السكان بين 60 و70%، ثم تتعافى من المرض، ويعني هذا إصابة أكثر من 47 مليون شخص في المملكة المتحدة.

ومع الإحصاءات الحالية التي تقول إن معدل إماتة فيروس كورونا هي 2.3%، وإن نسبة من يتطور لديهم المرض إلى مرحلة خطيرة هي 19%، فهذا يعني أنه في المملكة المتحدة وللوصول لمناعة القطيع سيموت بفيروس كورونا أكثر من مليون شخص، مع ثمانية ملايين إصابة أخرى تتطلب خضوع المريض لرعاية مكثفة لأن وضعه الصحي سيكون خطيرا وحرجا.

غير أن الحكومة البريطانية -التي اكتفت في بادئ الأمر بنصح البريطانيين فوق السبعين عاما بالتزام منازلهم إذا ظهرت عليهم أعراض شبيهة بالإنفلونزا- عدلت مسارها تباعا في أعقاب تحذيرات من الداخل والخارج، وفي ضوء دراسات محلية نبهت إلى عواقب وخيمة تنتظر بريطانيا إذا لم تبادر بتطبيق إجراءات مشددة.

المصدر : الجزيرة + وكالات