بين رضى الضحايا وثغرات القانون.. هل يقترب البشير من لاهاي؟

Sudan's former president Omar Hassan al-Bashir sits inside a cage at the courthouse where he is facing corruption charges, in Khartoum, Sudan September 28, 2019. REUTERS/Mohamed Nureldin Abdallah
عمر البشير أثناء جلسة لمحاكمته بالخرطوم بتهم الفساد في سبتمبر/أيلول الماضي (رويترز)

أحمد فضل-الخرطوم 

لم يكن الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير يتخيل في أسوأ كوابيسه أن المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي ستكون أقرب إليه من مسقط رأسه في حوش بانقا شمالي السودان، وهو الذي طالما تحداها واعتبرها تحت حذائه.
 
وأكد المتحدث باسم وفد الحكومة المفاوض في جوبا محمد حسن التعايشي أن الحكومة وافقت على مثول البشير أمام المحكمة الجنائية وأن القرار اتُخذ قبل إعلانه أثناء المفاوضات في مسار دارفور.
 
ورغم أن ثمة إجراءات قد تحول دون اتفاق الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة في المفاوضات الجارية بجوبا بتسليم البشير لمحكمة لاهاي، فإن تحقيق السلام بالسودان يبقى رهينا بمثول المطلوبين أمام المحكمة في هولندا.
 
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتين باعتقال البشير عامي 2009 و2010، في تهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية.
 
كما تطلب المحكمة مثول المسؤولين السابقين في حكومة البشير أحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين، فضلا عن علي كوشيب قائد إحدى الميليشات بدارفور.
 
ولدى المحكمة قائمة بنحو 52 متهما على ذمة جرائم وقعت في إقليم دارفور الذي عانى من حرب منذ عام 2003.
‪محمد حسن التعايشي: الحكومة وافقت على مثول البشير أمام المحكمة الجنائية‬  (الجزيرة)
‪محمد حسن التعايشي: الحكومة وافقت على مثول البشير أمام المحكمة الجنائية‬  (الجزيرة)

رسالة للطغاة
وبحسب رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم فإن أثر تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية يتعدى شخصه ويمثل رسالة إلى كل الطغاة المتجبرين الذين يرتكبون الجرائم الفظيعة ضد شعوبهم ليبقوا على كراسي الحكم مدى الحياة. 

ويقول جبريل للجزيرة نت، "الخطوة تؤكد أنه لا إفلات من العقاب حتى وإن طال الزمن، سيكون للقرار أثره الإيجابي في دعم المحكمة وتطوير القانون الجنائي الدولي". 

ويشير جبريل عضو وفد التفاوض للجبهة الثورية بجوبا إلى أنه تم الاتفاق مع وفد الحكومة الانتقالية على أن "تتعاون السلطات الانتقالية تعاونا غير محدود مع المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك تيسير مثول الذين صدرت بحقهم أوامر قبض من المحكمة أمامها". 

ويضيف أن الاتفاق نص أيضا على أن تلتزم السلطات الانتقالية بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1593 (2005) الذي أحال حالة دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية. 

ويبين أن الأطراف المتفاوضة تعلم علم اليقين أن هذا مطلب الضحايا في دارفور الذين لا يثقون بالنظام القضائي الذي بناه نظام البشير على مدى ثلاثة عقود، كما صار مطلب كل الأحزاب والشخصيات الوطنية التي كان يقف بعضها ضد مبدأ التسليم.

تسليم أم مثول؟
ويعتبر عضو التحالف الديمقراطي للمحامين إسماعيل التوم أن منطوق الاتفاق يتحدث عن تسليم لا مثول، لجهة أن المثول يعني رغبة المتهم في أن يقف أمام المحكمة، أما التسليم فهو يتم عبر السلطات وفق إجراءات.

ويعيد التوم الاتفاق إلى الوثيقة الدستورية التي تنص على تكوين مفوضية العدالة الانتقالية وفي مفهومها "أن المجني عليه يجب أن يحس بالرضى من تحقيق القسط الكافي من العدالة وهنا تسليم البشير وبقية المطلوبين يحقق هذا الرضى".

