مصر.. البرلمان يناقش قانونا يجبر المواطنين على التبرع "لشهداء" الجيش والشرطة

البرلمان يمدد حالة الطوارئ بمصر وبرلماني مصري يطالب بإصلاحات دستورية
البرلمان المصري يسعى لتمرير قانون يجبر المواطنين على التبرع لصندوق ضحايا الجيش والشرطة (الجزيرة)

محمد عبد الله-القاهرة

بات البرلمان المصري على بُعد خطوة من إقرار قانون مثير للجدل، إذ وافقت لجنة التضامن بمجلس النواب المصري على مشروع قانون مقدم من الحكومة لتعديل بعض أحكام قانون إنشاء صندوق تكريم شهداء وضحايا ومفقودي ومصابي العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم، الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 2018، بحيث يسمح للحكومة بخصم جزء من رواتب الموظفين الحكوميين لصالح الصندوق.
 
وكانت مصادر أمنية أصدرت تعليمات الأسبوع الماضي للمواقع والصحف الإخبارية والقنوات الفضائية بتجاهل الخبر، وعدم التوسع في تناوله أو التعاطي معه في أضيق الحدود.
 
وقال مصدر إعلامي وصحفي للجزيرة نت إن تعديل المادة قد يثير غضب كثيرا من المواطنين بسب استقطاع جزء من مرتباتهم شهريا، مضيفا أن بعض المواقع حذفت أخبارا متعلقة بمناقشة تعديل المادة أو إقرارها.
 
وتنص المادة (8) على خصم نسبة شهرية -خمسة في العشرة آلاف (جنيه من كل ألفي جنيه)- من راتب العاملين بالجهات العامة والخاصة، فيما عدا العمالة غير المنتظمة أو باليومية، وتقوم الجهة المختصة باستقطاع هذه النسبة من الراتب، على أن تتولى وزارة المالية تحصيلها وتوريدها لحساب الصندوق.

كما تضمنت المادة أن يقوم كل طالب في مراحل التعليم قبل الجامعي بأداء مساهمة تضامنية مقدارها خمسة جنيهات، وتكون قيمة هذه المساهمة بالنسبة للطلاب في التعليم الجامعي وما بعده بواقع عشرة جنيهات عن كل طالب. 

وشهدت رواتب الجيش والشرطة عدة زيادات منذ 2013، أثارت حفيظة المصريين، ورغم ذلك تعهد رئيس البرلمان علي عبد العال بزيادتها مجددا، مشيرا -خلال تصريحات برلمانية- إلى أن "معاشات الشرطة في حاجة إلى إصلاح حقيقي".
 
وتضامن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مطالب زيادة مرتبات الجيش والشرطة، وقال خلال حضوره الندوة التثقيفية الثلاثين "المبالغ والمرتبات اللي (التي) بياخدها الضباط بالجيش والشرطة متواضعة جدًا لو قلتلكم الأرقام هتستغربوا، وطول عمر الجيش والشرطة كده".

‪رواتب الجيش والشرطة‬ شهدت (رويترز)
‪رواتب الجيش والشرطة‬ شهدت (رويترز)

أهم قانون
ووفقا للحكومة، يهدف مشروع القانون إلى تعزيز موارد صندوق تكريم شهداء وضحايا ومفقودي ومصابي العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم، من خلال المشاركة الاجتماعية، وزيادة الوعي لدى العاملين بالدولة وغيرهم بدورهم في تحقيق التضامن والتكافل الاجتماعي الذي نص عليه الدستور.

ووفقا لرئيس لجنة التضامن بمجلس النواب عبد الهادي القصبي، فإن قانون "دعم أسر الشهداء" من أهم القوانين التي خرجت من البرلمان، خاصة أنه قدم امتيازات واسعة لأسر الشهداء والمصابين.

وخلال لقائه وفد شباب "مبادرة رؤية مصر 2030 لمكافحة الإرهاب والتنمية المستدامة"، قال القصبي إن التشريع يقدم امتيازات واسعة لأسر الشهداء، سواء على مستوى المنح التعليمية، أو فرص عمل، أو حتى وحدات سكنية وامتيازات وتخفيضات في الأندية الاجتماعية، ووسائل المواصلات، كاعتراف بسيط بما فعلوه لهذا البلد.

