وسط تجاهل الإعلام لذكرى يومه السنوي.. أين أصبح الطالب المصري؟

BLOGS جامعة القاهرة
الجامعات المصرية شهدت انتكاسة كبيرة في العمل الطلابي بعد الانقلاب العسكري صيف 2013 (مواقع التواصل)

عبد الرحمن محمد-الجزيرة نت

بتجاهل تام تعامل الإعلام المصري مع ذكرى يوم الطالب، وهو ما فسره البعض بمحاولة الهروب من تردي الأوضاع التعليمية خلال الأعوام الأخيرة، والتي شهدت تدهورا وتراجعا في ترتيب مصر عالميا من حيث جودة التعليم.

ولم يشذ عن ذلك التجاهل سوى مقالات كتاب عملوا على استحضار شماعة "الإخوان" في هذا السياق، واستغلال المناسبة في الهجوم عليهم واتهام الجماعة بالوقوف أمام حراك الطلبة آنذاك، وشق الصف الوطني في مواجهة حكومة صدقي باشا.

وتعود ذكرى يوم الطالب إلى التاسع من فبراير/شباط 1946 عندما خرجت مظاهرات حاشدة لطلاب جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا) متوجهين إلى قصر عابدين للمطالبة بجلاء القوات البريطانية والاستقلال عن بريطانيا.

وقابلت قوات الأمن المصرية والقوات البريطانية المظاهرات بإطلاق النار، مما أدى إلى سقوط مشاركين من أعلى كوبري عباس في النيل، ليقتل ويصاب أكثر من 200 شخص.

وعقب تلك الحادثة التي عرفت بـ"مذبحة كوبري عباس"، أعلن الطلاب مشاركة العمال في الإضراب العام يوم 21 فبراير/شباط من العام ذاته، واستمر نضالهم إلى حين الاستقلال، ليتم إحياء هذا اليوم بعدها في كل عام كذكرى يوم الطالب المصري.

مشاركات دولية
وشهدت أعوام ماضية مشاركة حركات طلابية دولية مع طلاب مصر في إحياء هذه الذكرى، إلا أن غيابها على المستوى المحلي أدى بطبيعة الحال إلى غيابها بشكل كامل على مستوى المشاركة العالمية.

ومع قيام ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، تجددت الحياة في العمل الطلابي، وبرزت الحركات الطالبية المختلفة، التي جاء بعضها امتدادا لكيانات سياسية موجودة، وبعضها الآخر وجد ضالته في مساحة الحرية والعمل التي تشكلت كأحد مكاسب الثورة.

وبعد الانقلاب العسكري في صيف 2013 شهدت الحياة الطلابية انتكاسة كبيرة، حيث اختفت أغلب الحركات الطلابية، ولم يبق سوى حركة "طلاب من أجل مصر" التي تحظى بالرعاية الحكومية، إلى جانب حركات مستقلة تمارس أنشطة يغلب عليها طابع الترفيه.

ولا تنحصر أزمة الطالب المصري في ذكرى يومه العالمي الـ74، في انغلاق الأفق السياسي، حيث لم يعد متاحا للطالب أي نشاط سياسي داخل جامعته ولا خارجها، بل تجاوز ذلك إلى مشكلات على مختلف المستويات، في مقدمتها أزمة التعليم ذاته. 

‪العمل الطلابي في مصر تراجع بانكماش العمل السياسي إثر الانقلاب العسكري في صيف 2013‬ (الجزيرة)
‪العمل الطلابي في مصر تراجع بانكماش العمل السياسي إثر الانقلاب العسكري في صيف 2013‬ (الجزيرة)

أولويات وضروريات
يقول كريم الراضي، طالب كلية التربية في جامعة القاهرة، إنه وأغلب أقرانه باتوا يعتبرون مطالب مثل إتاحة مناخ لعمل طلابي حر نوعا من الترف لا أولوية له، في ظل افتقادهم ضروريات هم أحوج إليها، في مقدمتها مناهج دراسية يحتاجها سوق العمل، وأساتذة مؤهلون لإكسابهم الخبرات اللازمة.

