مصر والإمارات في 2021.. هل تفرض تناقضات المصالح الخروج من المنطقة الدافئة؟

السيسي يزور بن زايد
السيسي (يسار) خلال زيارة محمد بن زايد في أبو ظبي (مواقع التواصل الاجتماعي)

تمثل التفاعلات والتحولات الكبيرة التي يشهدها الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة رهانا كبيرا على القاهرة، خصوصا في هندسة علاقاتها مع أبو ظبي خلال العام الجديد، بعد أن باتت الإمارات -وفق مؤشرات ومراقبين- مهددا مباشرا للأمن القومي والمصالح المصرية.

ولم يجن المصريون من تحالف نظام عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد سوى الأشواك على مدى نحو 7 سنوات، التي ازدادت حدتها مع تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل وتداعياته، على غرار إعلان خطط تستهدف الدور الحيوي لقناة السويس المصرية وموانئها، وعدم استخدام علاقاتها مع إثيوبيا في سبيل المصالح المصرية في قضية سهد النهضة، فضلا عن تقزيم دور القاهرة التاريخي في الملف الفلسطيني.

وإقليميا دفعت أبو ظبي السيسي نحو دعم حلفائها الإقليميين، والدخول في مناكفات سياسية وعسكرية مع تركيا، خاصة في الملف الليبي ومناطق التنقيب عن الغاز بشرق البحر المتوسط، على حساب المقدرات والثروات المصرية.

ويرى مراقبون أن مواقف وتصرفات الإمارات أصبحت تشكل تهديدا للأمن القومي المصري، وأن ثمة مؤشرات قد تؤثر في دفء العلاقات بين البلدين في العام الجديد، من شأنها أن تفرض خريطة حلفاء بديلة بالمنطقة.

ماذا جنت الإمارات من حكم السيسي؟

ساهمت الإمارات في هندسة مشهد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، قبل عام أو أكثر، حيث تركزت علاقاتها مع العسكريين وبعض رموز النخبة المصرية، ثم جاءت فضيحة التسريبات لتثبت أن الإمارات تقوم بتحويلات سرية مباشرة لمصلحة القوات المسلحة وبعض قياداتها، حسب ما أكد الباحث المصري في العلوم السياسية، عمر سمير.

وفي حديثه -للجزيرة نت- رصد سمير أبرز الثمار التي جنتها الإمارات مبكرا، بعد وصول السيسي إلى الحكم في 2014، التي تمثلت في تغلغلها في قطاعات الصحة والتعليم والزراعة، حيث استحوذت على سلاسل لمستشفيات ومعامل تحاليل خاصة منتشرة في مصر، ومئات الآلاف من الأفدنة في المشروعات القومية الزراعية، وأخيرا بدأت بعض الشركات الإماراتية بالتوسع في قطاع التعليم الدولي الذي من مهماته الأساسية صناعة نخبة موالية مستدامة للإمارات.

كما موّلت مؤسسات مصرية كبيرة كدار الإفتاء، وبالذات "مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة" التابع لدار الإفتاء، وعن طريقه استطاعت شيطنة تيار الإسلام السياسي وبعض المشروعات التابعة للأزهر، بالإضافة إلى سيطرتها بشكل كبير على فئة الخبراء الإستراتيجيين والباحثين الذين تعج بهم مراكزها البحثية وقنواتها والمواقع المملوكة لها وللسعودية، وإغداقهما عليهم بشكل أفسد العديد منهم، وفق سمير.

تهديد الأمن القومي المصري

حدد سمير 4 تهديدات بارزة إزاء سيطرة الإمارات على مقدرات مصر، أولها يتصل بقطاعي الصحة والزراعة، خصوصا في حال حدوث خلاف بين النظامين السياسيين للبلدين، حيث أصبحت الإمارات المستثمر العربي الأكبر منذ 2014، وفي بعض السنوات كانت أكبر المستثمرين الدوليين في مصر.

وثاني هذه التهديدات يتعلق بالملف الليبي، حيث فقدت مصر دور الوساطة في الأزمة، وهذا الاستتباع للإمارات أفقد مصر سوقا كبيرة لعمالتها تفوق أضعاف السوق الإماراتية، كما أفقدها دورا حيويا في قضية كان يفترض بها أن تكون الواجهة الأولى فيها، وأن تكون ضامنًا للسلام والاستقرار، وأن تسهم مباشرة في عملية بناء مؤسسات الدولة.

