منخفض التنين يكشف البنية التحتية لمصر رغم إنفاق السيسي

آثار سقوط الأمطار على مناطق في القاهرة
مياه الأمطار غمرت شوارع القاهرة وتسببت في تعطيل حركة المرور (الجزيرة)
محمد عبد الله-القاهرة
 
جاء منخفض "التنين" الجوي المصحوب بأمطار غزيرة ورياح شديدة، ليعطل كل مناحي الحياة بمصر في الأيام الماضية، ويلقي الضوء مجددا على تدهور أوضاع البنية التحتية على مستوى البلاد، رغم إنفاق قرابة 4 تريليونات جنيه (250 مليار دولار تقريبا) على مشروعات البنية الأساسية خلال السنوات الخمس الماضية، وفق تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

تصريحات السيسي كانت قد جاء في معرض حديثه عن ضخامة المشروعات التي تم تنفيذها أثناء فترة حكمه، وذلك في كلمته أمام مؤتمر أفريقيا 2019 في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكن المثير أن الواقع يشير إلى أن الأزمة لم يتم حلها بل لعلها تفاقمت.
 

 

المثير أيضا أن تصريحات السيسي تتناقض مع تصريحات الحكومة المصرية التي دأبت على الشكوى من عدم توافر الإمكانات المالية اللازمة لإنشاء شبكات تصريف الأمطار في أنحاء الجمهورية من جهة، وإلقاء اللوم على البنية التحتية للمدن من جهة أخرى.
 
وعقب أزمة امتلاء شبكات الصرف وانهيار بعض مجاري السيول وغرق الكثير من الشوارع والميادين في مصر مطلع فصل الشتاء في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال المتحدث باسم مجلس الوزراء المستشار نادر سعد إن الحكومة "تحتاج ما بين 200 و300 مليار جنيه (12.8-19.2 مليار دولار) لإنشاء شبكات جديدة لتصريف مياه الأمطار.
 
وفي محاولة لامتصاص غضب الشارع المصري من انهيار البنية التحتية في مدنهم وقراهم، قال مصدر إعلامي للجزيرة نت إن جهات أمنية أوعزت للعديد من القنوات الفضائية بضرورة إرسال كاميرات لتغطية تساقط الأمطار في حي الأسمرات بمنطقة المقطم بالقاهرة، التي قامت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بتشييده بالتعاون مع بعض الشركات المدنية بتكلفة 10 مليارات جنيه (650 مليون دولار) على مساحة 200 فدان، وذلك لأنها لم تتأثر بأجواء الطقس السيئ.
  
لكن في المقابل، هناك الكثير من المشروعات السكنية الجديدة التي أشرفت عليها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وعانت من تصميمات سيئة للمرافق في وقت سابق من العام الماضي، كما في مشروع دار مصر للإسكان المتوسط والفاخر في عدة مدن جديدة من بينها 6 أكتوبر، والقاهرة الجديدة، ودمياط الجديدة.
 
ووصف رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي -في بيان- ما تعرضت له البلاد من أمطار ورياح "بالظروف الاستثنائية غير المسبوقة في تاريخ مصر، وذلك لحدوثها في جميع أنحاء الجمهورية وليست كالسابق في منطقة معينة"، مشيرا إلى أن "وزير الري أكد على أن مصر لم تشهد مثل تلك الظروف الجوية منذ ما يقرب من 35 أو 40 عاما".
 
وعاش المصريون أوضاعا في غاية السوء بعد أن قررت الحكومة قطع الكهرباء والمياه عن الكثير من المناطق والأحياء والمدن ساعات طويلة، بسبب عدم قدرة شبكات الصرف على استيعاب كميات المياه وغرق الكثير من المحولات الكهربائية، وضعفت شبكات الإنترنت والمحمول بشكل غير مسبوق.
 
وذلك إلى جانب إيقاف حركة القطارات ومترو الأنفاق، وإغلاق العديد من الطرق السريعة، مما أدى إلى وجود الكثير من العالقين في بلاد بعيدة عن بلادهم، إضافة إلى وفاة أكثر من عشرين شخصا وإصابة العشرات، بعضهم صعقا بالكهرباء، وفق بيان الحكومة المصرية.

قرية الديسمي في مركز الصف بمحافظة الجيزة تضررت كثيرا من سيول عاصفة التنين (الجزيرة)
قرية الديسمي في مركز الصف بمحافظة الجيزة تضررت كثيرا من سيول عاصفة التنين (الجزيرة)

خلل في أولويات الإنفاق

عضو لجنة النقل والمواصلات بالبرلمان المصري السابق المهندس محمد فرج، حمّل الحكومة المصرية المسؤولية عن تكرر الأزمات دون وضع حلول نهائية أو ناجعة لها، قائلا: "هناك خلل في أولويات الإنفاق من قبل حكومة السيسي، حيث لا تتفق مع أولويات الشعب المصري وحاجاته".
 
وفي حديثه للجزيرة نت، فند فرج قول السيسي "إننا نبني مصر الجديدة"، لكن ماذا عن مصر القديمة والاهتمام بها والتي تضم كل المصريين، أليس من الأولى إنفاق أموال المدن الجديدة والعاصمة الإدارية على تحديث شبكات الصرف الصحي، وقد لا تكلف عُشر تلك المبالغ الطائلة".
 
وانتقد بقوة تكرار الحوادث المؤسفة، قائلا: "حالات الصعق المتكررة بسبب الأسلاك غير المغطاة، وتغطيتها عمل سهل وميسر، ينم عن اهمال واستهتار الحكومة بحياة الأطفال والنساء والرجال على حد سواء، ولا تملك غير منح إجازة وحبس الناس في بيوتهم".

 

أين 250 مليار دولار؟
وفي معرض تعليقه، قال أستاذ التخطيط الإستراتيجي بأميركا صفي الدين حامد إن "أردنا توصيف ما جرى في يومي الجمعة والسبت الماضيين فلن نجد عنوانا أفضل من: شلل في مصر، أو: أين مليارات المصريين المصروفة على مشروعات البنية التحتية؟ فأين 250 مليار دولار قال السيسي إنه أنفقها على البنية التحتية في خمس سنوات فقط، في ظل الأوضاع المأساوية".
 
وتساءل في حديثه للجزيرة نت عن معنى انقطاع الكهرباء والمياه عن المدن والقرى بما فيها من مستشفيات وحضانات ومصانع، إضافة إلى تعطل وسائل المواصلات والقطاعات الحيوية ساعات طويلة، وارتباك مصر بأسرها دولة وشعبا نتيجة انهيار شبكات الطرق وتشققها، ثم تتذرع الحكومة بقلة الإمكانات.
 
ورهن حامد إصلاح أوضاع البنية التحتية بوجود مشاركة شعبية ومراقبة حقيقية، وتقديم أرقام وإحصاءات دقيقة، وليس إطلاق الأرقام على عواهنها وإعلانها جزافا، وتبيان مصارف هذه الأموال ووضع خطة لإعادة تأهيل أو إصلاح المرافق والخدمات، ووضع جدول زمني محدد لتنفيذها، وإلا فلن يكون الحال في المستقبل أفضل من الحاضر.
المصدر : الجزيرة