لقاء البرهان نتنياهو.. هل يعزز المخاوف من العسكر؟

الصادق المهدي في مؤتمر صحفي يوم الخميس ـ الجزيرة نت
المهدي رفض في مؤتمر صحفي اليوم أي اتجاه للتطبيع مع إسرائيل (الجزيرة نت)

أحمد فضل-الخرطوم 
 
 

تجاوزت حالة الشقاق حيال لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عنتيبي الأوغندية القوى السودانية إلى ائتلاف قوى الحرية والتغيير الحاكم نفسه، وإلى ما يشبه حالة الفرز بين العسكريين والمدنيين في الحكومة الانتقالية.

وعلى إثر ذلك نشطت -بحسب مصادر للجزيرة نت- وساطات لاحتواء حالة التصعيد بين المكونين المدني والعسكري، يقودها محمد حمدان حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة الذي لم يبد أي موقف حتى الآن.

وفي هذا الإطار اصطحب حميدتي، عضوي مجلس السيادة (المدنيين) صديق تاور وعائشة محمد أحمد إلي رئاسة مجلس الوزراء حيث التقوا رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في إطار التهدئة ووقف حرب البيانات التي استعرت بين مجلسي الوزراء والسيادة في غضون الساعات الماضية.

وبعد اجتماع قصير حسب مصادر مطلعة تحدثت إلى الجزيرة نت اصطحب ثلاثتهم حمدوك إلى القصر الرئاسي حيث انخرطوا في اجتماع مع رئيس المجلس السيادة عبدالفتاح البرهان لطي صفحة الخلاف.

وتتفق قوى الحرية والتغيير على أن البرهان تجاوز صلاحياته بالوثيقة الدستورية الموقعة بين المكونين المدني والعسكري، وارتكب خطأ بعدم مشاورتها.

ورأت أحزاب بالائتلاف الحاكم عبر بيانات أصدرتها في انفراد البرهان بهذه الخطوة "مؤشرا خطيرا يهدد الفترة الانتقالية برمتها بما يمهد لتغول العسكر على السلطة بغطاء دولي".

لكن بعضا من هذه الأحزاب تؤيد التطبيع من حيث المبدأ كالحزب الجمهوري المنضوي تحت الائتلاف الحاكم الذي قال في بيان الخميس "نعم للسلام والتطبيع مع إسرائيل على أن يأتي من باب المؤسسة وليس الفرد". 

وأشار إلى أن زعيم الجمهوريين محمود محمد طه دعا للصلح مع إسرائيل قبل أكثر من نصف قرن، لكن الحزب في ذات الوقت حذر من الهرولة تجاه إسرائيل بلا بصيرة. 

وبحسب قول النور حمد الباحث والأكاديمي والمعتنق للفكر الجمهوري للجزيرة نت، فإن ما حدث كان لا بد أن يحدث لأنه تأخر كثيرا، مهاجما المنتقدين للقاء باعتبارهم ينطلقون من خطاب عاطفي وأيديولوجي قديم.

"الأمة" ضد التطبيع
لكن حزب الأمة القومي أحد أكبر الأحزاب في تحالف الحرية والتغيير رفض -على لسان زعيمه الصادق المهدي- أي اتجاه للتطبيع مع إسرائيل لجهة أن التطبيع قضية خلافية لا يجوز طرحها في فترة انتقالية بمهام محددة.

وتابع "الرجوع للحق الفضيلة، وهذا ما ننشده من البرهان، إدخال الجيش في هذه المسألة غلط كبير".

وبحسب رئيس حزب الأمة في مؤتمر صحفي الخميس فإن "الوضع الانتقالي لا يسمح بالمبادرات الفردية ولقاء عنتيبي يعد إجرائيا غير صحيح، وسياسيا (هو) ضار كما أن نتائجه إشعال الفتنة في السودان".

وقال أيضا "من يريد التطبيع عليه أن يطرحه في برنامجه الانتخابي. نحن سنكون ضد التطبيع وننتظر النتيجة من الشعب السوداني في الانتخابات".

يُشار إلى أن وثائق إسرائيلية كشفت عن اتصالات وتعاون بين حزب الأمة وإسرائيل منذ خمسينيات القرن الماضي. 

