100 مليون مواطن نعمة أم نقمة.. جدل الانفجار السكاني يتجدد بمصر منذ الستينيات

Cars are stuck in a traffic jam in downtown Cairo September 4, 2013. Egypt's population has reached 85 million with the Cairo governorate coming in with the highest number at 8.9 million people, according to the Central Agency for Public Mobilization and Statistics (CAPMAS). REUTERS/Amr Abdallah Dalsh (EGYPT - Tags: SOCIETY TRANSPORT)
الحكومات المصرية المتعاقبة تحاول السيطرة على الزيادة السكانية وسط جدل متجدد حول اعتبار تلك الزيادة نعمة أم نقمة (رويترز)

محمد عبدالله-القاهرة

بعد أن وصل عدد سكانها إلى مئة مليون نسمة، أعلنت الحكومة المصرية حالة الاستنفار لمواجهة ما وصفته بـ "خطر الانفجار السكاني"، ودعت لتضافر جهود جميع الوزارات المعنية، لمواجهة الأزمة التي يعتبرها الرئيس عبد الفتاح السيسي تهديدا للأمن القومي ولا تقل خطورة عن الإرهاب، على حد قوله.

ومن المتوقع أن يصل عدد المصريين إلى 192 مليون نسمة بحلول عام 2052، بحسب وزيرة التخطيط هالة السعيد، بسبب ارتفاع معدلات الإنجاب البالغة 3.4 مواليد لكل سيدة. 

ورغم تبني الحكومات المصرية المتعاقبة برامج "تنظيم الأسرة" منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، ورصد برامج صحية وإعلامية وفنية ودينية بالتعاون مع مؤسسات وهيئات دولية، فإنها عجزت جميعا عن السيطرة على زمام الزيادة السكانية، إلا في بعض الفترات القصيرة.

وبينما تطلق الحكومة أجراس الإنذار، وتعلن حالة التأهب القصوى لمواجهة ما أسمته الانفجار السكاني، فإن خبراء ومختصين يتحدثون عن أهمية القوة البشرية الكبيرة ودورها في تقدم الدول، كما هي الحال لدى دول عديدة في مقدمتها الصين باعتبار السكان هم الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية.

جدل متجدد في مصر حول الزيادة السكانية بين من يعتبرها نعمة ومن يراها نقمة (رويترز)
جدل متجدد في مصر حول الزيادة السكانية بين من يعتبرها نعمة ومن يراها نقمة (رويترز)
إجراءات رادعة
وتعكف الحكومة على إعداد "المشروع القومي لتنظيم الأسرة" يستهدف 72 مركزا (المركز يضم غالبا مدينة كبرى وعشرات البلدات والقرى) من خلال مراكز تنظيم الأسرة والقوافل الثابتة والمتحركة، حيث كشفت المؤشرات أن كل دقيقة تزيد مصر بمعدل 3.3 أشخاص، وهو ما ينتج عنه زيادة بأكثر من 1.7 مليون فرد في السنة.
 
وبهدف زجر المواطنين عن إنجاب أكثر من "اثنين"، قال رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي في تصريحات سابقة، إن الدولة تتخذ إجراءات حالياً خاصة بالدعم لقصره على طفلين فقط لكل أسرة، سواء فيما يتعلق بالسلع التموينية المدعمة أو مشروع "تكافل وكرامة"، لدعم الفئات الأكثر فقرا.
 
ودعت أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس سامية خضر، إلى ضرورة إيجاد حلول جذرية للأزمة، وحملت الحكومات المتعاقبة مسؤولية ترك "الأمور على عواهنها"، مؤكدة للجزيرة نت أن "المشكلة السكانية في منتهى الخطورة، لأنه مهما حققت من التنمية ستلتهمها الزيادة السكانية".
 
