في اليوم العالمي للمياه.. مصر بين التغيرات المناخية والعطش

الخرطوم رفضت المشاركة في اجتماع الإثنين بسبب عدم الرد على مقترح تقدمت به
سد النهضة يهدد حصة مصر المائية من نهر النيل (الجزيرة)

دعاء عبد اللطيف-القاهرة

بينما يواجه العالم تغيرات مناخية تهدد بندرة المياه خلال النصف الثاني من القرن الحالي، تقف مصر بين مطرقة تلك التغيرات وسندان سد النهضة الإثيوبي الذي يهدد مصدرها الرئيسي من المياه وهو نهر النيل.

تلك التغيرات المناخية استدعت أن يكون اليوم العالمي للمياه لهذا العام -الذي يُحتفل به في 22 مارس/آذار من كل سنة- تحت شعار "المياه وتغير المناخ" لتوجيه أنظار الدول ناحية الخطر الذي تقف على أعتابه.

وفي قلب الخطر تقف القاهرة حيث تواجه مخاطر نقص حصتها في المياه من نهر النيل جراء بناء أديس أبابا سد النهضة، وهو ما يعتبره مسؤولون حكوميون تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري.

وحسب دراسة نشرتها مجلة هيدرولوجي آند إيرث سيستم ساينس، حول ندرة المياه، فإن حوالي نصف سكان العالم سيعيشون وضعية توتر مائي خطير بين 2071 و2100 بسبب التغييرات التي أدخلها الإنسان على البيئة.

 

توزيع المياه
وبمناسبة اليوم العالمي للمياه أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الأحد، بيانا يتضمن مصادر مصر من المياه بتوزيعها النسبي ومنافذ استهلاكها.

وذكر البيان أن نهر النيل هو المورد الرئيسي للمياه في مصر، وتبلغ حصتها منه 55.5 مليار متر مكعب تمثل 69.2% من جملة الموارد المائية عام 2017-2018.

بينما تقدر مياه الأمطار والسيول والمياه الجوفية ومياه الصرف الزراعي والصحي التي تم تدويرها ومياه البحر المحلاة بنحو 24.75 مليار متر مكعب في العام نفسه.

وبلغت كمية المياه المستهلكة في الزراعة 61.65 مليار متر مكعب عام 2017/2018 مقابل 61.35 مليار في العام السابق بنسبة زيادة 0.5%، بينما بلغت كمية المياه المستهلكة للشرب 10.70 مليار متر مكعب عام 2017/2018 مقابل 10.75 مليار في العام السابق بنسبة انخفاض 0.5%.

ومن الإحصاءات الرسمية يبدو أن خطرا كبيرا يواجه مصر حال انخفاض حصتها من النيل لتصبح نحو 31 مليار متر كعب في السنة مع بداية تخزين إثيوبيا للمياه وراء سدها.

وتزيد التغيرات المناخية من خطورة الوضع المائي المصري، فبحسب الدكتور ماهر عزيز استشاري الطاقة والبيئة وتغير المناخ وعضو مجلس الطاقة العالمي، هناك مقدمات عديدة وأحداث متطرفة حدثت بالفعل تنبئ أن هناك تغيرات حقيقية في المناخ.

وأوضح في تصريح صحفي أن آخر تقرير تقييمي صادر عن الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ، سجل مصر كواحدة من أكثر الدول المعرضة للخطر بالعالم.

وأشار إلى 96 دراسة قدمت سيناريوهات لتأثر نهر النيل بفعل التغيرات المناخية، موضحا أن 90 سيناريو أعطت دلائل سلبية بأن هناك شحا لمياه نهر النيل قريبا بسبب التغيرات، مقابل 6 سيناريوهات فقط قالت إن كميات الأمطار ستزيد.

تنمية موارد المياه
على مدى نحو خمس سنوات دخلت مصر نفق المفاوضات المظلم مع إثيوبيا والسودان بغية إيجاد حل يرضي الأطراف الثلاثة بشأن سد النهضة، ثم لجأت مؤخرا إلى الولايات المتحدة الأميركية كمظلة للتفاوض وهو ما رفضته لاحقا أديس أبابا، لتعلن انسحابها في أواخر فبراير/شباط الماضي من اجتماعات واشنطن.

وأمام التصريحات التي يطلقها مسؤولون إثيوبيون رسميون حول عزم بلدهم استكمال بناء سد النهضة دون حق أي طرف في مراجعته، تحاول القاهرة السعي في أكثر من طريق.

فبينما يلوح مسؤولون مصريون باللجوء إلى مجلس الأمن، وتتحدث تقارير عن احتمالية الحرب، هناك طريق آخر يحاول تنمية الموارد المائية للدولة.

