حبل إنقاذ للساسة.. هل تطيح كورونا باحتجاجات العراقيين؟

معتصمون يلعب كرة القدم قرب المطعم التركي وسط التحرير
العشرات في ساحة التحرير في بغداد بعد أن كانت تغص بالآلاف (الجزيرة نت)
مصطفى المسعودي-بغداد
 
قرب نصب التحرير وسط بغداد، الذي بات أيقونة المظاهرات العراقية الأعنف بتاريخ البلاد، يقف الشاب محمد سليم، الذي يشارك في الاحتجاجات منذ انطلاقها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مرتديا كمامة طبية خوفا من إصابته بفيروس كورونا المستجد، الذي عطّل الحياة والمظاهرات في العاصمة الصاخبة، لكن بعض المحتجين ما زالوا معتصمين، مثيرين مخاوف عديدة.
 
لا تبدو الاحترازات التي يتبعها محمد ذو العشرين عاما ذات فاعلية مقارنة بخطر الفيروس الذي دخل مرحلة الجائحة العالمية، ويبدو مع معتصمين آخرين غير مهتمين بالتحذيرات الصحية بضرورة إنهاء التجمعات كافة لمنع تفشي الإصابة على نطاق أوسع.
 

انسحاب بضمانات

على الرغم من تراجع موجة الاحتجاجات بشكل ملحوظ مقابل زيادة شبه يومية في أعداد الإصابات، وبالتزامن مع تحذيرات انتقال كورونا بسهولة بين التجمعات، آثر بعض المحتجين البقاء في ساحات الاعتصام في بغداد وغيرها من مدن الوسط والجنوب العراقي، رغم الخطر المحدق، غير أنهم اشترطوا الحصول على "ضمانات" لانسحابهم الكامل.
 
يقول عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق علي البياتي إن المفوضية تواصلت مع بعض مجاميع المتظاهرين لحثهم على ضرورة ترك الساحات في هذا الوقت، لأن الوضع الصحي يتطلب إخلاء التجمعات كافة للحؤول دون تسجيل إصابات جديدة.
 
أضاف البياتي للجزيرة نت أن بعض المتظاهرين لديهم الرغبة في مغادرة ساحات الاعتصام، والمشاركة في حملات لرفع الوعي الصحي بشأن مخاطر كورونا، مشيرا إلى أنهم طلبوا الحصول على ضمانات بعدم الملاحقة إذا تركوا الساحات.
 
‪ناشط أثناء حملة للتنظيف عند نصب التحرير‬  (الجزيرة نت) 
‪ناشط أثناء حملة للتنظيف عند نصب التحرير‬  (الجزيرة نت) 

وفاء للمظاهرات

تسببت مخاوف تفشي كورونا في تراجع مظاهر الاحتجاج في وسط وجنوب البلاد، وعلقت ساحات الاعتصام في ذي قار والبصرة والنجف والديوانية وبابل فعالياتها المعتادة متمثلة في مسيرات أسبوعية بمشاركة الطلبة، لكن بعض المعتصمين ما زالوا يلازمون خيم الاعتصام.
 
يقول الناشط في مظاهرات كربلاء سامر سهيل إن بعض خيم الاعتصامات، وعلى الرغم من تراجع الحضور الطلابي، ما زالت قائمة، مبينا أن قسما من المعتصمين في ساحة التربية -مركز احتجاجات المحافظة- يلازمون الخيم ويتخذون عدة إجراءات احترازية لعدم الإصابة بكورونا.
 
‪مجموعة من الشباب متمسكون بالاعتصام بساحة التحرير رغما عن كورونا‬ (الجزيرة نت)
‪مجموعة من الشباب متمسكون بالاعتصام بساحة التحرير رغما عن كورونا‬ (الجزيرة نت)

وفرضت السلطات العراقية عدة إجراءات لمنع تفشي جائحة كورونا، وأثرت تلك الإجراءات -بينها حظر التجوال- على وصول الإمدادات إلى ساحات الاعتصام وعلى رأسها ساحة التحرير.

 
وبالعودة إلى محمد سليم، الطالب في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، قال إن بقاءه حتى الآن في ساحة التحرير يأتي لضعف الدعم الملحوظ بعد جائحة كورونا، مبينا أنه لا يزال يعد وجبات طعام يومية ويوزعها مع زملائه على بقية الموجودين الذين لم يعد يصلهم دعم كاف بعد حظر التجوال المفروض بسبب الفيروس.
 
لم ينف سليم استهانة الموجودين حتى الآن بخطورة الفيروس، لافتا إلى أن كبار النشطاء في الساحة لم يكن لهم موقف واضح بشأن تعليق الاعتصامات، خوفا من اتهامهم بخيانة المظاهرات، خاصة إذا رفعت الخيم بدعوى التعقيم.
 
‪نفق التحرير يكاد يخلو من المارة‬ (الجزيرة نت)
‪نفق التحرير يكاد يخلو من المارة‬ (الجزيرة نت)

الصحة العالمية

بلغ عدد الإصابات بفيروس كورونا في العراق -حتى لحظة كتابة التقرير- 316، مع شفاء 75 شخصا، في حين بلغ مجموع الوفيات 27 حالة، بحسب وزارة الصحة العراقية، التي تجدد دعوتها إلى الالتزام بحظر التجوال.
 
ونصح ممثل منظمة الصحة العالمية في العراق عدنان نوار المتظاهرين بالرجوع إلى منازلهم حتى انتهاء الوباء واستئناف المطالبة بحقوقهم.
 
معتصمون يرتدون كمامات طبية احترازا من فيروس كورونا (الجزيرة نت)
معتصمون يرتدون كمامات طبية احترازا من فيروس كورونا (الجزيرة نت)

 
بدوره يقول الباحث الاجتماعي حسين الطائي إن عودة المتظاهرين إلى منازلهم ستكون محزنة بجميع الحالات بعد ما قدموه، ولكن بالنظر إلى مخاطر فيروس كورونا الذي لا يمكن السيطرة عليه، فإن من المنطق أن يعود المعتصمون إلى المنازل حتى انجلاء الأزمة.
 
جاب آخر من نفق التحرير (الجزيرة نت)
جاب آخر من نفق التحرير (الجزيرة نت)

دفع الضرر
أضاف الطائي في حديث للجزيرة نت، أن الإصلاح عملية طويلة ولا تأتي أُكلها في أيام، كما أنها لا تُحسم في مواجهة واحدة، مشيرا إلى أن دفع ضرر الوباء أولى من منفعة الوقوف بوجه الفساد.

 
ومع تراجع حدة المظاهرات بشكل كبير بسبب مخاوف تفشي الوباء، يرى مراقبون عراقيون أن كورونا أضاف إلى الطبقة السياسية في العراق شيئا من الأمل رغم نتائجه السلبية المتوقعة على مختلف الأصعدة، حيث استغلت السلطات الأزمة الصحية في البلاد لتحقيق بعض أهدافها السياسية، وخير دليل على ذلك تراجع زخم الاحتجاجات الشعبية في العاصمة بغداد ومدن الجنوب بشكل لافت.
 
وفي حين أعلنت خلية الأزمة الحكومية منع التجمعات والاحتجاجات، وفرضت حظرا على التجوال في معظم المدن، يرى محللون أن الكتل السياسية استغلت أزمة كورونا وانشغال الشارع بها حيث أعلن رئيس الجمهورية برهم صالح تكليف عدنان الزرفي بتشكيل حكومة جديدة في البلاد.
المصدر : الجزيرة