ويحذر من أنه حال محاكمة المطلوبين للمحكمة الجنائية بالداخل لن يكون هناك رضى، وهو ما يمكن أن يتحقق إذا تمت المحاكمة بلاهاي ولو برأتهم.

وينبه إلى أن المؤسسات العدلية السودانية غير قادرة على الاضطلاع بمحاكمة المتورطين في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، كما أن حكومة البشير هي التي أعطت المحكمة الدولية الاختصاص لأنها لم تبدِ رغبة واستعدادا لتحقيق العدالة. 

ويقول التوم إن ثمة 230 دعوى أمام المحكمة الجنائية تتعلق بدارفور، المطلوبون فيها أربعة، هم البشير وأحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين وعلي كوشيب، ومن الممكن أن تكون هناك اتهامات تتعلق بقائمة 52 شخصا متهما بجرائم دارفور. 

ويرجح أن يكون هناك اتفاق سياسي بين الحكومة والحركات المسلحة على أن يمثل المتهمون الـ25 أمام محكمة خاصة بالداخل.

مناهضة قانونية
لكن عثمان محمد الشريف نقيب المحامين السابق والخبير في القانون الدولي يقول للجزيرة نت، إن قرار تسليم المطلوبين للجنائية غير سليم، لأن المتهمين ببساطة يمكنهم مناهضة القرار بالاعتماد على الفقرة "3" من المادة "3" من قانون الإجراءات الجنائية التي تمنع تسليم أي شخص ليحاكم بالخارج. 

ويفيد الشريف الجزيرة نت بأنهم كانوا ينتظرون من المفاوضين الرد على طلب الحركات المسلحة بتسليم البشير وبقية المطلوبين بأن جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية أصبحتا جزءا من القوانين السودانية منذ عام 2009. 

ويذكر أن القضاء بعد الثورة أصبح مستقلا ونزيها وراغبا وقادرا على رد الحقوق، لأن طلب الحركات كان مؤسسا على عدم الثقة بالقضاء السوداني في ظل النظام السابق. 

ويؤكد أن المطلوبين للمحكمة بلاهاي لا يمكن تسليمهم بأي قرار تنفيذي، قائلا "في تقديري لا يمكن تطبيقه على الأرض، إلا إذا انتهكت حقوق المطلوبين في المقاضاة أمام القضاء السوداني".

حماية الشهود
ويرى عضو التحالف الديمقراطي للمحامين إسماعيل التوم أن هناك مشكلات أمنية تحول دون أي اتجاه لانعقاد محكمة لاهاي بالداخل لعدم وجود برنامج لحماية الشهود، كما أن الأدلة من الممكن أن تتعرض للإتلاف.

ويستدل بأن النائب العام شكا من مشكلة عدم حماية الشهود في قضية فض الاعتصام أمام قيادة الجيش، ناهيك عن توفير هذه الحماية في قضية أكبر مثل الجرائم التي ارتكبت بدارفور.

وكان النائب العام قد أبلغ فرقا من منظمة هيومن رايتس ووتش أمس الثلاثاء، بأن ثمة صعوبات حقيقية في مسألة توفير الحماية التامة للشهود وأن النيابة العامة في حاجة ماسة للعون من الجهات المعنية.

وأبلغ النائب العام فريق المنظمة بأن موقف السودان من المحكمة الجنائية الدولية وتسليم البشير يتوقف على ثلاثة عناصر، هي موقف التفاوض في جوبا وما سيسفر عنه، والإصلاح القانوني، والتشاور مع المكون المحلي وعلى رأسهم أسر الضحايا. 

ويقول إسماعيل التوم إن الحكومة اقتنعت أنها غير قادرة على إنصاف الضحايا وأن المصالحة والعدالة الانتقالية هما ما سيحققان الاستقرار في المستقبل. 

ويضيف أن جوهر المسألة هو الإنصاف للضحايا والمحاكمة العادلة للمتهمين، وليس مصيرهم في أي سجن سيقضون العقوبة سواء في سجون أشبه بالفنادق في أوروبا أو بسجون غير لائقة، كما في السودان.

المصدر : الجزيرة