وثالث التهديدات يرتبط بالقضية الفلسطينية، فالهرولة نحو التطبيع أفقدت مصر دور الوسيط في عملية السلام المتداعية أصلا، لكنه كان ملفا حيويا للسياسة المصرية، خاصة من ناحية اعتماد الولايات المتحدة على مصر سواء لرعاية اتفاقات التهدئة، أو حتى لتثبيت الترتيبات الأمنية بين السلطة الفلسطينية والإسرائيليين.

كما تسعى الإمارات لإيصال محمد دحلان، القيادي المفصول من حركة فتح مستشار ولي عهد أبو ظبي، إلى السلطة على حساب الرئيس محمود عباس الأقرب إلى الرؤية المصرية لعملية السلام، وحاليا أصبح دور مصر منصبا على مباركة اتفاقات السلام الخليجية وغير الخليجية خوفا من فقدان موقع التابع للإمارات، حسب سمير.

أما رابع التهديدات فهو تصعيد الخلاف المصري التركي في شرق المتوسط، وإيصاله إلى حافة الهاوية وإلى احتمالات تصادم، وهو ملف تنازلت فيه مصر كثيرا لليونان وقبرص وفقدت فيه آلاف الكيلومترات المربعة من المساحة البحرية وما تحتها من ثروات، فقط للمكايدة مع النظام التركي ولإثبات ولائها للإمارات.

وخامس التهديدات يتعلق بخطوط الربط البري والسكك الحديدية المزمع إنشاؤها لربط الخليج بإسرائيل وأوروبا، وهو تهديد خطر يفصل المشرق العربي عن بقية المنطقة ويفقد قناة السويس جزءا من مداخيلها وأهميتها الإستراتيجية.

ورغم تقليل المسؤولين المصريين من هذا الخطر إلا أنه تهديد جدي، وإذا ما تم واستبعدت مصر من خط "إيست ميد" للغاز فإنها ستخسر كثيرا من أهميتها الإستراتيجية المتراجعة أصلا.

وأكد سمير أن الخطوات الإماراتية ليست عشوائية، وإنما هي جزء من مخطط لإزاحة مصر والسعودية من قيادة المنطقة.

بدوره حذَّر المحلل الاقتصادي المصري، مصطفى عبد السلام، من خطورة مشاريع التطبيع على الأمن القومي والاقتصاد المصري، مشيرا إلى أنها حلقة بالاتفاق على إقامة مشروع منافس لقناة السويس، وخط أنابيب لنقل النفط الخليجي إلى أوروبا عبر الموانئ الإسرائيلية.

وأوضح أن نحو 60% من هذا النفط يمر عبر قناة السويس حاليا، وهو ما يدرّ مليارات الدولارات على الخزانة المصرية، وكذلك استحواذ الإمارات على موانئ إسرائيلية منافسة للموانئ المصرية.

المنطقة الدافئة في العام الجديد

يرى الباحث المصري عمر سمير أن بعض الأجهزة المصرية بدأت تتململ من هذا التحالف الذي لطالما وصفه النظام بالإستراتيجي، وهذا التململ بدا واضحا تجاه الملف الليبي بشكل قاد إلى عدم التدخل أكثر والرجوع إلى محاولة رعاية بعض جولات التفاوض ضمن الإطار الأممي ووقف التصعيد.

ويبدو أن مصر أدركت متأخرة خطورة انقطاعها عن الحضور في ليبيا، حيث زار وفد من الخارجية والمخابرات العاصمة طرابلس يوم الأحد الماضي، في بداية لعودة العلاقات المتوترة منذ عام 2014، على خلفية انحياز القاهرة لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعوم إماراتيا.

وأشار سمير إلى أن بعض الدوائر المقربة من النظام المصري ترى في المسارعة إلى التطبيع بعيدا عن الوساطة المصرية سحبا للدور من مصر ومن هذه الأجهزة وتحديدا المخابرات العامة والحربية، ومن ثم تظهر بعض الأصوات الناقدة في الأذرع الإعلامية.

لكنه رأى أن هذا التناقض في حدوده الدنيا، موضحا أن نظام السيسي يعرف كيف يبتز الإمارات للدفع أكثر باتجاه قبولها بالدور الجديد له، فهو لا يرغب في أدوار قيادية بالمنطقة.

وقال إن السيسي يستجدي الاستثمارات الأجنبية والمساعدات، واللقاءات الدورية والمعتادة بمسؤولي بعض الدول، ولا يتحرك نظامه أبعد من شرق المتوسط الذي يرى فيه ملفا حيويًا لهذا الدور في حين يرتبط بأقل بلدين أوروبيين من حيث القوة وهما اليونان وقبرص.

المصدر : الجزيرة