خبير قانوني تونسي لصحيفة لاكروا: بذور الثورة التي زرعها الربيع العربي ستنبت عاجلا أم آجلا

Tunisian police officers and security personnel shout slogans during a protest in front of the prime minister's office in Tunis, Tunisia February 25, 2016. Several thousand Tunisian policemen protested in front of the prime minister's office on Thursday, chanting and demanding more pay and better working conditions as they face Islamist militants targeting security forces. REUTERS/Zoubeir Souissi
احتجاجات في تونس عام 2016 للمطالبة بتحسين الأجور (رويترز)

جميع الأنظمة الاستبدادية استفادت من فيروس كورونا، لكن الانتفاضات الشعبية التي زرع الربيع العربي بذورها سوف تنبت عاجلا أم آجلا، وسينتهي المطاف بهذه الدول إلى أن تشهد اضطرابات للمطالبة بالديمقراطية والحرية وسيادة القانون.

قال ذلك المحامي والخبير القانوني التونسي عياض بن عاشور عضو لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان رئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي التي تشكلت في تونس عام 2011 في مقابلة مع صحيفة لاكروا الفرنسية (La Croix)، وتحدث فيها عن حصيلة الثورات العربية بعد مرور 10 سنوات على اندلاع شرارتها في تونس.

فخ لغوي

وبشأن تسمية "الربيع العربي" التي أطلقت على سلسلة الانتفاضات في البلدان العربية عقب الثورة التونسية التي انطلقت في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، ذكر بن عاشور أنه على الرغم من أن هذه الاستعارة كلاسيكية فإنها فخ لغوي خطير.

ويرتبط مصطلحا "الربيع العربي" و"ثورة الياسمين" بالسعادة والطقس المعتدل، لكن الثورات لا تحدث بسلاسة، والتغيير الدستوري يمر عبر العنف أساسا، فإذا سقط ضحايا خلال هذه الثورات فكيف يمكن الحديث عن السلام؟

وفي تونس -يقول عاشور- عاش الشعب الفترة الممتدة بين 2010 و2011 كما لو كان في ساحة حرب مستمرة، في المجموع سقط 350 قتيلا وآلاف الضحايا، ولم تغلق قضية شهداء الثورة إلى الآن.

وردا على تشكيك البعض في أن ما حدث في تونس كان ثورة حقيقية، يرى عياض بن عاشور أن للثورة أعداء كثيرين لا يريدون اعتبارها سوى مجرد أحداث مؤسفة، استمرت الأحداث 29 يوما فقط إلى أن فر بن علي يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011.

الثورة التونسية استوفت شروطها

لكن ما حدث كان بالفعل ثورة استوفت الشروط الأربعة المطلوبة حسب رأي بن عاشور، وهي الاحتجاجات الجماهيرية، والمطالبة بتحقيق الكرامة والحرية والعدالة، وسقوط رؤوس النظام ومؤسساته ورموزه، وقدوم سلطة جديدة تمثل الثورة بغض النظر عما إذا كانت ثورية أم لا.

وعن حصيلة الثورة التي تعتبر قاتمة إلى حد ما بعد 10 سنوات، بين بن عاشور أنه لا يمكن استبعاد خطر حدوث انفجار اجتماعي يتحول إلى فوضى عارمة، لكن الثورة ليست السبب المباشر لحدوث التدهور الاقتصادي والاجتماعي والمالي في البلاد، وليست المسؤولة عن "الإدارة الكارثية للإسلاميين" خلال الفترة الانتقالية الأولى أو عن النظام السياسي الذي أثمره المجلس التأسيسي، والذي أفرز تعددية منفلتة وخلافا دائما بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة.

Anti-regime protest in Idlib- - IDLIB, SYRIA - SEPTEMBER 14 : Syrians gathering after Friday prayer in the town of Marratinuman of Idlib hold an anti-regime protest against the regime forces' possible attacks on Idlib, Syria on September 14, 2018.
مظاهرة في إدلب ضد النظام عام 2018 (وكالة الأناضول)

وأضاف بن عاشور أن الحصيلة تشمل أيضا تحقيق بعض المكاسب مثل حرية التعبير، وتشكل مجتمع مدني قوي، وإرساء أسس الديمقراطية عبر سيادة القانون والمؤسسات وتنظيم الانتخابات وآليات مراقبة السلطة.

لماذا فشلت الثورات العربية؟

وفيما يتعلق بأسباب فشل الثورات في المناطق الأخرى من العالم، يقول عياض بن عاشور إن انطلاقتها كانت موفقة في كل من سوريا وليبيا واليمن، لكنها لم تكن تصب في مصلحة أي طرف.

واستبعد بن عاشور إمكانية تقبل كل من السعودية وإيران هذه الثورات "التي تتعارض أساسا مع طبيعة هاتين الدولتين"، فحتى قبل تدخل القوى الأجنبية الكبرى عملت القوى الإقليمية على الدفاع عن مصالحها وإفشال هذه الثورات التي أجهضت لتحل محلها حروب طاحنة لا يُعرف إن كانت أهلية أو صراعا بين الدول.

وبشأن نجاح تونس في تجنب التدخل الخارجي، أكد بن عاشور أن عامل المفاجأة كان مؤثرا، فضلا عن التقاليد الإصلاحية في البلاد، وقد مكنت الثقافة الليبرالية المتجذرة منذ القرن الـ19 -على حد تعبيره- من تفادي وضع دستور إسلامي في 2013/2012 عندما سيطر الإسلاميون على المجلس التأسيسي، وهناك عامل ثالث آخر بنفس القدر من الأهمية تمثل في عدم تدخل الجيش في النزاع على السلطة.

في مصر الجيش هو الدولة

وعلق بن عاشور على تعارض ما حدث في تونس مع النموذج المصري، معتبرا أن مصر لم تعرف سوى الثورات العسكرية، بدءا من الناصرية، وصولا إلى انقلاب السيسي على الإسلاميين في 2013 بمساعدة الولايات المتحدة، ففي مصر، الجيش ليس مؤسسة من مؤسسات الدولة المصرية، إنه الدولة ذاتها كما يقول بن عاشور.

وبشأن الدور الذي لعبه الصراع بين السنة والشيعة في إفشال بعض الثورات مثلما حصل في اليمن، أكد بن عاشور أن اليمنيين من جميع الأديان اتفقوا على المبادئ العامة لإدارة البلاد وعلى إطلاق الحريات بعد مغادرة الرئيس صالح في فبراير/شباط 2012، حتى ظهر الحوثيون الشيعة بتحريض من إيران، ثم تدخلت السعودية عسكريا، وتحولت البلاد إلى ساحة حرب مفتوحة.

وعن إمكانية تحقيق الديمقراطية في الدول الإسلامية، أوضح بن عاشور أنه لا يرى تناقضا بين الإسلام كدين والديمقراطية، لكن الإشكال أن المسلمين منقسمون للغاية بشأن هذه المسألة، وأن وجهة النظر المهيمنة هي الرؤية المتشددة التي تحتكر الإعلام والرأي العام.

المصدر : لاكروا