وفي حديثها للجزيرة نت، قالت سامية إنه "لا يوجد أحد في العالم العربي لم يشاهد أفلام أفواه وأرانب وأم العروسة، حيث كانت هناك شحنة قوية لحل الأزمة منذ ستينيات القرن الماضي بالأدب والفن والدراما والأغاني، أما الآن فالبرامج على الفضائيات مضيعة للوقت والفكر". 
 
هذا الفشل دفع عضوة لجنة الصحة بمجلس النواب ميرفت موسى، إلى الاعتراف أن القضية لا تزال تراوح مكانها منذ عقود، وقالت في حديثها للجزيرة نت "نحن نتحدث عن موضوع تنظيم النسل منذ عقود، لكن دعني أقول لك هناك فترات حققت نتائج إيجابية؛ بسبب الاستقرار".
 
وأوضحت موسى أن معدلات الزيادة السكانية ارتفعت في الآونة الأخيرة نتجية مرور البلاد "بثورتين"، إضافة إلى عدم إتاحة وسائل تنظيم الأسرة، مشيرة إلى أن عدم وجودها في الصيدليات واقتصارها على الوحدات الصحية ساهما في هذا التضخم. 
 
وأكدت أن أهم عنصر في تنظيم الأسرة هو "الإتاحة"، بمعنى توفير وسائل التنظيم في أقرب الأماكن وبأرخص الأسعار إن لم يكن مجانا، لافتة إلى أنها الآن غير موجودة في الصيدليات إلا بأسعار مرتفعة، لن تشتريها الأسر الفقيرة. 
 
وطالبت بتبني الدعم الإيجابي لمن لديه طفلان، مضيفة "ولا أقول السلبي، لأنه لا يمكن القول باقتصار مجانية التعليم على طفلين لعدم دستوريته"، داعية إلى التكامل والتنسيق بين الوزارات والجهات المعنية حتى لا تهدر المسؤولية بين الجميع، وتوفير مشروعات صغيرة للأسر الفقيرة  لتوفير الأمان للمرأة.

ثروة بشرية
وفي الوقت الذي أطلقت فيه الحكومة جرس الإنذار، أشاد خبراء بما أسموه بالقوة البشرية الكبيرة والفتية التي تزخر بها مصر، باعتبارها وقودا حيويا للتنمية. 
 
وانتقد الخبير الاقتصادي ورئيس منتدى القيمة المضافة أحمد خزيم، حالة التهويل من أزمة الزيادة السكانية، واستنكر في حديثه للجزيرة نت استغلال الحكومة الزيادة السكانية في تحصيل الضرائب لتمويل موازنة الدولة، وعدم استغلالها في التنمية وزيادة الإنتاج. 
 
وأوضح خزيم أن هناك مدرستين في إدارة الاقتصاد، الأولى مدرسة التنمية بالقيمة المضافة، والثانية، المدرسة الإيرادية (الجباية)، الأولى، تعتبر الموارد البشرية أحد أهم العوامل في زيادة الإنتاج، كالصين، فالعامل البشري والأرض ورأس المال إذا أحسن توظيفها بالشكل الأمثل، يؤدي ذلك إلى تعافي ونمو أي اقتصاد في العالم. 
 
وأضاف الخبير الاقتصادي أن المدرسة الثانية هي المدرسة الإيرادية، والتي تنشغل دائما بالدعم والضرائب، وكلما احتاجت إلى إيرادات تمد يدها في جيوب الناس، ويكون العامل البشري عبئا عليها في توظيفه، ولكن ليس عبئا في استغلاله عبر الضرائب. 
 
ورأى خزيم أن من يعتبر أن الزيادة السكانية أزمة، هو الشخص أو الإدارة التي لا تجيد الاستخدام الأمثل للموارد البشرية، مثل بقية الموارد الطبيعية الأخرى، مؤكدا أن أوروبا العجوز الآن تفتح أبوابها أمام الهجرة الانتقائية لأنها فقدت القدرة على التجدد.
المصدر : الجزيرة