اختبار كورونا.. كيف تخبطت لندن وواشنطن في الاستعداد لمواجهة الوباء؟

Britain's Prime Minister Boris Johnson meets U.S. President Donald Trump for bilateral talks during the G7 summit in Biarritz, France August 25, 2019. Stefan Rousseau/Pool via REUTERS
ترامب (يمين) وجونسون غيّرا مواقفهما تجاه التعاطي مع كورونا أكثر من مرة (رويترز-أرشيف)

محمد المنشاوي-واشنطن / والجزيرة نت-لندن

تخبطت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بصورة كبيرة لم يتوقعها أحد في التعامل مع تبعات انتشار فيروس كورونا، فقد غيّر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون موقفه بصورة كبيرة، وكذلك فعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وعلى الرغم من اختلاف النظامين البريطاني والأميركي بصورة كبيرة، جمع بين الدولتين الحليفتين نمط مشترك يمثّل تجربة فاشلة في الاستعداد لمواجهة انتشار فيروس كورونا.

رهان بريطاني خاطئ
ارتباك كبير طبع تعامل الحكومة البريطانية مع انتشار فيروس كورونا المستجد، تمثل في تغيير السياسات الحكومية أكثر من مرة. وعلى الرغم من صرامة رئيس الوزراء في خطابه الشهير الذي قال فيه إن كثيرين سيودعون أحبابهم، فإن صرامة الخطاب لم تكن مقرونة بالأفعال.

وكانت بداية الجدل عندما أعلن المستشار العلمي للحكومة السير باتريك فالانس، أن بلاده تسير باتجاه تطبيق خطة "مناعة القطيع" التي تقوم على تعرض الناس للفيروس واكتساب مناعة منه، وهو ما أثار مخاوف المئات من العلماء والأطباء في بريطانيا الذين وجّهوا رسالة إلى الحكومة تطالبها بعدم الاستمرار في هذه السياسة.

حاولت الحكومة البريطانية وفريقها الطبي الدفاع عن وجهة نظرها لأيام قليلة، قبل أن تصطدم بأن مستوى انتشار الفيروس يسير بسرعة أكثر من المتوقع، وذلك بسبب عدم اتخاذ الحكومة أي إجراء للحد من التجمعات أو تقييد التنقل بين المناطق، بل كانت ترفض إغلاق المدارس، رغم المناشدات الكثيرة بأن كل تأخير يمكن أن يؤدي لكوارث.

كان مبرر جونسون هو أن كل قراراته هي فقط تنفيذ لتوصيات اللجنة العلمية التي تضم قامات كبيرة في مجال الطب والأدوية، لأنه كان يعرف الكلفة السياسية وحتى البشرية للرهان على سياسة "مناعة القطيع" التي كانت تتوقع أن يصاب حوالي 60% من البريطانيين بالفيروس.

تلقى جونسون ومستشاروه العلميون صدمة قوية، عندما أعلنت جامعة "كينز كوليج" العريقة، أن تأخر الحكومة في إغلاق المدارس وعدم فرض الحجر الصحي سيؤدي لسيناريو شبيه بالسيناريو الإيطالي، وأظهرت دراسة الجامعة أن مناعة القطيع قد تؤدي لوفاة ربع مليون إنسان، في حين أن الحكومة لو اتخذت إجراءات أكثر صرامة، فالمتوقع أن يودي الفيروس بحياة عشرين ألفا خلال هذه السنة.

هذه الدراسة دفعت الحكومة لاتخاذ خطوة إغلاق المدارس وإن على مضض، لأنها كانت مضطرة لرفع حالة الطوارئ، وتغيير سياستها التي كانت قائمة على كسر المنحنى ودفعه ما أمكن وصولا لفصل الصيف، حيث الضغط أقل على المستشفيات البريطانية. لكن كورونا كان أسرع من الجميع، وتدريجيا بدأت بريطانيا تدخل قائمة الدول الأكثر تسجيلا لإصابات جديدة ووفيات.

هل تأخر وقت بريطانيا؟
كان جونسون مطمئنا للأرقام والمعطيات التي بين يديه والتي تقول إن بلاده توجد خلف الحالة الإيطالية بثلاثة أسابيع، مما يمنحه هامشا للحركة، لكن الضغط عليه لفرض إجراءات الحجر الصحي كان قويا حتى من داخل حكومته، بإعلان أكثر من وزير أنه قد يتمرد على جونسون إن لم يغير سياسته.

