دومينيك كمينغز.. مستشار جونسون وصانع أمجاده المولع بالشعبوية

Dominic Cummings, special adviser for Britain's Prime Minister Boris Johnson is seen at Downing Street in London, Britain, January 6, 2020. REUTERS/Toby Melville
دومينيك كمينغز أحد صقور الخروج من الاتحاد الأوروبي (رويترز-أرشيف)

الجزيرة نت-لندن

 
إنه عبقري.. هكذا وصف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مستشاره الإستراتيجي دومينيك كمينغز أمام عدد من كبار المسؤولين البريطانيين في حفل أقيم نهاية السنة الماضية.
 
لم يستغرب كثيرون مدح جونسون لمستشاره الذي ساهم بدور كبير في وصوله إلى رئاسة الوزراء باستخدام إستراتيجيات إعلامية ودعائية تنطلق من المدرسة الشعبوية التي تجتاح العالم. 

وتزايد تسليط الضوء على هذا المستشار وصاحب النفوذ المتزايد في أروقة صنع القرار البريطاني عقب استقالة وزير الخزانة ساجد جاويد من منصبه بشكل مفاجئ، احتجاجا على إقالة مستشارة له دون علمه وطردها من منصبها بشكل مهين.

أحدثت الاستقالة ضجة في بريطانيا بالنظر لكون جاويد يعتبر من صقور المعسكر المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكان يعتبر ثاني أقوى رجل في الحكومة بعد جونسون، قبل أن تشير أصابع الاتهام في هذه الاستقالة إلى كمينغز.

وقالت مصادر بريطانية عديدة إن مستشار جونسون استدعى مستشارة جاويد إلى مقر رئاسة الوزراء وطلب منها تسليم هاتفها، ثم طلب من شرطي مرافقتها إلى خارج المقر الحكومي وطردها، بحجة أنها تتواصل مع وزير الخزانة السابق فيليب هاموند الذي يعد من معارضي فكرة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق.

ويعود أصل الخلاف بين جاويد ودومينيك إلى تباين وجهات النظر بشأن السياسة الاقتصادية للبلاد بعد البريكست، حيث كان جاويد يخطط لإنهاء حالة التقشف التي شهدتها البلاد منذ سنوات، في حين يرفض دومينيك هذه الفكرة.

‪كمينغز‬ (يسار)(غيتي-أرشيف)
‪كمينغز‬ (يسار)(غيتي-أرشيف)

نفوذ يتمدد
أثارت قدرة مستشار جونسون على الإطاحة بأقوى وزير في الحكومة المخاوف من نفوذه المتعاظم، ومدى تأثيره في قرارات جونسون، خصوصا أن كمينغز كان مهندس القرار غير المسبوق الذي اتخذه جونسون السنة الماضية بتعطيل أشغال البرلمان لثلاثة أسابيع، وهو ما وصف حينها بالانقلاب الذي رفضته المحكمة العليا البريطانية.

هذه الحالة جعلت كثيرين يشبهون كمينغز بتوماس كرومويل الشخصية الشهيرة في التاريخ البريطاني الذي كان وراء انفصال الملك هنري عن الكنيسة، خصوصا أن دومينيك كان عراب انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي وقاد الحملة المناصرة لخروجها من الاتحاد الأوروبي من خلال استعمال شعار "استعد السيطرة" من قبضة الاتحاد، ونجح في إظهار جونسون كنجم لحملة البريسكت.

وخلال الانتخابات الأخيرة التي منحت جونسون أغلبية ساحقة كان دومينيك هو مدير الحملة وصاحب شعار "لننه البريكست"، وعقب وصول جونسون إلى رئاسة الوزراء بات دومينيك صاحب الحل والعقد في الكثير من الملفات الشائكة بطريقة مريبة دفعت اثنين من مستشاري جونسون إلى الاستقالة احتجاجا على سلوك زميلهما الذي سبق أن صرح بأن "العمل في رئاسة الوزراء يحتاج لأشخاص غريبي الأطوار".

ويعود تشبث جونسون بمستشاره رغم كل الانتقادات الموجهة إليه إلى نجاح الإستراتيجيات الدعائية لكمينغز في منح جونسون ما يريد، وفي توجيه الرأي العام وترجيح الكفة لصالحه رغم التحذيرات المتصاعدة من تصرفاته لدرجة أن السير جون ميجور رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وأحد كبار قادة حزب المحافظين وصف دومينيك بأنه "فوضوي يسمم الحياة السياسية".

ومع ذلك، يمضي كمينغز في سياساته المثيرة للجدل غير عابئ بالانتقادات، ويقدم نفسه بأنه متمرد على المؤسسات التقليدية، مما جعل وسائل الإعلام البريطانية تجمع على وصفه بأنه "ستيف بانون بريطانيا" بالنظر للتشابه بين الرجلين وما يحملانه من أفكار يمينية شعبوية.

‪مجسم ساخر من جونسون ومستشاره خلال مظاهرة في لندن‬ (رويترز-أرشيف)
‪مجسم ساخر من جونسون ومستشاره خلال مظاهرة في لندن‬ (رويترز-أرشيف)

عدو الإعلام
أينما حل كمينغز لحقه الجدل منذ اشتغاله مستشارا لوزير التعليم البريطاني سنة 2011 وتورطه في العديد من التصرفات التي أدت لإقالته في نهاية المطاف، ومن كان يعتقد أن جونسون شخصية مثيرة للجدل فما عليه سوى تتبع تصرفات كبير مستشاريه الذي يريد استنساخ تجربة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في بريطانيا.

بدا هذا التوجه جليا في العداء الظاهر بينه وبين وسائل الإعلام البريطانية، والذي بلغ ذروته عندما قررت رئاسة الوزراء انتقاء المؤسسات الصحفية التي ستحضر إحاطة رسمية بشأن ملف البريكست ومقاطعة مؤسسات أخرى، مما دفع جميع الصحفيين للانسحاب ومقاطعة الندوة، بسبب ما اعتبروه تطبيق دليل ترامب في التعامل مع الإعلام من خلال مقاطعة بعض الصحف والهجوم على بعضها الآخر.

وأشارت أصابع الاتهام في هذه الواقعة إلى مستشار جونسون الذي لا يحمل الود لوسائل الإعلام، فعقب إعلان فوز جونسون في الانتخابات قدم تصريحات تهزأ من المؤسسات الإعلامية، واعتبر أنها تعيش بعيدة عن نبض الشارع وما يريده المواطن البريطاني.

وعلى الرغم من تفضيله العمل في الظل وخلف الأبواب المغلقة فإن تاريخ مستشار جونسون يقدم بعض الملامح عن نظرته للمسلمين، حيث سبق أن نشر سنة 2006 في صحيفة "دو سبيكتاتور" الصورة الكاريكاتيرية المثيرة للجدل، والتي سخرت من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع تعليقات تتبنى نظرية "الخطر الإسلامي" في أوروبا، قبل أن يحذفها بسبب الانتقادات الكثيرة.

ويتوقع كثيرون أن يتواصل نزيف الاستقالات في الحكومة البريطانية في حال استمر جونسون في منح مستشاره صلاحيات مطلقة للتعامل مع الموظفين الحكوميين مهما بلغت رتبهم.

المصدر : الجزيرة