المجالس التشريعية الكويتية.. تاريخ ضارب بجذوره في أول ديمقراطية خليجية

مدخل مجلس الأمة الكويتي
مدخل مجلس الأمة الكويتي (الجزيرة)

لا يمكن التأريخ للمسيرة البرلمانية والحياة الديمقراطية في الكويت بإجراء أول انتخابات لمجلس الأمة، ذلك أن أهلها جبلوا على الشورى منذ تأسيس بلدهم وقبل نيل استقلالها عن بريطانيا عام 1961 بعهد طويل.

وتعد المجالس التشريعية في الكويت الأقدم في منطقة الخليج العربي، حيث التأمت أول تجربة انتخابات نيابية في العام 1938 وأفرزت مجلسا تشريعيا صاغ أعضاؤه دستورا احتوى على مبادئ موجزة للحياة الدستورية.

ولم تكد الكويت تحصل على استقلالها في يونيو/حزيران 1961 حتى أجريت انتخابات في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، واختير 20 عضوا لتشكيل المجلس التأسيسي لوضع دستور متكامل للبلاد.

التأمت اللجنة ووضعت دستورا للبلاد مهّد لأول انتخابات لمجلس الأمة في يناير/كانون الثاني 1963، وفاز فيها 50 عضوا في 10 دوائر آنذاك، حيث ناب عن كل دائرة 5 أعضاء.

التجار.. الرواد الأوائل
ويسجل التاريخ لتجار الكويت -الذين كانوا يمثلون غالبية الطبقة المثقفة آنذاك- إطلاق الشرارة الأولى لمأسسة الحياة البرلمانية، إذ شكلوا ابتداء "الكتلة الوطنية" عام 1938، ورفعوا لأمير البلاد حينها الشيخ أحمد الجابر الصباح رسالة تضمنت الرغبة في نظام حكم قائم على مبدأ الشورى، حيث صادق على مطلبهم عبر الدعوة للانتخابات.

ويوضح المحلل السياسي والوزير السابق سامي النصف -في حديث للجزيرة نت- أنه في ظل غياب الحياة الحزبية عن الكويت، فإن المجالس التشريعية في البلاد بدأت عبر تحالف بين التجار والقوى الوطنية، التي كانت تمثل التيارين "القومي الوحدوي" و"اليساري".

وبقي الأمر بهذا الشكل حتى هزيمة العرب عام 1967، عندما خاض التحالف الانتخابات ضمن ما سمي بقوائم نواب الشعب، التي كانت تمثل التجار والتوجه الناصري القومي، إلى جانب القوميين العرب.

ويوضح سامي النصف أن المسار تحوّل بعد ذلك في الكويت إلى التيارات الإسلامية منذ السبعينيات، فبدأ التسابق بين السلفية والإخوان المسلمين تماما كما كانت الحال في معظم أرجاء الوطن العربي.

وبعد الثورة الإسلامية في إيران، وتحديدا في عام 1980، انضم إليهما التيار الإسلامي الشيعي، الذي كان يعمل مع الإخوان المسلمين في الدوائر الانتخابية.

وبحسب النصف، فإن التيارات الإسلامية استفادت من القبيلة في مناطق البدو، ومن العائلة في مناطق الحضر، في تحقيق النجاح في الانتخابات، موضحا أنه ليس من الضروري في كثير من الأحيان أن يكون فوز المرشح الإسلامي بسبب توجهه السياسي، وإنما بسبب انتمائه القبلي أو العائلي.

وأشار النصف إلى أن تنامي التيارات الإسلامية لم يمنع استمرار التيارات الوطنية وتكتلات التجار والمنادين بالاقتصاد الحر، فضلا عن التوجهات العائلية.

تحولات كثيرة وقوانين متعددة
بدوره يرى الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور صالح السعيدي أن المجالس التشريعية في الكويت مرت بتحولات كثيرة كان المتحكم فيها هو النظام الانتخابي المحدِّد لعدد الدوائر الانتخابية والأصوات التي تُمنح لكل ناخب.

فمخرجات الدوائر العشر، بحسب السعيدي في حديثه للجزيرة نت، كانت تساعد دائما على خروج قوائم انتخابية وقوى سياسية، وهو ما أفرزه مجلس الأمة الأول بعد الاستقلال في عام 1963، والذي كان محددا بخمسة أصوات.

ويبيّن أن الحال تغيرت بعد عام 1981 مع تغيير النظام الانتخابي، إذ قُسمت الكويت إلى 25 دائرة انتخابية، مما أدى إلى تعزيز الفردية في العمل النيابي وذوبان الطرح الوطني مقابل إذكاء الروح القبلية والعائلية والطائفية والفئوية، لأن الجمهور المخاطب قلّ مع تقليص الدوائر، وبعد أن أصبح حصول المرشح على أقل الأصوات كافيا لضمان النجاح.

ويضيف السعيدي أنه جرى تعديل الدوائر الانتخابية إلى 5 في عام 2006، فتضخمت أحجامها، وهو ما أدى إلى ارتفاع في عدد الأصوات اللازمة للنجاح ليتحول المرشحون من جديد إلى العمل السياسي، حيث ازدادت الجرعة السياسية على اعتبار أن الخطاب العام يمكنه أن يكون لكل الفئات.

لكن ذلك لم يستمر طويلا، إذ أُقر نظام الصوت الواحد في عام 2012، وتراجع معه زخم العمل السياسي بعد أن اتجه عدد من التيارات إلى مقاطعة الانتخابات، وعاد مرشحو التشاوريات القبلية، وما اصطُلح على تسميتهم بـ"نواب الخدمات" والنواب الموالين للحكومة إلى الواجهة من جديد.

وفي عام 2016 تغير الأمر وعادت بعض القوى السياسية التي قاطعت انتخابات الصوت الواحد لتشارك في الانتخابات، مثل الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) الذراع السياسية لحركة الإخوان المسلمين، وبعض المحسوبين على التيار السلفي والنواب المعارضين في المجالس السابقة.

ورغم الاستجوابات القوية التي طالت كثيرا من الوزراء، حتى إنه لم يسلم منها رئيس الوزراء نفسه، إلى جانب إكمال المجلس مدته الدستورية المحددة بأربع سنوات، فإن مجلس 2016 لم يلبّ طموح المواطن الكويتي، وهو ما شكل بيئة خصبة لهبوب ما وصفت بالعاصفة الإيجابية في مجلس 2020 الجديد.

وخلال مسيرة مجلس الأمة هذه منذ الاستقلال، شهد 9 حالات حل، اثنتان منها غير دستوريتين، إلى جانب حالتي بطلان بموجب أحكام قضائية.

المصدر : الجزيرة