السودان على أعتاب 2021.. مطبات السياسة والاقتصاد تنهك حكومة الشركاء المتشاكسين

أزمة الخبز
سودانيون يصطفون أمام أحد المخابز بالعاصمة الخرطوم (الجزيرة)

ينوء كاهل السودان بجملة من التحديات التي تنتظره في عام 2021، وربما تهدد المسار الانتقالي بعد الثورة برمته؛ جراء ملفات ما زالت عالقة مثل التطبيع مع إسرائيل، وإزالة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والسلام، والاقتصاد المنهك.

وتدير الفترة الانتقالية شراكة بين العسكر وقوى الحرية والتغيير، التي ساندت الثورة ضد نظام عمر البشير، وانضمت إليهما لاحقا ما تعرف بحركات الكفاح الثوري، بعد توقيعها اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية أنهى تمردا كان في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق إبان عهد النظام السابق.

وطالما اتسمت الشراكة بين هذه الأطراف بالتشاكس وفقدان الثقة منذ أن فض العسكر بالقوة اعتصاما أمام قيادة الجيش بالخرطوم في الثالث من يونيو/حزيران 2019.

محمد الهادي
محمد الهادي: الخلاف بين مكونات قوى الثورة أكبر مهدد يواجه البلاد (الجزيرة نت)


الفترة الانتقالية.. حالة اختطاف

ويحدد القيادي في حزب البعث السوداني محمد وداعة أكبر تحد يواجه السودان في العام الجديد بما يسميه الاصطفاف الجديد المتمثل في مجلس الشركاء، الذي يمهد لمرحلة جديدة غير الفترة الانتقالية.

ويوضح للجزيرة نت أن مجلس الشركاء -الذي يضم المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير والحركات المسلحة- المختلف حوله حاليا أبعد قوى الثورة من المشهد، مثل تجمع المهنيين ولجان المقاومة وحزبي البعث والشيوعي.

ويقول وداعة -الذي يقع حزبه ضمن مجموعة سحبت تأييدها لقوى الحرية والتغيير "الائتلاف الحاكم"- إنه غير متفائل ما لم يتم الرجوع لمنصة التأسيس بتحقيق مطالب الثورة بتفكيك البنية السياسية والاقتصادية للنظام السابق.

وينصح بمراجعة مجلس الشركاء الذي سيتحول إلى وصي على الفترة الانتقالية، بعد أن جعل رئيس الوزراء مجرد عضو، ومنح مقعدين لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" وشقيقه عبد الرحيم.


تحدي الخلاف السياسي

ويرى الأمين العام المكلف للحزب الوطني الاتحادي الموحد والقيادي في قوى الحرية والتغيير محمد الهادي محمود الخلاف السياسي بين مكونات الثورة أكبر خطر يهدد بانزلاق السودان لحرب أهلية تتجاوز المناطق التاريخية للنزاعات.

ويقول إن الخلاف الآن سياسي بالدرجة الأولى، ويعيق إنجاز مهام الفترة الانتقالية الخاصة بتحقيق السلام والعدالة الجنائية والاجتماعية، فضلا عن معاش الناس، وصولا إلى الانتخابات.

ويؤكد الهادي أن أكبر تحدٍّ هو بدء ترتيب سياسي يسرع تشكيل المجلس التشريعي ويزيل الخلافات حول مجلس الشركاء.


السلام من الورق إلى الأرض

ويبرز تنفيذ اتفاقية السلام الموقعة في جوبا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بين الحكومة وحركات التمرد كتحد ستواجهه الحكومة الانتقالية المنهكة اقتصاديا.

وحسب نجم الدين موسى مستشار رئيس حركة العدل والمساواة، فإن إنزال نصوص السلام من الورق الى الأرض يمكن أن يكون مأزقا للحكومة، لأن هناك التزامات واجبة؛ وعلى رأسها التعويضات الجماعية المتمثلة في تأمين عودة النازحين اللاجئين وتوفير الحد الأدنى لمعاشهم وصحتهم وتعليمهم.

ويشير إلى أن العدالة الانتقالية في دارفور تمثل تحديا وصولا لعقد اجتماعي بعد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وشبهة ارتكاب إبادة جماعية.

ازدحام السيارات أمام محطات الوقود بالخرطوم.
ازدحام السيارات أمام محطة وقود بالخرطوم (الجزيرة)


العسكر بين الكراهية والانحياز

ويقول الخبير الإستراتيجي اللواء أمين إسماعيل مجذوب إن أهم التحديات التي يواجهها الجيش هو الانحياز للحراك الشعبي والمشاركة في الحياة السياسية؛ مما وضعه أمام خيار التعامل مع ملفات شائكة، مثل التطبيع مع إسرائيل وبعثة الأمم المتحدة المزمع نشرها بالبلاد (يونتاميس) ورفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، والحفاظ على الأمن الداخلي والإنساني.

