فورين أفيرز: هكذا باتت تايوان نموذجا يحتذى به في الحرب على كورونا

قالت مجلة فورين أفيرز الأميركية إن النجاح المبدئي الذي أحرزته تايوان في تعاملها مع تفشي فيروس كورونا يصلح نموذجا على بقية دول العالم التأسي به.
 
وذكرت المجلة في مقال مشترك لاثنين من أبرز الخبراء في مجال الحاسوب، يارون لانيير وغلين ويل، وكلاهما يعمل لدى شركة مايكروسوفت، أنه في الوقت الذي لم يكن فيه رد فعل أكبر دولتين في العالم (الولايات المتحدة والصين) بالسرعة المطلوبة إزاء الوباء الذي اجتاح المعمورة، برزت تايوان كنموذج يحتذى به.
 
ويرى الكاتبان أن رد الصين على تفشي الفيروس اتسم في بادئ الأمر بالإنكار من منطلق سياسي قبل أن تتخذ حزمة من التدابير الصارمة التي أثبتت نجاعتها. أما الولايات المتحدة "فقد مارست هي الأخرى نكرانا سياسيا قبل أن تتبنى إجراءات التقليل من التجمعات، إلا أن نقص الاستثمار في مجال الصحة العامة جعلها غير مهيأة للتصدي لمثل هذا النوع من الحالات الطارئة".
 
ولعل تعامل الاتحاد الأوروبي الذي اتصف بالبيروقراطية ورهاب التكنولوجيا -حسب تعبير لانيير وويل- كان هو الأسوأ تماما مثل استجابة أجزاء أخرى من العالم كإيران.
 

بلاء حسن
وباعتقاد الخبيرين في مجال التكنولوجيا فإن من الأفيد التركيز على الدولة التي أبلت بلاء حسنا -وهي تايوان- بدلا من إيلاء الاهتمام الأكبر بالدول ذات الأداء الأسوأ حتى الآن.

 
ويلفت الكاتبان إلى أن حالات الإصابة بالوباء التي اكتشفت في تايوان تعادل خُمس الحالات المعروفة في الولايات المتحدة وأقل من عُشر تلك التي ظهرت في سنغافورة.
 
ولا تستحق قصة نجاح تايوان المبدئي التعميم لما انطوت عليه من دروس في احتواء الجائحة الراهنة، بل لما تضمنته من عِبر كثيرة بشأن اجتياز التحديات الملحة التي تكتنف التكنولوجيا والديمقراطية، كما يقول الخبيران الأميركيان.
 
واستمدت تايوان نجاحها من قدرتها على دمج التكنولوجيا مع النشاط الفعال والمشاركة المدنية. فرغم صغر حجمها فإنها استطاعت إقامة نظام ديمقراطي قائم على أحدث التقنيات مما ساعدها في السنوات الأخيرة على تطوير أكثر الثقافات السياسية حيوية في العالم.
 
ولقد أثبتت تايوان بتبنيها هذه الثقافة -التي يسميها مقال فورين أفيرز "ثقافة التكنولوجيا المدنية"- أنها الدولة صاحبة الاستجابة المناعية الأقوى لفيروس كورونا المستجد.

ثقافة مدنية

ويشير الكاتبان إلى أن قيمة الثقافة المدنية التايوانية المعتمدة على التكنولوجيا تجلت بوضوح خلال الأزمة الصحية الراهنة. 
 
تقرير حديث صادر عن كلية الطب بجامعة ستانفورد الأميركية أشار إلى 124 إجراء اتخذتها تايوان للتدخل في الأزمة بسرعة لافتة. وتضيف المجلة أن الحكومة التايوانية أطلقت واجهة بينية لبرمجة التطبيقات التي تزود الجمهور ببيانات فورية لتحديد مواقع توفر الأقنعة.
 

توفير منصة
ورغم أن تلك الواجهة الرقمية تلقت مئات الألوف من الاستفسارات منذ الساعات الأولى من تشغيلها، إلا أن الجهد الذي بُذل فيها لم يذهب سدى. فقد دفع ذلك الاهتمام الشعبي الواسع حكومة تايوان لتوفير الموارد الحاسوبية اللازمة حتى يتسنى لتلك الواجهة البينية الرقمية خدمة جميع سكان البلاد.

 
ثمة مثال آخر على الجهود التي تبذلها الحكومة التايوانية، ألا وهي توفير منصة تتيح للمواطنين العمل معا من أجل الحد من تعرضهم لعدوى فيروس كورونا.  
 
ويخلص الخبيران إلى أن تايوان تقدم بديلا عن السياسة القائمة على المراقبة من أعلى هرم السلطة إلى أسفل القاعدة كالتي تتبعها الدولة الصينية، وعن أسلوب شركات التكنولوجيا الغربية العملاقة الذي يعتمد على قوة الإعلان.
 
ويضيف أن تايوان سخرت التكنولوجيا أداة للإبداع الديمقراطي بدلا من التركيز على الحد من الأضرار "المخيفة" المترتبة على سياسة المراقبة مثلما فعلت أوروبا.
 
ويختتم الخبيران بالقول إن تايوان تمكنت بهذه الطريقة من استحداث نموذج ينطوي على بُشريات عظيمة ليس في الحرب الحالية على فيروس كورونا فحسب، بل كذلك على مستقبل التكنولوجيا البائسة المنذر بالخطر.
المصدر : الجزيرة + فورين أفيرز