ترامب حين يتكلم الهندية

U.S. President Donald Trump and India's Prime Minister Narendra Modi embrace during a joint news conference after bilateral talks at Hyderabad House in New Delhi, India, February 25, 2020. REUTERS/Adnan Abidi
مودي محتضنا ترامب في أكبر ملعب للكريكت في العالم (رويترز)

مجدي مصطفى

نقل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أساليب بوليود في صناعة الأفلام الهندية من عالم السينما إلى عالم السياسة، ليسجل بذلك استقبالا تاريخيا للرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته الهند التي استغرقت يومين وانتهت أمس الثلاثاء.
 
على طريقة إخراج أفلام بوليود، أعدّ مودي استقبالا غير مسبوق لضيفه الأميركي، حيث حرص على أن يفي بوعده الذي تعهد به قبل بدء الزيارة بأن يستقبل ترامب "استقبالا لا ينسى".

قبل 17 عاما كان مودي ممنوعا من دخول الولايات المتحدة نظرا للمذابح التي ارتكبت بحق المسلمين في بلده على أيدي المتطرفين الهندوس، والتي باركها مودي حين كان رئيسا لوزراء ولاية غوجارات.

واليوم يجد مودي تقربا وسعيا حثيثا من الولايات المتحدة بعد أن خصته بحفاوة تاريخية لم ينالها أحد من قبله حين زارها العام الماضي.. حيث عاين رئيس الوزراء الهندي مودي مكانته لدى إدارة ترامب الذي خلع عليه وصف "الزعيم الاستثنائي" و"القائد الناجح للغاية"، معززا بذلك جانبا من "الكيمياء اليمينية" التي تجمعهما.

مودي لم ينس المشهد التاريخي الذي عاشه في الولايات المتحدة حيث احتشد عشرات الآلاف من أبناء الجالية الهندية في ملعب رياضي في هيوستن بولاية تكساس قبل نحو ستة أشهر، في تجمع نادر للاحتفال به وللإعراب عن تأييدهم له، في مشهد لم يحظ به زعيم أجنبي زائر للولايات المتحدة بمن فيهم بابا الفاتيكان.

وحتى لا ينسى الضيف الأميركي الذي سبق أن عاش مع مودي لحظة الاحتفال في هيوستن، احتشد مئات الآلاف من المواطنين الهنود على جانبي الطريق الممتد من مطار حيدر آباد حاضرة إقليم غوجارات مسقط رأس مودي ومعقله الانتخابي، وصولا إلى ملعب للكريكت في المدينة حيث احتشد جمع آخر للاستماع إلى كلمتي مودي وترامب.

سور أقيم على عجل لحجب مناظر الفقر والبؤس والمرض والحرمان التي يعيشها المهمشون في الأحياء الفقيرة في أحمد آباد عن أعين الزائر، الذي لا يريد المضيف أن تقع عيني ضيفه عليها، أو تتسلل إلى أنفه روائح تزعجه أو تنغص عليه بهجته.


الهندوسية حاضرة

على جانبي الطريق أيضا قُدمت عروض ضمت مئات الموسيقيين والراقصين والراقصات الذين ارتدوا ملابس تقليدية ملونة وقدموا رقصات بألحان وأدوات فلكلورية، وهي مشاهد جعلت ترامب يقول متباهيا في وقت لاحق إن "سبعة ملايين نسمة كانوا في استقبالي من المطار حتى وصولي إلى هنا".

و"هنا" التي يقصدها ترامب كانت أكبر ملعب للكريكت في العالم أقيم في مدينة أحمد آباد والذي اختير خصيصا لإضافة المزيد من الحفاوة بالزائر الأميركي حيث احتشد 125 ألف مواطن هندي في الملعب هتفوا وهتف معهم مودي عدة مرات "ناماستي ترامب" أي "التحية لترامب" بلغة أهل كوجرات، وبعبارات ترحيبية أخرى باللغة المحلية بدت أقرب إلى المناسبات الانتخابية أغرت ترامب لاحقا بمحاولة ترديدها لكنه أخطأ في لفظ أحد أسماء الآلهة عند الهندوس.

ويخفف من وقع هذا الخطأ تغريدة ترامب التي كتبها باللغة الهندية وقال فيها "أميركا والهند ستقويان بلديهما وتعملان على إثراء شعبيهما، وستجعلان الحالمين الأكبر أكبر، ومستقبليهما أكثر إشراقا من أي وقت مضى. وهذه ليست سوى البداية"، في حين رحب مودي بزيارة ترامب لـ"أكبر ديمقراطية في العالم".

كانت الطقوس الهندوسية حاضرة أيضا في المشهد الذي لم يخل من رجال دين هندوس يؤدون طقوسهم حاملين صورا لترامب ومودي. وقال أحدهم "من خلال طقوس النار، ندعو الله أن يبارك أميركا والهند"، مضيفا أنه يريد أن يحارب ترامب ومودي "الإسلام المتطرف وانتشار الإرهاب".

