يطالبها البعض بالاعتزال.. لماذا يفتقر خيال المعارضة المصرية إلى الإبداع؟

لا يخرج بعض المعارضين عن فكرة التظاهر كآلية وحيدة للتغيير.
لا يخرج بعض المعارضين عن فكرة التظاهر كآلية وحيدة للتغيير في مصر (الجزيرة)

عبد الله حامد-القاهرة

 
لم تتوقف المعارضة المصرية -في سعيها لتغيير النظام القائم- عند أسباب فشلها السابق لتدرسها، أو لتبحث عن سبل جديدة مبتكرة لتتجاوز عثراتها في مواجهة نجاح النظام في تثبيت أركانه بوسائل القمع المستمرة، حسب مراقبين.
 
وبعد مرور تسع سنوات على ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وتدهور الأوضاع إلى أسوأ مما كانت عليه قبل الثورة، تنظر جماهير مصرية إلى كثير من النخبة المعارضة من تيارات وأفراد، بكثير من الريبة إزاء قدرتها على الابتكار في وسائل التغيير، لدرجة ارتفاع أصوات بمطالبات للمعارضين بالاعتزال كما فعل محمد علي.

وجاء اعتزال الفنان والمقاول محمد علي بعد فشل دعوته للجماهير إلى النزول والتظاهر ضد النظام في ذكرى الثورة، ليضاعف إحباط الكثير من المصريين الذين كانوا يأملون انكسار الجمود الراهن في الساحة السياسية.

وانقسم مؤيدو الثورة بين مستسلم لليأس بات جلُّ أمله أن يرفع مناهضو السلطة -وعلى رأسهم الإخوان المسلمون- الراية البيضاء من أجل إخراج معتقليهم المرهقين الذين يتمون هذا العام سبع سنوات في الاعتقال، وبين من يرى ضوءًا في آخر النفق السياسي المظلم، ويسعى جاهدًا للوصول إليه.

محاولات شبابية
ناصر -وهو ناشط من القاهرة- يسعى مع عدد من أقرانه إلى كسر حصار النظام له ولأمثاله من مؤيدي الثورة، ومحاولة حصار النظام نفسه عبر تنفيذ خطة مناقضة لخطته.

خطة النظام تقوم على بث الانقسام بين أبناء الثورة أنفسهم من ناحية، وبينهم وبين الجماهير من ناحية أخرى، والعمل على ما يناقض هذه الخطة كفيل بإسقاطها، حسب تعبير ناصر للجزيرة نت.

على رأس ما يقوم به ناصر هو محاولة إذابة الجليد بين مجموعته وبين رفقاء الثورة من مختلف التيارات، بل وبين جيل الثورة والجماهير، وذلك عبر السعي لبناء النقاط المشتركة وتجنب الخلافات المثيرة للانقسام، إضافة إلى التّماس مع هموم الجماهير وخاصة المعيشية، ومساندة التحركات النقابية، دون الدخول في تفاصيل حول طبيعة النظام وإن كان انقلابيًّا أم شرعيًّا، "فالنظام يغذي الانقسام" برأيه، ونقيض ذلك تعضيد الاصطفاف.

ولا يجد ناصر حرجًا في التواصل حتى مع مؤيدي النظام الحاليين الذين بدؤوا يتململون من سياساته الاقتصادية القاسية، ولا يفقد الأمل كذلك في إمكانية أن تتحول "المعارضة المصطنعة" التي أوجدها النظام كديكور للعملية السياسية، إلى معارضة حقيقية تحت وطأة سياسات النظام الفجة داخليًّا وخارجيًّا.

أما نشوى -وهو اسم مستعار لناشطة سابقة في عدد من فعاليات مناهضة الاختفاء القسري- فقد راهنت مع أخريات على استنساخ نجاح تجربة "أمهات ساحة مايو" في تشيلي المناهضة للاختفاء القسري، بعد مشاركتها في محاولات فاشلة متكررة لاستنساخ آليات ثورة 25 يناير.

وتقلصت حركة أهالي المختفين قسريًّا في مصر لتتلاشى تماما في ظل الاختفاء القسري لنشطاء وأهالي الحركة المصرية أنفسهم، وهو ما أصابها باليأس.

ولدى العديد من النشطاء والمعارضين تجارب مثيلة صارت مؤلمة بعدما كانت ملهمة، وتركت أثرًا عكسيًّا في نفوس أصحابها لتراكم إحباطهم، بما دفعهم لليأس من إمكانية التغيير.

