لقاء البرهان نتنياهو.. أي دلالات للبيانات الحكومية "المتضاربة"؟

اجتماع القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية
عبد الفتاح البرهان خلال لقائه مع قادة الجيش لإطلاعهم على نتائج زيارته لأوغندا (الصحافة السودانية)
 

مباشرة مضى الجيش السوداني إلى مساندة قائده الأعلى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعنتيبي الأوغندية، وعده في بيان من 19 كلمة محققا للمصلحة العليا للأمن الوطني. 

وربما يسند البرهان ظهره إلى الجيش-بحسب مراقبين- بعد موجة رفض واسعة للقوى السياسية والتيارات الدينية شملت الحاضنة السياسية لحكومة الثورة "ائتلاف قوى الحرية والتغيير الحاكم". 

وعقد البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة يوم الأربعاء لقاء بالقيادة العامة مع قادة الجيش استعرض نتائج زيارته لأوغندا ومخرجاتها "بما يحقق المصلحة العليا للبلاد وأمنها الوطني". 

وظهرت حالة من الارتباك والانقسام بعد لقاء البرهان ونتنياهو داخل الحكومة وقوى الحرية والتغيير، وبدا كأن البرهان اتخذ قرارا بالمضي نحو التطبيع مع تل أبيب منفردا، وهو ما ينفيه مصدر مطلع تحدث للجزيرة نت.

معلومات متفاوتة
وبحسب المصدر المطلع، فإن مستويات المعرفة بلقاء البرهان ونتنياهو تفاوتت داخل مكونات الحكومة "مجلس الوزراء ومجلس السيادة". 

ويوضح المصدر ذاته أن تنويرا في وقت سابق أطلع مجلسي الوزراء والسيادة أن ثمة خطوة ستتخذ لفك العزلة عن السودان ربما كانت بوابتها تفاهمات مع إسرائيل. 

ويضيف أن مستوى من المجلسين جرى إطلاعه لاحقا أن لقاء قريبا ستجري فصوله مع مسؤول إسرائيلي رفيع، من دون تحديد طبيعة المسؤول وزمان ومكان اللقاء. 

ويؤكد المصدر أن دائرة أكثر ضيقا -شملت رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك ومجلس الدفاع المشترك الذي يضم بعضا من الوزراء- كانت على علم بلقاء عنتيبي بشكل مسبق. 

وأكد البرهان الفرضية الأخيرة في مؤتمر صحفي عقده يوم الأربعاء بقوله إنه أخطر حمدوك بلقاء عنتيبي قبل يومين من موعده.

تجاوز دستوري
وعلى مستوى الائتلاف الحاكم "قوى الحرية والتغيير" فقد أبدت تفهما للخطوة بعد سلسلة اجتماعات مع مجلس الوزراء ومجلس السيادة أعقبت عودة البرهان من أوغندا أمس الثلاثاء، لكن هناك أربعة قادة في التحالف أبدوا بعض التحفظات. 

وطبقا للمصدر المطلع، فإن التحفظات تركزت في عدم المشاورة المسبقة، وتجاوز الوثيقة الدستورية الموقعة بين المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير باعتبار أن العلاقات الدولية من اختصاص الجهاز التنفيذي. 

وكان البرهان قد أبلغ الصحفيين أن قوى الحرية والتغيير ليس لديها اعتراض على الخطوة، ولكن اعتراضها كان على عدم التشاور معها قبل اللقاء. 

وقال المجلس المركزي لتحالف قوى الحرية والتغيير في بيان عقب سلسلة اجتماعات مع مجلس الوزراء ورئيس مجلس السيادة وأعضائه، إن التحالف لا علم له بهذا اللقاء، ووصف اللقاء بالأمر المخل الذي يلقي بظلال سالبة على الوضع السياسي بالبلاد. 

ولفت إلى أن الوثيقة الدستورية نصت على أن العلاقات الخارجية هي اختصاص السلطة التنفيذية، وعليه فإن تجاوزها مرفوض بكل حزم ووضوح.

مخاوف الحكومة
ويرى الباحث والأكاديمي النور حمد أن هناك جزءا من مجلسي السيادة والوزراء كان على علم بلقاء عنتيبي لأن البرهان لا يستطيع اتخاذ خطوة مماثلة بمفرده. 

ويستبعد حمد في حديث للجزيرة نت حدوث شرخ بين العسكر والمدنيين على خلفية التفاهمات التي جرت بين البرهان ونتنياهو. 

ويتفق مع هذه الرؤية أستاذ العلاقات الدولية راشد محمد علي الشيخ الذي يقول إن اللقاء من الصعب أن يجري بشكل منفرد من البرهان وإنه لا بد من تنسيق رفيع. 

واعتبر التصريحات التي أدلى بها وزير الإعلام المتحدث باسم الحكومة فيصل محمد صالح ووزيرة الخارجية أسماء محمد عبد الله كانت بسبب التخوف من ردة الفعل في الشارع، خاصة أن الحكومة في حالة لا تحتمل كثرة الانتقادات. 

لكن الشيخ يقول إن تعامل الحكومة مع الحدث كان يحتاج لجرأة أكثر وتحمل المواقف الصعبة، خاصة أنها حكومة ثورة وتغيير.

امتصاص الصدمة
وبحسب المصدر المطلع، فإن بيان البرهان الصادر الثلاثاء وتغريدة حمدوك على تويتر الأربعاء الغرض منهما امتصاص الصدمة التي خلفها اللقاء الذي يعد أول تواصل رسمي بين الخرطوم وتل أبيب. 

ويقول إن بيان البرهان صدر بعد اجتماع قوى الحرية والتغيير مع مجلسي السيادة والوزراء وحمل إقرار الرجل باللقاء وربطه بالأمن القومي ومصالح السودانيين العليا مع تثبيت موقف السودان المبدئي حيال القضية الفلسطينية. 

وغرد حمدوك مرحبا ببيان البرهان حول اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، مؤكدا الالتزام بالمضي قدما من أجل إنجاز مستحقات المرحلة الانتقالية المهمة وتجاوز التحديات الماثلة. 

وأضاف حمدوك "يجب على الهياكل الانتقالية ككل ضمان المساءلة والمسؤولية والشفافية في جميع القرارات المتخذة، وتبقى الوثيقة الدستورية هي الإطار القانوني في تحديد المسؤوليات، والعلاقات الخارجية من صميم مهام مجلس الوزراء وفقا لما تنص عليه الوثيقة الدستورية".

 

لماذا البرهان؟
ويرجح رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل المهدي أن يكون البرهان قبل التوجه إلى عنتيبي للقاء نتنياهو قد تحدث مع حمدوك. 

ويشير إلى أن الخيار كان البرهان، لأنه "يعتمر قبعات عدة" فهو رأس الدولة ورئيس مجلس الدفاع المشترك وقائد الجيش، بينما حمدوك لم تكن له الجرأة للاضطلاع بهذه المهمة لأنه كان سيواجه برفض قوى الحرية والتغيير. 

ويقول المهدي إن تحالف الحرية والتغيير أفقي بلا قيادة ويضم أحزابا عروبية ومن الصعب أن يتفق على خطوة مماثلة، لذا اختار الجانب الأميركي والإسرائيلي البرهان للقيام بالمهمة التي تحتاج إلى سرية. 

ويعتبر أن لقاء البرهان مع نتنياهو ودعوته لواشنطن هي بمثابة فتح خطوط مع العسكر ونفي لفرضية اهتمام الولايات المتحدة بالمدنيين في الحكومة الانتقالية على حساب العسكر.

المصدر : الجزيرة