وفي مدينة أغرا، استبقت قوات من الشرطة الهندية بالمقاليع الزيارة لمطاردة القردة في المناطق التي ستشملها جولة ترامب، وذلك لحماية الزائر الأميركي وزوجته وحاشيته خصوصا في تاج محل في المدينة حيث يعيش المئات من قردة المكاك في الضريح الذي يأتي في مقدمة المزارات السياحية والذي بناه الملك شاه جهان لزوجته ممتاز محل في القرن السابع عشر الميلادي.

‪مودي مع ترامب وزوجته في نيودلهي‬ (رويترز)
‪مودي مع ترامب وزوجته في نيودلهي‬ (رويترز)

الهاجس الصيني
وبعيدا عن العبارات الدبلوماسة والأجواء الاحتفالية، اختتمت الزيارة بتوقيع البلدين ثلاث مذكرات تفاهم لصفقة دفاع بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وقال مودي إن "الهند والولايات المتحدة عازمتان على القتال بشكل مشترك ضد أولئك الذين يدعمون الإرهاب".

وعلى منواله، قال ترامب "لقد وافقنا على التعاون في التعامل مع الإرهاب الإسلامي المتطرف وحماية مواطنينا. نحن مصممون على القضاء على العمليات الإرهابية على الأراضي الباكستانية".

ويبدو أن تلك المذكرات موجهة إلى الصين، حيث ترى واشنطن في نيودلهي حصنا آسيويا ضد الصين وقوةً مضادة لتنامي النفوذ السياسي والعسكري للصين في آسيا.

ولعل هذا ما يفسر تصدر العلاقات الدفاعية والإستراتيجية أجندة زيارة ترامب مقابل الجوانب التجارية، حيث شدد ترامب على أن "الولايات المتحدة يجب أن تكون الشريك الأساسي للهند في مجال الدفاع، وهذا ما تسعى إليه. يمكننا معا أن ندافع عن سيادتنا وأمننا ونحمي منطقة المحيط الهادي الهندي الحرة والمفتوحة من أجل أطفالنا وللأجيال القادمة".

‪جانب من الهنود الذين احتشدوا في هيوستن ترحيبا بمودي العام الماضي‬ (رويترز)
‪جانب من الهنود الذين احتشدوا في هيوستن ترحيبا بمودي العام الماضي‬ (رويترز)

تجاهل واهتمام
تجاهل ترامب الحديث عن قضية كشمير التي يعد حلها شرطا أساسيا في تلك المنطقة من جنوبي آسيا، كما تجاهل الحديث عن الممارسات والتشريعات التي تعد تمييزا ضد المسلمين مثل قانون الجنسية المثير للجدل. ويعود هذا التجاهل في أحد جوانبه إلى سعي ترامب للحصول على أصوات الجالية الهندية في الولايات المتحدة التي يبلغ عددها أربعة ملايين نسمة في انتخابات الرئاسة الأميركية التي ستجرى هذا العام.

وتعد مدينة هيوستون التي جرى فيها الاحتفال بمودي قبل ستة أشهر، معقلا للديمقراطيين وسط ولاية تكساس التي يهيمن عليها الجمهوريون وتعتبر المركز الاقتصادي للولاية وستكون حاسمة في مسعى ترامب لإعادة انتخابه في 2020.

وتظهر استطلاعات الرأي تأييدا فاترا من جانب الناخبين الأميركيين من أصل هندي الذين صوت نحو 75% منهم لمنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون في انتخابات 2016.

ويشير محللون إلى أن زيارة ترامب قد تعزز أيضا من شعبية مودي في الداخل في وقت تشهد فيه البلاد تباطؤا اقتصاديا واحتجاجات على مستوى البلاد ضد قانون المواطنة الجديد الذي يوفر التجنيس السريع لبعض الأقليات الدينية المولودة في الخارج من غير المسلمين.

ويتعارض القانون الجديد مع الدستور العلماني للهند، الذي يعامل الجميع بمساواة بغض النظر عن دياناتهم، كما أنه يمثل خطوة تجاه تهميش الأقلية المسلمة في الهند والتي تعد أكبر أقلية في العالم.

ويبدو أن "الكيمياء المشتركة" بين ترامب ومودي هي التي غيّبت القيم الديمقراطية عن تلك الملفات، فلم تسجل حضورا أو ذكرا بشأنها ولم يتم التطرق إليها بين الرئيس الأميركي الذي استهوته الهندوسية لغة ومراسم وحفاوةً، وبين رئيس الوزراء الهندي  المأزوم هو الآخر في ملفات أخرى يتصدرها الوضع الاقتصادي وتراجع معدلات النمو والتي لا يجدي معها الحديث الطائفي أو الممارسات الشعبوية.

المصدر : الجزيرة