لهذه الأسباب تثير تقلبات مقتدى الصدر الحيرة

Iraqi Shi'ite cleric Moqtada al-Sadr attends a protest against western air strikes on Syria, in Najaf, Iraq April 15, 2018. REUTERS/Alaa Al-Marjani
الكاتبة قالت إن القطيعة بين الصدر والمتظاهرين باتت جلية (رويترز)

تناولت صحيفة لوتون السويسرية مواقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وقراراته المثيرة للجدل حيال الاحتجاجات الشعبية المناهضة للفساد المستمرة منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وأكدت أن القطيعة بين الصدر والمتظاهرين باتت جلية.

وقالت الكاتبة هيلين سولون، في تقرير نشرته صحيفة لوتون السويسرية، إن ما وصفته بالقائد الشعبوي الذي قدم الدعم للحركة الاحتجاجية بات اليوم مرفوضا من قبل الكثيرين. إلى جانب ذلك، أدى سوء الفهم الذي أثير، حتى في صفوف التيار الصدري إلى فسح المجال أمام الرفض العنيف له، بعد الهجمات التي نفّذها أنصاره المعروفون بأصحاب القبعات الزرقاء.

المتظاهرون يرفضون أي وصاية سياسية أو دينية على حراكهم (الأناضول)
المتظاهرون يرفضون أي وصاية سياسية أو دينية على حراكهم (الأناضول)

انتقادات المتظاهرين
وبينت الكاتبة أن محاولات أنصار الصدر السيطرة على الاعتصامات بالقوة أدت إلى مقتل ثمانية متظاهرين بالنجف في الخامس من هذا الشهر. وفي الشعارات واللافتات اللتين رفعتا في بغداد وجنوب البلاد، وجه المتظاهرون انتقادات لاذعة للصدر.

وأكدت أن هذا الانقسام يثير نوعا من المرارة والارتياح في الوقت ذاته بين صفوف المتظاهرين الذين يرفضون أي وصاية سياسية أو دينية على حراكهم الاحتجاجي.

وفي هذا السياق يعتبر الصدر، الذي أعلن نفسه مؤيدا للإصلاح في الفترة بين 2015 و2016، أحد الوجوه الرئيسية في النظام السياسي الذي يطالبون بإسقاطه. ومنذ الانتخابات التشريعية لسنة 2018، التي ظهر فيها تحالف "سائرون"، كان الصدر الذي يتزعم هذا الائتلاف السياسي الصوت الحاسم في اختيار رئيس الوزراء والوزارات.

وقد ساهم دعمه ووجود الآلاف من مؤيديه في الاعتصامات في تعزيز الاحتجاجات، التي تصدت السلطات لها بطريقة قمعية خلفت ما لا يقل عن 543 قتيلا.

الناصري انشق عن الصدر ورأى أنه يوظف الاحتجاجات لتحقيق أهداف سياسية (مواقع التواصل)
الناصري انشق عن الصدر ورأى أنه يوظف الاحتجاجات لتحقيق أهداف سياسية (مواقع التواصل)

مهدّد بالانتقام
وأفادت الكاتبة بأن قرار الصدر بالنأي بنفسه عن الاحتجاجات في 24 يناير/كانون الثاني ودعمه لترشيح محمد توفيق علاوي لتشكيل الحكومة، تسبب في سوء فهم حتى بين صفوف التيار الصدري، الأمر الذي دفع العديد من مؤيديه، الذين يقدر عددهم بالملايين في الأحياء الفقيرة في بغداد وجنوب العراق، إلى ترك الاعتصامات على مضض.

وفي هذا السياق، أعلن القيادي في التيار الصدري أسعد الناصري انشقاقه، قائلا "لم يدعم مقتدى الصدر هذه الحركة السلمية أبدا، لقد حاول دائما توظيفها لتحقيق أهداف سياسية. وحاول التيار الصدري السيطرة على المظاهرات وتوجيهها، لكنه وجد أشخاصا حازمين أمامه".