وتواجه القوات النظامية -وفقا لمجذوب- دعوات كراهية جراء حملات صحفية وشبابية تجرّم القوات النظامية؛ باعتبارها جزءا من النظام السابق، مما نال من سمعة القوات المسلحة، ووصل الأمر إلى نشر شعارات وأغان ضدها.

ويعتبر مجذوب إنفاذ بروتوكول الترتيبات الأمنية في اتفاق السلام تحديا يواجه الجيش، إلى جانب الحفاظ على سلامة الحدود الشرقية والغربية، خاصة في ظل التهاب الأوضاع في إثيوبيا وليبيا.

اللواء أمين إسماعيل مجذوب
اللواء أمين إسماعيل مجذوب: أكبر تحد يواجه الجيش هو الانحياز للحراك الشعبي (الجزيرة نت)


اقتصاد مترنح ومعاش مهدد

ويعتبر عصام علي حسين عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير أن التحدي الاقتصادي والمعيشي من أكبر التحديات التي تواجه حكومة الفترة الانتقالية خلال عام 2021، في حال سارت على السياسات التضخمية نفسها خلال سنة 2020.

ويقول في حديث للجزيرة نت إن موجهات الموازنة العامة لعام 2021 لم تشر إلى خطوات عملية لمعالجة الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد السوداني، واعتمدت على التمويل الخارجي من دون الاعتماد على موارد حقيقية.

ويضيف أن الحكومة لم تتجاوز أخطاء العام السابق، بل تمادت فيها رغم آثارها الكارثية على مستوى التضخم وسعر الصرف وأعباء المعيشة.

وعاب حسين على الحكومة إغفال البرنامج الإسعافي لقوى إعلان الحرية والتغيير ولجنتها الاقتصادية، والتخلي عن دعم الإنتاج والسلع والخدمات الأساسية، التي من شأنها تخفيف وطأة أعباء المعيشة.

ورغم تحرير الوقود والخبز بشكل جزئي فإنه ما زالت الطوابير تمتد أمام المخابز ومحطات الخدمة، فضلا عن شحّ ملفت في غاز الطهي.


نصائح الخروج

وينصح عصام علي الحكومة في العام الجديد بضم الشركات الحكومية خارج إطار وزارة المالية، لا سيما تلك التي تتبع القوات النظامية، وإعادة هيكلة الجهاز المصرفي.

وينوه إلى ضرورة إعادة المؤسسات الحكومية التي تعمل في مجال تصدير المحاصيل والمنتجات الرئيسية، مثل شركة الصمغ العربي وتسويق الماشية واللحوم وشركة الحبوب الزيتية والأقطان.

ويدعو إلى إصلاح النظام الضريبي والجمركي، ومراجعة الإعفاءات غير المرتبطة بقانون تشجيع الاستثمار، وحوافز المغتربين، واتخاذ الإجراءات القانونية والرقابية والأمنية اللازمة لمكافحة التهريب.

الميناء الجنوبي ببورتسودان
الميناء الجنوبي ببورتسودان (الجزيرة نت)

ويواجه السودان خطر فقدان موانيه على البحر الأحمر، بعد التدهور الذي يعاني منه ميناء بورتسودان، وسط تقارير هذه الشهر أشارت إلى أن مصدرين وموردين سودانيين طلبوا خدمات موانئ مصرية وإريترية.

وطبقا لكبير مهندسي المحطة الساحلية بالميناء الجنوبي ببورتسودان لسامي الصائغ، فإن الموانئ تعاني من عدم السماح لها بشراء قطع الغيار للرافعات بسبب تغول وزارة المالية بسحب إيرادات هيئة الموانئ مباشرة.

ويتهم الصائغ -وهو قيادي نقابي في هيئة الموانئ البحرية- جهات حكومية وعسكرية بالسعي إلى خصخصة الموانئ، قائلا "كأن هذه الجهات ساومت جهات دولية من دول الاستكبار على تسليمها الموانئ لتديرها الإمارات مقابل تركهم في السلطة".

ويضيف أن ثمة نهجا متبعا الآن لتدمير الموانئ تدميرا ممنهجا لإعطاء أسباب للسودانيين تفيد بأن الخصخصة واجبة.

المصدر : الجزيرة