التطبيع على الطريقة السودانية.. هل الوقت مناسب؟

Muslim men shout during protest against Israel's military operation in Gaza Strip after Jumma prayer, in Khartoum July 18, 2014. REUTERS/Stringer (Sudan - Tags: CIVIL UNREST POLITICS RELIGION SOCIETY)
الشارع السوداني ظل مساندا للقضية والحق الفلسطينيين في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية (رويترز ـ أرشيف)

مجدي مصطفى

قبل نحو خمسة أشهر استبعدت وزيرة الخارجية السودانية أسماء محمد عبد الله إقدام بلادها على التطبيع مع إسرائيل، وقالت ردا على سؤال بهذا الشأن "إن الوقت غير مناسب.. والسودان ليس بحاجة إلى مشاكل جديدة".

لم تصبر الوزيرة على هذا الرد كثيرا حيث عادت بعد ذلك لتستبدل "القطع" بتجنب مشاكل جديدة بـ "متغيرات السياسة" التي قالت إنه "لا ثابت فيها، وقد يقيم السودان علاقات مع إسرائيل".

وبعد يوم واحد من الدعوة التي وجهها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لرئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان لزيارة الولايات المتحدة، كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس الاثنين عن لقاء جمعه بالأخير في مدينة عنتيبي الأوغندية.

وبينما أقرت الخرطوم رسميا بزيارة اليوم الواحد التي قام بها البرهان إلى أوغندا الأحد، التزمت الحكومة السودانية الصمت تجاه إعلان نتنياهو عن اللقاء، وتجنبت نفي أو تأكيد اللقاء الذي كشف عنه مكتب نتنياهو معلنا أنه تم خلاله "الاتفاق على بدء التعاون المشترك الذي سيؤدي إلى تطبيع العلاقات بين البلدين". 

‪نتنياهو يشير إلى
‪نتنياهو يشير إلى "سعي البرهان لتحديث السودان"‬ (الجزيرة)

تزكية
نتنياهو الذي وصف الاجتماع بـ "التاريخي" حرص على التنويه الذي يبلغ الإشادة بـ السودان الجديد الذي رأي أنه "يسير في اتجاه إيجابي جديد". أما البرهان كما يراه نتنياهو "فيسعى إلى مساعدة السودان على الدخول في عملية حداثة، وإخراجها من العزلة ووضعها على خريطة العالم". 

هذه "الشهادة" يرى فيها نتنياهو  "تزكية" منه للبرهان لدى الإدارة الأميركية، ومن ثم قال إنه عبر عن رأيه هذا في محادثاته مع بومبيو، مما يشي بسبب صمت الحكومة السودانية عن الخطة الأميركية للسلام المعروفة إعلاميا بـ "صفقة القرن" مكتفيا بإرسال وزير الدولة للشؤون الخارجية عمر قمر الدين إسماعيل إلى الاجتماع الطارئ للجامعة وليست الوزيرة أسماء.

حديث التطبيع في السودان ليس جديدا، فهو يثار من حين إلى آخر، وفي طبيعته السابقة في حقبة الرئيس المعزول عمر البشير كان يواجه برفض رسمي، وكانت الخرطوم تربط تطبيع العلاقات مع إسرائيل بمبادرة السلام العربية التي اقترحتها السعودية عام 2002 وتدعو إلى حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة على حدود 1967 وعاصمتها القدس.

وبعيدا عن الموقف الرسمي، تنوعت أسباب رفض التطبيع لدى الأغلبية الغالبة من القوى السياسية السودانية بين أسباب شرعية تؤكد دوما أن إسرائيل دولة احتلال تعلن الحرب على المسلمين وتقتل الفلسطينيين وتشردهم، وأسباب قومية ترى في التطبيع خيانة للقضية الفلسطينية، كما تذكر بدور إسرائيل في انفصال الجنوب، لذلك بدت حجج السودانيين الراغبين في التطبيع وهم قلة واهنة. 

صمت الخرطوم الرسمي عن لقاء عنتيبي يغري أصواتا إسرائيلية بالحديث نيابة عن السودان زاعمة أن "الخرطوم أدركت أن طريقها إلى واشنطن يمر عبر تل أبيب" خاصة في ظل ما تراه إسرائيل من "اقتصاد سوداني مدمر، وقيادة جديدة لدولة تسعى لإحداث تغيير في علاقاتها مع الولايات المتحدة، لاسيما بالتزامن مع تباعدها عن إيران السنوات الأخيرة، وإسقاط رئيسها السابق عمر البشير". 

‪الرئيس التشادي إدريس ديبي يستقبل نتنياهو لدى زيارته تشاد في يناير/كانون الثاني 2019‬ (رويترز)
‪الرئيس التشادي إدريس ديبي يستقبل نتنياهو لدى زيارته تشاد في يناير/كانون الثاني 2019‬ (رويترز)

فتوحات ودلالات
نتنياهو يبدو متباهيا ويرى في نفسه "فارس فتوحات التطبيع" في أفريقيا حيث تقيم إسرائيل حاليا علاقات دبلوماسية مع 39 من 47 دولة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كما تسجل زياراته إلى تلك الدول رقما قياسيا.

وإذا ما صح حديث اللقاء السوداني فإنه سيضيف إلى فتوحاته التطبيعية هذه فتحا نوعيا جديدا له رمزية خاصة مع السودان الذي أعلن من العاصمة الخرطوم في القمة العربية التي عقدت هناك قبل 52 عاما "اللاءات الثلاث: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل يعود الحق لأصحابه".

الرمزية الأخرى أن السودان الذي كانت له علاقات مميزة مع إيران والمعروف بدعمه للمقاومة الفلسطينية، قد بات قاب قوسين أو أدنى من دخول نادي الدول الأفريقية والعربية المطبعة.

وقبل مغادرته إلى أوغندا أول أمس بدا نتنياهو واثقا من ذلك قائلا "آمل أنه نهاية اليوم سيكون لدينا أخبار سارة جدا لدولة إسرائيل التي تعود إلى أفريقيا بشكل كبير، وقد عادت أفريقيا بالفعل إلى إسرائيل".
 
أما اختيار المكان "مدينة عنتيبي" فلا يخلو من دلالة، فله شجن ورمزية خاصة لنتنياهو تحديدا حيث سبق وزار أوغندا في يوليو/تموز 2016 لإحياء ذكرى مرور أربعين عاما على عملية تحرير الرهائن الإسرائيليين من ركاب طائرة خطفها فلسطينيون في مطار عنتيبي وقتل فيها شقيقه يوناتان نتنياهو. 

الوقت مناسب لنتنياهو انتخابيا ولإسرائيل سياسيا لكنه ليس مناسبا للسودان بالضرورة، حتى لو بدا النظام الحالي بالخرطوم حريصا على التنصل من كافة المواقف والسياسات السابقة، لكن هذا الملف تحديدا لا يقبل المغايرة بأية دعاوى أو حجج، حتى لو قطعت دول مثل الإمارات والسعودية خطوات كبيرة في هذا الاتجاه، وحتى لو بدت معظم دول الجوار (مصر، إثيوبيا، إريتريا، تشاد، جنوب السودان) مطبعة مع تل أبيب ويرفع فيها العلم الإسرائيلي.  

المصدر : الجزيرة