ولم يجد جونسون بدا من إعلان حالة الحجر الصحي في عموم البلاد، وإغلاق المزيد من المحلات غير الضرورية، مثل محلات بيع الأجهزة الإلكترونية ومواد التجميل، وإغلاق ساحات لعب الأطفال، خصوصا بعد تداول صور للحدائق البريطانية وهي تعج بالناس المحتفلين باعتدال الطقس في البلاد.

ورغم هذه الإجراءات، فإن كثيرين ما زالوا يؤكدون أنها غير كافية، خصوصا بالنسبة لمترو الأنفاق الذي ما زال يسجل في ساعات الذروة حالة من الازدحام لا تتلاءم مع الظروف الحالية، وتدريجيا تسير البلاد نحو المزيد من تقييد حركة الناس، لولا أن كثيرين يقولون إن الوقت قد تأخر.

وجهة نظر أخرى ترى أن الحكومة كانت تحاول الاستعداد الكامل لاستقبال آلاف الحالات وتجنب انهيار النظام الصحي مثلما حدث في إيطاليا، وهو بالفعل ما تحقق هذا الأسبوع بإعلان وزير الصحة عن عودة 12 ألف من الأطباء والممرضين المتقاعدين إلى العمل، وأيضا ضم 6 آلاف طالب طب وتمريض في السنة النهائية للعمل في مواجهة الفيروس، إضافة لبناء مستشفى مؤقت يضم أكثر من 4 آلاف سرير لاستقبال الحالات العاجلة.

وما زال رهان الحكومة هو الحصول على أجهزة التنفس التي وجهت الشركات الصناعية لتصنيعها، وأيضا أجهزة الكشف عن المرض التي تقول الحكومة إنها ستحصل على 3.5 ملايين جهاز منها.

والأكيد أن ارتفاع عدد الوفيات والإصابات سيزيد الضغط على جونسون، خصوصا أن كثيرين يتهمونه بأنه أضاع وقتا ثمينا عندما كانت الأعداد محدودة.

معضلة طبيعة ترامب
غَيّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مواقفه تجاه تطورات أزمة انتشار فيروس كورونا بطريقة دراماتيكية خلال الشهرين الماضيين، فمن الإنكار شبه الكامل في بداية مرحلة اتسمت بالتفاؤل الشديد، إلى التحذير من إمكانية استمرار غلق المؤسسات الأميركية حتى نهايات أغسطس/آب، وصولا لتغيير كامل في الموقف بإعلان رغبته في عودة الحياة لطبيعتها مع حلول أعياد الفصح في الأسبوع الثاني من أبريل/نيسان القادم.

وأمس الثلاثاء حذر الرئيس ترامب من أن الإغلاق العام في الولايات المتحدة للحد من انتشار كورونا الذي بدأ يتسبب في أزمة اقتصادية، يمكن أن "يدمر البلاد"، واعتبر أن انكماشا كبيرا يمكن أن يفوق في عدد ضحاياه فيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة.

وأردف خلال مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض "نفقد آلاف الأشخاص سنويا بسبب الإنفلونزا، ولا نغلق البلد. نخسر عددا أكبر من ذلك في حوادث سير، ولا نطالب شركات السيارات بوقف إنتاجها. علينا العودة إلى العمل".

لم يترك ترامب المجال للعلماء والخبراء المتخصصين في انتشار الأمراض والأوبئة، فتدخل برأيه الشخصي في التحدث عن سيناريوهات المستقبل كما يرغب ويحلم بها، وليس كما تحدث على أرض الواقع.

وظهر الرئيس ترامب كمن يسابق الأطباء لإعلان آخر التطورات حول الوصول لعلاج للفيروس، ولم يتردد في القول إن هناك إمكانية لعلاج كورونا بعقار "هيدروكسي كلوروكين" ممزوجا بعقار "أزيثرومايسن"، وهو ما لم يتفق عليه العلماء المختصون ولا الهيئة الفدرالية المعنية بتنظيم شؤون الدواء.

وبعيدا عن النتائج الكارثية لانتشار الوباء في أميركيا من النواحي الإنسانية والاجتماعية، يخشى ترامب من انعكاسات هذه الأزمة غير المسبوقة التي تواجهها بلاده وبقية العالم في الوقت ذاته، على حظوظ انتخاباته بعد ستة أشهر من الآن.

