المغرب… لجنة برلمانية لاستطلاع أوضاع العالقين والمعتقلين في سوريا والعراق

البرلمان المغربي قرر تبني قضية المواطنين العالقين في سوريا والعراق (الجزيرة)

غادر المغربي عبد السلام البقالي مدينته طنجة نحو العراق للقتال ضد قوات الاحتلال الأميركية، وانتهى به الأمر معتقلا أواخر 2003 ليحكم عليه بـ 7 سنوات سجنا بتهمة القيام بأعمال إرهابية.

يقول شقيقه عبد العزيز للجزيرة نت إن العائلة كانت تنتظر إطلاق سراحه بعد انتهاء مدة محكوميته وترحيله إلى المملكة، إلا أنها فوجئت بظهوره على قنوات عربية عام 2010 يدلي باعترافات تتعلق بمشاركته في أعمال إرهابية وعلى ملامح وجهه آثار تعنيف.

وبعد تسلم السلطات العراقية المعتقلين في السجون الأميركية بموجب اتفاق أمني عام 2009، يشير عبد العزيز إلى أنه لم يتم الإفراج عن شقيقه، بل حوكم بنفس التهم السابقة التي اعتقله بسببها الأميركيون، وحكم عليه بالإعدام ويوجد حاليا في سجن الحوت الناصرية.

ودفعت قصة عبد السلام -التي توصف بالمأساة العائلية- عبد العزيز لتأسيس تنسيقية رفقة بعض عائلات المواطنين المعتقلين والعالقين في سوريا والعراق، تطالب بإعادتهم، وضمان المحاكمة العادلة لهم بعد عودتهم، ودمج الأطفال العائدين في المنظومة التربوية والتعليمية، وتسهيل حصولهم على الوثائق الإدارية اللازمة.

ويقول عبد العزيز إن رحيل شقيقه ترك غصة في قلب والده رافقته إلى قبره، وما زالت والدته تنتظر على أمل لقاء ابنها الذي غاب وترك مكانه فارغا في الأسرة والحي.

ويضيف: لكل واحد من هؤلاء المواطنين قصة، بعضهم غُرر به وندم، وبعضهم لم تلوث يده بالدماء، وهناك من حاول الفرار واعتقل، ومنهم أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا هناك.

ومنذ تأسيسها العام الماضي، تلقت التنسيقية رسائل من عائلات عالقين ومعتقلين في سوريا والعراق. وأحصت، حسب رئيسها عبد العزيز، حوالي 101 رجل و78 امرأة و205 أطفال، وتواصلت مع أمهاتهم.

وقد تم التواصل أيضا عن طريق التنسيقية بين 38 طفلا مع آبائهم، و18 طفلا يتيما. وفي حين يوجد الأطفال والنساء بمخيمات الرشد والهول شمال سوريا، يقبع الرجال قيد الاعتقال في سجون سورية وعراقية.

مهمة استطلاعية
وأسس البرلمان الأسبوع الماضي لجنة استطلاعية هدفها الوقوف على أوضاع العالقين في سوريا والعراق، يترأسها البرلماني وأمين عام حزب الأصالة والمعاصرة المعارض عبد اللطيف وهبي، وتضم هذه اللجنة التي ستعقد أول اجتماعاتها غدا 16 برلمانيا يمثلون أطياف الأغلبية والمعارضة.

ويؤكد وهبي للجزيرة نت أن الأطفال المغاربة الموجودين في مناطق النزاع بسوريا والعراق يعيشون وضعية تشرد سواء أولئك الذين تيتموا بفقد آبائهم أو من ظلوا مع أمهاتهم، مضيفا "كيفما كان الحال فهم أبناؤنا، وإذا ارتكب آباؤهم أفعالا منافية للقانون، فالأطفال لا مسؤولية لهم".

وتعتزم اللجنة الاستطلاعية أيضا دراسة وضعية المغربيات اللواتي لم يشاركن في أي قتال بهذه المناطق، حسب وهبي، مشددا على أن مهمة اللجنة التعرف على أوضاع هؤلاء الأطفال والنساء وضبطها مع الجهات المختصة واقتراح توصيات للحكومة بشأن تسويتها.