أوضاع مصر السياسية والاقتصادية حاليا أسوأ من تلك التي ثار عليها المصريون عام 2011 (رويترز)
أوضاع مصر السياسية والاقتصادية حاليا أسوأ من تلك التي ثار عليها المصريون عام 2011 (رويترز)

صوت الخارج
يرى السياسي البارز أيمن نور أن التغيير لا يعتمد فقط على المظاهرات، وإن كان التظاهر من أهم وأبرز الحقوق السياسية.

وقال نور للجزيرة نت إن اختزال فكرة التغيير في التظاهر ييسّر المهمة على الأنظمة الاستبدادية، لذا من الضروي أن تكون أشكال النضال من أجل التغيير متعددة ومبدعة.

وبحسبه، لا يمكن التعميم بالقول إن خيال المعارضة قد نضب، ولكن خيال بعض المعارضين لا يزال أسير تجربة ثورة يناير، وهنا يتوجب إدراك أن سقف الخيال يجب أن يتمدد بقدر أسقف القمع التي يمارسها النظام.

ويثمّن المتحدث تجربة المعارضة في الخارج تحديدًا بعدما امتلكت لأول مرة وسائل إعلام تخاطب عشرات الملايين، وقادرة على تزويد المصريين بالوعي اللازم في مواجهة السلطة، بعد أن كان تأثير المعارضة قبل الثورة محدودا ومقتصرا على منشورات ومطبوعات تصل آلاف الأشخاص فقط.

كما نجحت المعارضة في إيصال صوت المصريين إلى الخارج "لتعرية" النظام القائم كما يقول نور، وضرب مثلا على هذا النجاح بردود الاتحاد الأوروبي الإيجابية على خطاب مجموعة العمل الوطني.

ويضع السياسي المصري فكرة الإحباط والاستسلام لدى البعض في إطارها الإنساني كشعور طبيعي مع "طول الاستعمار"، مشددا على ضرورة الانتباه الدائم إلى أن الأنظمة الاستبدادية تبدو حتى آخر دقيقة وكأنها متماسكة وقوية، لكن حقيقتها الهشة تنجلي مع سقوطها، مطالبًا الكبار بتحمل الشباب ليتجاوزوا إحباطاتهم نتيجة الظروف الصعبة التي يمرون بها.

سياسة التقليد
أما الكاتب الصحفي والمحلل السياسي سليم عزوز فيعزو جدب أفكار وآليات المعارضة إلى الاعتماد على التقليد، حيث جرى عقب الثورة تقليد المظاهرات التي نجحت في الميدان فارتبط المكان بالتغيير، حتى إن مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013 التي مهدت للانقلاب كانت دعوتها للاحتشاد في ميدان التحرير باعتباره رمز الثورة.

ويشير عزوز في حديثه للجزيرة نت إلى اعتصام ميدان المطرية الناجح عام 2015، باعتباره تجربة برهنت بنجاحها على أن المكان (ميدان التحرير) ليس مهمًّا.

أما اختيار المظاهرات فقط فلأنه "لا أحد يريد أن يفكر خارج الصندوق"، ربما "خوفا" من معارضة البعض له، بمعنى أن المعارضة لم تفكر مثلا في اتجاه للمنافسة على الانتخابات القادمة سواء أكانت رئاسية أو خاصة بمجلس النواب بغرفتيه، لأن هذا -وإن أمكن أن يمثل إرباكا شديدا للنظام- يعد عند البعض دليلا على أن المعارضة تعترف بالانقلاب العسكري وتمنحه الشرعية.

ويعزو الباحث في الشؤون السياسية والأمنية أحمد مولانا عقم المعارضة عن إنجاب بديل إلى عدم وجود معارضة ابتداء، لافتا إلى أن بقايا المعارضين في الخارج يُعتَبرون معارضة، لكنهم في حقيقة الأمر "يغلب على ظنهم عدم وجود إمكانية للتغيير".

وقال مولانا في حديثه للجزيرة نت إن معظم تيارات المعارضة تدور في حلقة مفرغة "عن عمد"، وضرب مثلاً بذلك بتنظيم اللقاءات والمؤتمرات، ليجد المرء أن الغرض منها ليس الخروج بتوصيات وإنما عقد اللقاء ذاته.

وأشار إلى أن تجربة محمد علي فشلت بعد نجاحها الأول نظرا لدخوله مسار كتابة الوثائق السياسية، خالعًا رداءه الذي عرفه به الناس وتجاوبوا معه على أساسه، وهو التلقائية والبساطة في الحديث إليهم بلغتهم.

المصدر : الجزيرة