وتابع "اللجنة كانت حريصة أثناء مناقشة قانون دعم أسر الشهداء على أن تكون الامتيازات المقدمة هي نفسها التي كانت موجودة في الماضي، فعلى سبيل المثال نصت اللجنة في التشريع على أن يتمتع أبناء الشهيد بالمستوى التعليمي نفسه الذي كان موجودا من قبل".
 
سياسة الدولة
وتوقعت مصادر برلمانية في تصريحات خاصة للجزيرة نت أن يقر مجلس النواب التعديل؛ بهدف دعم الصندوق؛ تعبيرا عن تضامن المصريين مع أهالي ضحايا الجيش والشرطة.
 
وفي مارس/آذار 2018، وافق مجلس النواب المصري على مشروع قانون بإصدار قانون إنشاء صندوق تكريم شهداء وضحايا ومفقودي ومصابي العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم؛ بهدف دعمهم ورعايتهم في كل النواحي الاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها، وصرف التعويضات المستحقة لهم وفقا لأحكام القانون.
 
ومنذ بدء العمل بالدستور المصري، بلغ عدد ضحايا القوات المسلحة 986، وعدد المصابين 847 مصابًا، أما الداخلية فبلغ عدد ضحاياها 1123، وبلغ عدد المصابين 872 مصابًا، بإجمالي 2109 قتلى و1719 مصابا، وفق القصبي.
 
الخبير القانوني والدستوري محمد علي المصري علّق على تعديل المادة (8)، قائلا "من العبث النظر إلى هذا التعديل نظرة قانونية؛ لأنه يتوافق مع سياسة عامة لا تُلقي بالا لقواعد القانون أو الدستور، ولا أدل على ذلك من أن اللجنة نفسها (لجنة التضامن) فشلت منذ عدة أيام في تمرير قانون صندوق ذوي الإعاقة بسبب الاعتراض على فرض رسم خمسة جنيهات على الحفلات والمباريات ورخص السلاح لصالح ذوي الإعاقة، وإعفاء أموال الصندوق من الضرائب".
 
وأضاف -في تصريح للجزيرة نت- أما من الناحية الدستورية، ورغم ما سبق، فإن التضامن الاجتماعي الذي تنص عليه جميع دساتير العالم، ويعتبر أصلا من أصول موادها؛ يقابله دائما مبدأ العدالة والتكافؤ الذي يعد أيضا أصلا من أصول موادها، فليس من (العدالة) مطالبة جميع الفئات بأن (تتضامن) مع فئة غير محتاجة، في الوقت الذي لا تجد فيه هذه الفئات نفسها الدعم.
 
ومضى قائلا "إذا كان التضامن موجَّهًا لفئة دون أخرى كشف ذلك عن أنه لا تضامن في هذه التشريعات، وإنما هي تتقنع بالتضامن وتجمّل بها وجهها القبيح الذي يحمل بصمات الخلل الاجتماعي وعدم التكافؤ، وهنا نتساءل: أليس ساكنو العشوائيات والمعوقون وغيرهم أولى بالتضامن؟ ألا يتم خصم نسب من رواتب الجيش والشرطة لصالحهم؟!"

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تضامن مع مطالب زيادة مرتبات الجيش والشرطة (الجزيرة)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تضامن مع مطالب زيادة مرتبات الجيش والشرطة (الجزيرة)

جباية جديدة
ووصف النائب المصري السابق أسامة سليمان تعديلات المادة "بالجباية"، قائلا "ما يجري هو استمرار نزيف جيوب المصريين عبر جبايات متنوعة ومتجددة في عهد نظام السيسي، والإصرار على إفقار جموع المصريين لحساب الطبقة الحاكمة".
 
واعتبر في تصريحات للجزيرة نت أن هذه الزيادات المتتالية في مرتبات ومعاشات العسكريين والشرطيين والقضاة تضر الأمن القومي المصري؛ لأنها تزيد الهوة السلبية بين طبقات المجتمع.
 
ولم يستبعد سليمان سن مثل تلك التشريعات لشراء ولاءات المنتسبين للقوات المسلحة والداخلية بكل الطرق، حتى لو على حساب جيوب المواطنين البسطاء الذين يتقاضون رواتب زهيدة، تتفنن السلطة في الاستقطاع منها.

المصدر : الجزيرة