ورجح وهبي أن يقوم أعضاء اللجنة بزيارة للمخيمات التي يوجد بها هؤلاء العالقون للوقوف على أحوالهم عن كثب، كما سيتم الاستماع لوزيري الداخلية والخارجية وجهات أخرى لوضع الصيغ الممكنة لمعالجة هذا الملف، وبناء تصور واضح وشامل بشأن ظروف استقبالهم إذا تحملت الدولة مسؤوليتها ورحلتهم إلى المغرب.

وبخصوص المعتقلين بهذه المناطق، قال وهبي "اللجنة ستدرس ملفاتهم بناء على القضايا التي تورطوا فيها وإمكانيات التعاون والاتفاقيات الموقعة بين المغرب وهذه البلدان".

وكان وهبي قد وجه في وقت سابق من العام الجاري رسالة إلى رئيس لجنة العدل والتشريع بالبرلمان يطالب فيها بتشكيل لجنة للوقوف على معاناة المواطنين العالقين في بؤر التوتر وخاصة سوريا والعراق، مشددا على ضرورة حماية الأطفال والنساء بإعادتهم لأرض الوطن، معتبرا الدولة مسؤولة مسؤولية كاملة عن أمنهم وإعادة تأهيلهم وإدماجهم في التعليم.

أعلام مغربية وسط الرباط
وفق تقديرات رسمية فإن مئات المغاربة اعتقلوا في سوريا والعراق على خلفية مشاركتهم بالقتال (الجزيرة)

تفاؤل الأهالي
ويبدو البقالي متفائلا بخصوص تأسيس هذه اللجنة الاستطلاعية، فهو -بحسب تعبيره – مطلب طالما نادت به التنسيقية منذ تأسيسها، وتتشارك معه هذا التفاؤل مريم زبرون الكاتبة العامة للتنسيقية وأم شاب معتقل في سوريا.

تقول مريم للجزيرة نت إن ابنها غادر البلاد فجأة عام 2016 متوجها نحو سوريا، وبعد 3 أشهر من وصوله وجد واقعا مختلفا عما كان يتوقعه، فقرر الهروب وانتقل من مكان لآخر في سوريا، إلى أن اعتقلته القوات الكردية وزجت به في سجن الحسكة.

وتضيف أنها تواصلت بـ 3 رسائل مع ابنها عبر الصليب الأحمر، بعد أن طمأنوها على وضعه، غير أنها تقول إنها لن تطمئن قبل ترحيله إلى بلاده.

وتؤكد مريم أن ابنها غُرر به وهو شاب صغير، وعندما اكتشف الواقع على حقيقته ندم وقرر الهروب، لذلك تطالب الأم السلطات بتسريع ترحيله ومحاسبته ومحاكمته في بلاده.

وترى أن اللجنة الاستطلاعية التي أنشأها البرلمان تشكل دفعة قوية وأملا للعائلات في حل قريب للملف، داعية المسؤولين إلى النظر لهؤلاء الشباب والنساء والأطفال العالقين في مناطق النزاع نظرة أبوية.

ومن جانبها، لا تنفك السلطات الأمنية عن الإعلان بين الفينة والأخرى عن تفكيك خلايا "إرهابية" تقول إنها تنشط في تجنيد مقاتلين مغاربة للقتال في بؤر التوتر بالشرق الأوسط.

وكشفت المديرية العامة للأمن الوطني العام الماضي أن عدد المغاربة في العراق وسوريا بلغ 1659 مقاتلا، منهم 1060 كانوا يقاتلون في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، وأن 260 منهم عادوا إلى المملكة وقدموا للعدالة، في حين قتل أكثر من 700 شخص.

لكن رئيس المكتب المركزي للأبحاث القضائية قال، في تصريحات صحفية سابقة، إن 280 امرأة و391 طفلا يوجدون في بؤر التوتر بالشرق الأوسط.

المصدر : الجزيرة