ولفت الراضي في حديثه للجزيرة نت، إلى أن التدهور الكبير في مستوى العملية التعليمية بكل تفاصيلها أدى إلى تدهور في واقع الطالب على مستويات أخرى، حيث باتت مساحات الاهتمام مختلفة عما كانت عليه الحال في مراحل سابقة، وباتت متركزة في مساحات الترفيه وما يتعلق بها.

وأشار إلى حفلات الترفيه التي تنظمها إدارات الكليات والجامعة، والأنشطة التي تركز عليها اتحادات الطلبة والبعيدة عما يفيد الطالب، فضلا عن التدهور الأخلاقي الذي يعكسه حجم العلاقات غير المشروعة بين الجنسين، التي تتزايد نسبتها بشكل مضطرد.

في حين يرى خالد أحمد، طالب الهندسة بجامعة الأزهر، أن التدهور العام في الأحوال المعيشية والاقتصادية بمصر يجعل واقع الطالب المصري أكثر سوءا، ومن ثم يكون أكبر همه منصبا على معالجة تلك المشكلات وتجاوزها بالشكل الذي يعينه على الاستمرار في العملية التعليمية.

ويشير أحمد في حديثه للجزيرة نت إلى أن متطلبات الكلية المختلفة من أدوات ومراجع وكتب خارجية، ودروس خصوصية في بعض الأحيان، تثقل كاهل الطالب بشكل يذهله عن أي متطلبات أخرى، لافتا إلى أن ذلك لم يكن هي الحال في السابق كما يؤكد له أساتذته في الكلية.

‪السياسة أصبحت نوعا من الترف لطلاب مصر وسط غياب أساسيات التعليم في كل المراحل الدراسية‬ (الجزيرة)
‪السياسة أصبحت نوعا من الترف لطلاب مصر وسط غياب أساسيات التعليم في كل المراحل الدراسية‬ (الجزيرة)

غياب الأمل
رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" مصطفى خضري أرجع تجاهل الإعلام لذكرى يوم الطالب المصري إلى أن سياقه التاريخي كان ثوريا ضد المحتل الغربي، والفاعل الرئيسي فيه كان الطالب، لذلك فإن الاهتمام به سيذكر هذه الفئة بدورها الوطني في التغيير.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى خضري أن الطالب المصري بات يعاني من مشكلات مرتبطة بالواقع السياسي، مثل التدهور الاقتصادي الذي يمثل أكبر أسباب التسرب من التعليم، والانهيار الاجتماعي الذي تسببت فيه القبضة الأمنية، والانهيار الخلقي والثقافي نتيجة تبني النظام لفئات من مدعي الثقافة والفن على حساب مثقفين وفنانين حقيقيين.

لكنه يرى أن أكبر الكوارث التي يعاني منها الطالب هي غياب الأمل في المستقبل، حين يرى الدولة تتبنى منحرفين وهابطين صاروا معبرين عن المرحلة، مشددا على أن الفارق الأبرز يتعلق بالوضع السياسي، الذي أتاح في السابق مساحة وطنية تتحرك فيها الأحزاب والقوى السياسية ومن ورائهم الطلبة.

والعام الماضي أعلن النائب بالبرلمان المصري محمد فرج عامر تقديم طلب إحاطة لوزير التعليم بشأن تراجع ترتيب مصر عالميا في مجال جودة التعليم.

وقال عامر في تصريحات صحفية إنه على الرغم مما يتداول يوميا في وزارة التربية والتعليم بشأن تطوير المنظومة التعليمية في مصر، فإن ترتيبنا تراجع إلى المركز قبل الأخير، مما يعني أن هناك تضاربا بين التصنيف العالمي وما يثار بهذا الشأن فيما يتعلق بتطوير المنظومة.

وكشف مؤشر دافوس العالمي لجودة التعليم احتلال مصر المركز قبل الأخير عالميا، حيث وقعت مصر بالمركز الـ139 من بين 140 دولة شملها التصنيف الدولي.

ويعتمد المؤشر في تصنيفه على وضع التعليم العالي والتدريب بالدولة محل الدراسة، من حيث كم التعليم المرتبط بمعدلات الالتحاق بالتعليم العالي والثانوي، وجودة التعليم المرتبط بجودة نظام التعليم، وتحديدا في الرياضيات والعلوم، وجودة إدارة المدارس والمؤسسات التعليمية وإتاحة الإنترنت بها.

المصدر : الجزيرة