‪البرهان خلال اجتماعه أمس مع قادة الجيش لإطلاعهم على نتائج زيارته لأوغندا حيث التقى نتنياهو‬ (الصحافة السودانية)
‪البرهان خلال اجتماعه أمس مع قادة الجيش لإطلاعهم على نتائج زيارته لأوغندا حيث التقى نتنياهو‬ (الصحافة السودانية)

خرق الوثيقة الدستورية
في المقابل، ركز التجمع الاتحادي أحد المكونات الرئيسة في تحالف قوى الحرية والتغيير على أن لقاء عنتيبي خرق للوثيقة الدستورية، دون أن يأتي على ذكر التطبيع بخير أو شر.

وقال التجمع الاتحادي في بيان إن الوثيقة الدستورية لا تمنح مجلس السيادة اتخاذ قرارات تتعلق بتحديد السياسة الخارجية للبلاد.

وأضاف أن الطريقة التي تم بها ترتيب اللقاء تعد مؤشرا خطيرا وجرس إنذار لانفراد مجلس السيادة باتخاذ قرارات لا تدخل ضمن اختصاصاته حيث "ثبت لدينا أن المكون المدني داخل مجلس السيادة لم يكن على علم باللقاء". 

وأكد أن السلطة التنفيذية وحدها المخولة برسم وتنفيذ سياسة السودان الخارجية. 

ورفضت قوى الحرية والتغيير مجتمعة في بيان ما شكله لقاء البرهان نتنياهو من تجاوز كبير للوثيقة الدستورية والمهام والسلطات المنصوصة بوضوح فيها على أن العلاقات الخارجية اختصاص السلطة التنفيذية. 

الجيش في المعادلة
وعزز لجوء البرهان للاحتماء بالجيش بعيد وصوله من عنتيبي مخاوف بعض قوى الثورة من ولوغ الجيش في الشؤون السياسية. 

وقال تجمع المهنيين -الذي ابتدر ونسق مواكب التنحي التي قادت نهاية المطاف لعزل الرئيس عمر البشير- إن تبني القوات المسلحة مخرجات لقاء عنتيبي يعد تجاوزا آخر أكثر خطورة وانحرافا مريعا عن مجرى الثورة وأهدافها. 

ونبه في بيان إلى أن تدخل الجيش يخل بقوميته وحياده ويخرج به عن مهامه للتدخل السافر وغير المقبول في الحياة السياسية والسلطات المدنية، مما يهدد الفترة الانتقالية والوثيقة الدستورية. 

وطلب تجمع المهنيين من البرهان الفصل بين مهامه وموقعه داخل مجلس السيادة من جانب، وموقعه داخل القيادة العامة للقوات المسلحة، والابتعاد عن استخدام الجيش كذراع سياسي. 

في ذات السياق، وصف الحزب الشيوعي تأييد الجيش لنتائج لقاء عنتيبي بأنه مؤشر خطير للغاية ومن شأنه إعادة البلاد لعهد الانقلابات العسكرية. 

وطبقا لعضو اللجنة المركزية للحزب صديق يوسف، فإن اللجنة دعت لاجتماع طارئ أجمع على رفض أي تقارب أحادي يقوم به العسكر وأي تطبيع مع إسرائيل.

موقف الأحزاب العروبية
وتبدو مواقف الأحزاب العروبية جلية تجاه رفض التطبيع مع إسرائيل مبدئيا، ويقول المتحدث باسم حزب البعث العربي الاشتراكي عادل خلف الله للجزيرة نت إن التطبيع فخ ينبغي التراجع عنه. 

ويؤكد أن الأنظمة الديكتاتورية بما فيها نظام البشير عجزت عن تجاوز لاءات الخرطوم الثلاثة في القمة العربية عام 1967 "لا صلح، لا تفاوض، لا سلام" مما يجعل لقاء عنتيبي انتكاسة للموقف التاريخي للسودان. 

وعقدت الأحزاب العروبية (البعث العربي الاشتراكي، البعث السوداني، الحزب الوحدوي الناصري) مؤتمرا صحفيا الخميس أكدت فيه رفضها للتطبيع، وأشارت إلى أنها تعتمد نفي رئيس الوزراء علمه بلقاء عنتيبي لحين ثبوت العكس. 

وكان حزب المؤتمر الوطني المنحل (حزب البشير) وحزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه الراحل د. حسن الترابي قد رفضا في بيانات سابقة لقاء عنتيبي أو أي مساع للتطبيع مع تل أبيب.

المصدر : الجزيرة