ولم يقبل ترامب سيل الانتقادات الموجه له، فامتدح الخطوات التي اتخذتها إدارته لمنع انتشار واسع للفيروس، خاصة ما يتعلق بإيقافه الطيران القادم من الصين في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي. ولا يتردد ترامب في وصف الفيروس بأنه "فيروس صيني"، في محاولة لإلقاء اللوم على الصين.

وبمنتصف فبراير/شباط الماضي، وجّه ترامب اللوم على وسائل الإعلام، متهما إياها بالمبالغة فيما يتعلق بفيروس كورونا وبإخافة الأميركيين، وقال "سي إن إن (CNN) وإم إس إن بي سي (MSNBC)  تفعل ما في وسعها لإظهار تأثيرات كورونا في أسوأ صورة".

وفي 13 مارس/آذار الجاري، أعلن ترامب حالة الطوارئ القومية، وتعهد "بالقضاء والانتصار على فيروس كورونا".

تأثير فدرالية النظام الأميركي
لم تستعد الولايات المتحدة مبكرا لاتخاذ إجراءات عاجلة لإبطاء انتشار الفيروس من ناحية، ومن ناحية أخرى لم يتم توفير أجهزة اختبار الإصابة بالفيروس وأجهزة التنفس الصناعي اللازمة في حالات الإصابة الحرجة.

وبعد الكشف عن أول حالة في الولايات المتحدة لمصاب بفيروس كورونا في 21 من الشهر الماضي، علق ترامب بالقول "كل الأمور تحت السيطرة، لدينا إصابة واحدة لشخص عائد من الصين، كل الأمور ستكون على ما يرام".

ويتهم الديمقراطيون الرئيس بالتخاذل والبطء في اتخاذ إجراءات جادة للاستعداد لانتشار الفيروس داخل الولايات المتحدة، إلا أن طبيعة النظام الأميركي لا تدفع لإلقاء اللوم على الرئيس فقط، فحكام الولايات هم من يتخذون قرارات غلق المدارس وحظر التجمعات وقرارات غلق مؤسسات الأعمال والشركات. 

وأثرت حالة الاستقطاب التي تعرفها الحياة السياسة في الولايات المتحدة على رد الفعل الشعبي لانتشار الفيروس. وطبقا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة يوجوف، يرى 71% من الجمهوريين أن هناك مبالغة كبيرة في عرض مخاطر فيروس كورونا.

ويمتدح الجمهوريون ما أقدم عليه ترامب من وقف الطيران من الصين وإليها، وإغلاق الحدود أمام دخول الأجانب. وطُلب من العائدين من الصين البقاء في منازلهم أسبوعين كاملين، حيت خضع العائدون من مقاطعة ووهان إلى حظر إلزامي في معسكرات أقامها الجيش الأميركي.

ويرى أنصار ترامب أن مواقفه في مواجهة كورونا أوقفت كارثة كانت ستشهدها أميركا لو لم يتم غلق السفر مع الصين وأوروبا، وغلق الحدود مع المكسيك وكندا. ويروجون أن هذه السياسات ستمنع كذلك أي انتشار للفيروسات في المستقبل.

من ناحيتهم، يخشى الديمقراطيون أن تسمح حزمة المحفزات المالية للاقتصاد التي تبلغ قيمتها ترليونين من الدولارات، بتدعيم حظوظ إعادة انتخاب دونالد ترامب حال لم يتم توجيهها لخدمة القاعدة العريضة ممن فقدوا وظائفهم.

وأعلنت حالة الطوارئ في ثلاث ولايات، ووُضعت قوات الحرس الوطني (قوات مسلحة من نفس الولاية) تحت سيطرة حكامها، وهي ولايات نيويورك -الأكثر تضررا من الوباء- وواشنطن وكاليفورنيا.

وبمنتصف يوم الثلاثاء 24 مارس/آذار الجاري، بلغ عدد المصابين أكثر من خمسين ألف أميركي، وتوفي 624 بالفيروس طبقا لبيانات جامعة جون هوبكينز، وهو ما يشير إلى تضاعف الأعداد كل ثلاثة أيام.

وعندما سئل ترامب عن التناقض الواضح بين استمرار ارتفاع عدد الوفيات وطلبه عودة فتح الأعمال، أجاب "يمكننا أن نفعل أمرين في وقت واحد".

المصدر : الجزيرة