بسبب كورونا.. سجناء مصر بين الخطر والمجهول

مخاوف من تفشي وباء كورونا داخل أماكن الاحتجاز بمصر- تصوير زميل مصور صحفي ومسموح باستخدام الصورة
دعوات حقوقية للإفراج عن السجناء لإنقاذ أرواحهم (الجزيرة)
 
دعاء عبد اللطيف-القاهرة
 
يبدو العالم في مواجهته لفيروس كورونا المستجد كمن أسقطته الظلمة في هوة سحيقة بينما الجميع ينتظر الشمس من أجل انكشاف الطريق، وفيما تتعلق الأنظار بطرق الوقاية وتنتظر الآذان سماع خبر النجاة، هناك من يتسرب إليهم الخطر داخل السجون المصرية دون التفات إلى مصائرهم.
 
في هذه السجون، يقبع آلاف المعتقلين السياسيين وأضعافهم ممن ينفذون أحكاما جنائية داخل سجون مصر في ظل أوضاع غير آدمية وإهمال طبي، وفق ما ذكرته عدة منظمات حقوقية محلية ودولية في توقيتات عديدة.
 
وأمام تكدس السجون بأكثر من طاقاتها الاستيعابية وما يحكيه معتقلون سابقون عن انعدام النظافة بها ومنع التريض، يكون الخوف حقيقيا من تفشي فيروس كورونا داخل الزنازين وهو ما دفع كثير من الساسة والنشطاء وأسر المعتقلين للمطالبة بالإفراج عن السجناء ولو بشكل مؤقت أو مشروط.
 
وكانت وزارة الداخلية قررت، في التاسع من شهر مارس/آذار الجاري، تعليق الزيارات بالسجون لمدة عشرة أيام كإجراء احترازي لمنع تفشي الفيروس الجديد، وأجلت وزارة العدل نظر الدعاوى القضائية في جميع المحاكم لمدة أسبوعين.
 
وضع خطير
لماذا الخوف من تفشي الوباء في السجون على وجه التحديد؟.. سؤال ربما يتبادر إلى ذهن المتابع لمطالب الإفراج عن المعتقلين مقابل توجس يحمله المؤيدون للسلطة حول استغلال الأزمة لإخراج معارضي النظام أو لإحداث بلبلة في وقت عصيب، على حد قولهم.
 
وعن مبررات الخوف من تفشي فيروس كورونا داخل السجون، يقول الصحفي المصري الذي سبق اعتقاله، أحمد جمال زيادة، إن السجناء يعانون في العموم من أمراض معدية كالجرب، في مقابل غياب الكفاءة داخل مصلحة السجون لمحاربة هذه الأمراض.
 
 

‪لائحة السجون تسمح بالإفراج عن السجناء في حالة الكوارث الطبيعية (الجزيرة)‬ لائحة السجون تسمح بالإفراج عن السجناء في حالة الكوارث الطبيعية (الجزيرة)
‪لائحة السجون تسمح بالإفراج عن السجناء في حالة الكوارث الطبيعية (الجزيرة)‬ لائحة السجون تسمح بالإفراج عن السجناء في حالة الكوارث الطبيعية (الجزيرة)
 
وفي منشور على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حكى زيادة آلية تعامل إدارة السجن مع الأمراض المعدية قائلا: "عن تجربة عشتها بنفسي، في مرة من المرات انتشر الجرب في السجن، وزارة الداخلية قررت تحارب الجرب بحلاقة شعر كل المساجين، بس (لكن) كلهم حلقوا بماكينة الحلاقة نفسها ودون تنظيف الماكينة بعد كل حلاقة".
 
وحذر زيادة من إصابة ولو مسجون واحد فقط بالكورونا فحينها سيكون السجن كله في خطر سواء المتهمين في قضايا سياسية أو جنائية، مضيفا أن الخطر لن يتوقف داخل السجون بل سيمتد إلى خارجها عبر الضباط والمجندين والعمال.
 
دعوات لإنقاذ السجناء
وقد اتفقت عدة منظمات حقوقية وتكتلات سياسية على مطلب الإفراج عن المعتقلين والسجناء من كبار السن ومن يعانون من أمراض مزمنة لمنع تفشي الوباء.
 
وفي بيان له، طالب تكتل "25-30" البرلماني بالإفراج عن المحبوسين احتياطيا الذين تجاوزوا 150 يوما في السجن، وكذلك المحبوسين على ذمة قضايا رأي، والحالات الحرجة من المرضى والمسنين.
 
كذلك دعا التكتل إلى الالتزام بتطبيق لائحة السجون ورفع درجة الطوارئ الطبية داخل أماكن الاحتجاز وتقديم الرعاية الصحية الواجبة لكافة المسجونين.
 