واستعرض البرلمان، خلال جلسات الأسبوع الماضي، توصيات قدمها للحكومة في مجال تنمية الموارد المائية، وتضمنت التوصيات تحقيق الاستفادة القصوى من مياه الأمطار والسيول وتعظيم الاستفادة من الخزان الجوفي السطحي والعميق واستخدام الطاقة الشمسية في تحلية مياه البحر، والتوسع في الاستخدام الآمن لمياه الصرف الزراعي بعد المعالجة في الأعمال الزراعية.

هناك أيضا الخطة القومية العشرينية للموارد المائية (2017-2037) التي تتطلب استثمارات بنحو 900 مليار جنيه خلال السنوات العشرين القادمة، بما في ذلك 200 مليار جنيه للصرف الصحي بالمناطق الريفية من أصل 600 مليار للبنية التحتية.

ودعا البرلمان إلى التوقف عن النظر إلى مياه الصرف الصحي على أنها نفايات والتعامل معها كمصدر لري المحاصيل إذا أديرت بشكل صحيح وآمن، إلى جانب حماية الموارد المائية من التلوث بإلزام المنشآت الصناعية والسياحية بمعالجة مخلفاتها.

وشملت التوصيات استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد في الزراعة لتحديد كميات المياه المناسبة دون إسراف، وتقنين تشريع موحد يضم كافة أساليب تنمية الموارد المائية، والمحافظة عليها من التلوث وأساليب المحافظة عليها من الهدر.

‪الزراعة في مصر هي المتضرر الأول من سد النهضة‬ (الجزيرة)
‪الزراعة في مصر هي المتضرر الأول من سد النهضة‬ (الجزيرة)

تهديد لمصر
من جهته، قال خبير هندسة السدود، الدكتور محمد حافظ، إن مصر بدأت بالفعل تستشعر التغيرات المناخية، فخلال مارس/آذار الجاري تعرضت لكميات ضخمة من الأمطار وهو أمر غير معتاد في هذا الوقت من السنة.

والأمر لا يتوقف فقط على ما حدث في الشهر الجاري بل تخطى إلى جميع فصول السنة، فبحسب حافظ ارتفعت حرارة الصيف بشكل لافت مقابل قصر فصلي الربيع والخريف، مضيفا أن مصر دخلت حيزا مناخيا جديدا بمتغيرات ومؤثرات يجب دراستها.

وأوضح للجزيرة نت أن تلك التغيرات المناخية ستنعكس على القطاع الزراعي بمزيد من الخسائر السنوية سواء بسبب موت الزراعات غرقا في الشتاء أو بسبب زيادة حرارة فصل الصيف.

ومن جانب تأثير التغيرات المناخية على تدفقات النيل بشكل عام والنيل الأزرق بشكل خاص، أوضح خبير هندسة السدود أن تدفقات النيل الأزرق تمثل قرابة 60% من إجمالي تدفقات النيل الموحد الذي يصب في بحيرة ناصر، محذرا من خطر تغيير دورة النيل المعروفة بدورة الـ 21 عاما.

ولذلك يصر المفاوض المصري مع إثيوبيا على تحديد كميات تدفقات النيل الأزرق في سنوات الجفاف والجفاف الممتد، وأوضح حافظ أن بناء سد النهضة بالشكل الذي ترغب أديس أبابا في تنفيذه بها سيحرم القاهرة من كامل تدفقات النيل الأزرق.

وأشار إلى إصرار إثيوبيا على ملء بحيرة خزان سد النهضة على مدار 4 سنوات بحيث تملأ مع فيضان هذا العام ما يقدر بـ 4.9 مليارات متر مكعب بمعني الملء حتى منسوب الـPenstock للتوربينات العلوية عند منسوب 560 بهدف دراسة الإجهادات والانفعالات لخرسانة الأساسات قبل البدء في التحميل لمنسوب 595، أي منسوب تشغيل جميع التوربينات بما فيها توربينات المستوى المنخفض.

ومع بداية أبريل/نيسان 2021 سيبدأ التخزين ومنع خروج أي ماء من السد لحين الوصول لمنسوب 595 ليبدأ توليد الكهرباء من أول توربينات بالمستوى المنخفض.

يلي ذلك ملء بحيرة التخزين بالاستيلاء على فيضان عام 2021 و2022 و2023 بالكامل وتخزين قرابة 30 مليار متر مكعب من المياه سنويا، مع صرف قرابة 18 مليار متر مكعب يتوقع أن يستهلكها السودان على مدار أيام السنة لتصبح النتيجة العملية هي عدم تبقي مياه تتجه إلى بحيرة ناصر أمام السد العالي في جنوب مصر.

وأشار خبير هندسة السدود إلى أنه في حال تعرضت إثيوبيا لأي تغيرات مناخية خلال فترة التخزين فمن المنتظر أن تمتد فترة التخزين لأكثر من 4 سنوات، وقد تستغرق قرابة 7 سنوات في حالة ما تشابه فيضان الأعوام القادمة بفيضان عام 2015 الذي كاد يعادل نصف التدفقات الطبيعية للنيل الأزرق.

المصدر : الجزيرة