وأضافت الكاتبة أن الناصري أكد أنه محاط بالعديد من أتباع التيار الصدري الذين يرفضون قرار الصدر، مثله. ويقول إنهم "يأتون إلى مقر الاعتصام سرا. إنهم لا يقبلون موقف الصدر، لكنهم لا يستطيعون أن يقولوا ذلك علانية، خوفا من الانتقام وحملات التشهير".

وأوردت الكاتبة أن أنصار التيار الصدري قرروا مواصلة الاعتصام في ميدان التحرير وسط بغداد رغم قرار زعيمهم. وفي 31 يناير/ كانون الثاني، قال أسامة وهو عامل يبلغ 27 عاما "لم آت إلى هنا بناء على أوامره، ولن أغادر لأنه أمر بذلك. لقد بقيت وفاء لروح الشهداء ومن أجل العراق".

وفي اليوم ذاته، أدلى الصدر بتصريح يغير فيه أوامره بعدم فض الاعتصام ومواصلته. ليبدي أسامة فرحه بعد رؤية أنصار الصدر يعودون إلى الاعتصام قائلا "السيد مقتدى هو وليّ أمرنا وحامي مصالحنا". وفي اليوم التالي، عندما هاجمت جماعة "القبعات الزرقاء" مكان تجمعهم الرئيسي في ميدان التحرير المعروف بالمطعم التركي وطردت المعتصمين المرابطين هناك، حزم أسامة أمتعته وغادر ما أن انبلج الصبح.

الكاتبة تقول إن أنصار الصدر يعتبرونه منزها عن الخطأ ويحبونه حبا أعمى  (الأناضول)
الكاتبة تقول إن أنصار الصدر يعتبرونه منزها عن الخطأ ويحبونه حبا أعمى  (الأناضول)

حب أعمى
وأشارت الكاتبة إلى أنه بالنسبة للعديد من مناصريه، يعتبر الصدر شخصية دينية تتعالى عن الانتقادات. إنهم يؤمنون أن قائدهم يفوقهم خبرة وحكمة. وفي الحقيقة هذا هو مكمن مشكلة الأحزاب ذات الصبغة الدينية. وفسر الشيخ الناصري ذلك بالقول هذه "ليست بوادر ديمقراطية، بل هي سلطوية". واعترف أحد المقربين من الصدر أنه "لا يفهم خياراته"، لكن في نهاية المطاف، يؤمن أتباعه ومناصروه، أنه منزه عن الخطأ، فهو يتخذ القرار المناسب.

وأكد مسؤول تنفيذي في التيار الصدري في حي مدينة الصدر ببغداد إنه "إذا طلبت من أي مناصر له أن يفديه بروحه، فلن يتردد في ذلك، إنهم يحبونه حبا أعمى". يكتسب الصدر هذه المكانة بفضل دوره الرئيسي في مقاومة الاحتلال الأميركي بعد عام 2003، وكذلك جهود والده آية الله محمد صادق الصدر الذي كان معارضا للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وتم اغتياله واثنان من أشقاء مقتدى عام 1999.

وذكرت الكاتبة أنّ مقتدى الصدر يكثف منشوراته على تويتر وهو حساس للانتقادات الموجهة إليه، فتكون لهجته لينة حينا ومهددة في أحيان أخرى، في محاولة لإقناع المتظاهرين بوضع حد لمطالبهم ومنح فرصة لمحمد توفيق علاوي.

ويضيف المسؤول في التيار الصدري ضياء الأسدي، "ليس لدى المتظاهرين ممثلون، ولا مطالب واضحة بشأن الحكومة أو الدستور أو النظام السياسي"، مؤكدا أنّ مقتدى الصدر "لم يأمر مؤيديه، في تغريداته بمهاجمة الاعتصامات".

من جهته، قال الباحث سجاد جياد من مركز البيان للتخطيط والدراسات العراقي إن "الصدر لا يولي أهمية كبيرة لآراء العراقيين، ما يهمه حقيقة الحفاظ على قاعدته الجماهيرية والدعم الشعبي الذي يحظى به. ويريد الحفاظ على نفوذه، والبقاء في قلب اللعبة السياسية وردع خصومه الذين يمكنهم انتزاع أنصاره منه".

المصدر : الصحافة السويسرية