بدورها، طالبت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، باتخاذ الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار فيروس كورونا داخل السجون، والتوسع في الإفراج الشرطي لكل سجين أكمل نصف مدة العقوبة داخل الحبس، ما لم يثبت تورطه في ارتكاب أعمال عنف.
 
وعلى الخطى ذاتها، دعت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان النائب العام لإطلاق سراح سجناء الرأي المحبوسين احتياطيا الذين اعتبرتهم لم يرتكبوا جرما سوى التعبير عن رأيهم بشكل سلمي.
 
إلى ذلك، انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش قرار تعليق زيارات السجون من قبل العائلات والمحامين لمدة عشرة أيام، مطالبة بالإفراج عن آلاف السجناء الذين سجنوا لممارستهم حقوقهم بشكل سلمي.
 
ونقلت المنظمة عن تقرير أصدره المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) في مايو/أيار 2015، أن نسبة التكدس في غرف الاحتجاز بمراكز الشرطة تتجاوز 300%، وتصل في السجون إلى 160%.
 
أسرة علاء عبد الفتاح
لكن يبدو أن تلك الدعوات لم ترُق للجهات الرسمية، إذ التزمت الصمت حيال الرد عليها، بل إن قوات الشرطة ألقت القبض، أمس الأربعاء، على والدة المعتقل علاء عبدالفتاح، الناشطة ليلى سويف، وكذلك شقيقتها الروائية أهداف سويف، ومعهما الأستاذة بالجامعة الأميركية رباب المهدي، خلال تنظيمهن وقفة احتجاجية، أمام مبنى مجلس الوزراء، للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، وبعد ساعات من التحقيق معهن تم إطلاق سراحهن بكفالة.
 
من جهته، أبدى البرلماني السابق، الدكتور عز الدين الكومي، قلقه من تفشي فيروس كورونا في السجون المصرية والتي وصفها بالمكتظة وغير الإنسانية.
 
وأوضح للجزيرة نت أن لائحة تنظيم السجون تنص على أنه في حالة حدوث الزلازل أو الحرائق أو الفيضانات، فإنه تفتح أبواب السجون ويتم تفريغها، لأنه لا يجوز التمسك بتنفيذ أحكام السجن على المواطنين مع احتمالية إزهاق أرواحهم، بسبب الكوارث الطبيعية.
 
وبناء على نص اللائحة، يقول الكومي إن النظام مطالب بالإفراج عن السجناء سواء كانوا سياسيين أو جنائيين أو مخفيين قسريا لدى الجهات الأمنية، كما فعلت دولة إيران التي أفرجت عن حوالي 85 ألف سجين.
 
وأضاف أن بإمكان النظام الإفراج عن سجناء وتخفيف الإجراءات عن الذين لن يفرج عنهم كإدخال المنظفات والسماح بدخول الأدوية والتهوية والتريض.
 
وطرح البرلماني السابق تصورا لآلية إطلاق سراح السجناء، فاقترح أن يكون الإفراج مقابل كفالة أو تحديد الإقامة في البيوت أو وضع تدابير احترازية.
 
 

‪الأوضاع الصحية في السجون المصرية سيئة أصلا (الجزيرة)‬ الأوضاع الصحية في السجون المصرية سيئة أصلا (الجزيرة)
‪الأوضاع الصحية في السجون المصرية سيئة أصلا (الجزيرة)‬ الأوضاع الصحية في السجون المصرية سيئة أصلا (الجزيرة)
 
وفي السياق نفسه، أشار القيادي بحزب الحرية والعدالة، الدكتور أحمد رامي الحوفي، إلى آلاف السجناء المحبوسين احتياطيا دون مبرر، موضحا أن الحبس الاحتياطي يكون في حالة الخوف من هرب المتهم خارج البلاد أو منعا لتأثيره على الأدلة الموجهة ضده.
 
وأوضح أن الدعوات المطالبة بالإفراج عن السجناء تحمي في الوقت نفسه ملايين المصريين، محذرا من تحول السجون إلى بؤر لفيروس كورونا، ومضيفا أن "الفيروس لن يظل محتجزا داخل الزنازين بل سينتقل عبر الضباط والجنود إلى بقية الشعب".
 
ورغم المخاطر التي لا تخفى على أحد توقع الحوفي ألا يفرج النظام عن السجناء، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى وقوع الكارثة.
 
واختتم حديثه بالإشارة إلى مئات الأطباء المعتقلين، في وقت يواجه القطاع الطبي عجزا في كوادره، وقال "هؤلاء الأطباء لا يجب أن يكون مكانهم الآن السجون بل لا بد أن يكونوا في المستشفيات لإنقاذ حياة الناس". 
المصدر : الجزيرة