انتخابات رابعة بإسرائيل.. لمصلحة من؟ وكيف ستكون خارطة التحالفات؟

TEL AVIV, ISRAEL - MARCH 03: Israeli Prime Minister, Benjamin Netanyahu greets Likud Party supporters at the Party's after vote celebration on March 3, 2020 in Tel Aviv, Israel. Israelis vote for a new goverment for the third time in less than a year. (Photo by Amir Levy/Getty Images)
إسرائيل ستشهد انتخابات في مارس/آذار المقبل سينحصر التنفافس فيها بين أطياف اليمين (غيتي)

بعد حل الكنيست الإسرائيلي نفسه أمس الثلاثاء، وانفراط الائتلاف الحكومي برئاسة بنيامين نتنياهو وزعيم تحالف "أزرق-أبيض" بيني غانتس، وبدء العد التنازلي لانتخابات جديدة ستكون الرابعة خلال عامين؛ يرى مراقبون أن التنافس الكبير في هذه الانتخابات سيكون داخل أطياف اليمين الإسرائيلي في ظل التراجع الكبير لأحزاب اليسار.

فمن جهته، يسعى نتنياهو -الذي يواجه محاكمة بتهم فساد- إلى تشكيل حكومة تضمن تحصينه من المحاكمة، وتمنع الزج به في السجن في حال أنهى مسيرته السياسية، في مواجهة قناعة تشكلت في معسكر اليمين ترى ضرورة استبداله.

ولعل انشقاق الوزير السابق جدعون ساعر عن الليكود، وخوض الانتخابات بحزب يميني يسعى للحفاظ على يهودية وديمقراطية الدولة وتحصينها من ثقافة الفساد؛ يؤرق نتنياهو الذي لُقب "بملك إسرائيل" لتقلده مقاليد الحكم لعقد ونيف العقد، ويواجه في هذه المرحلة تحديات مصيرية داخل معسكر اليمين.

وعليه، فإن الميزة الأبرز للانتخابات الرابعة التي ستجرى في 23 مارس/آذار المقبل بالنسبة لكل ناخب وتيار سياسي ستكون: هل أنت مع أو ضد بقاء نتنياهو في الحكم الذي عمد على تسويق ذاته كضحية يُلاحق سياسيا بأروقة المحاكم من قبل الجهاز القضائي، الذي يحاول السيطرة عليه وتقويض صلاحياته؛ بهدف ضمان عدم استمرار محاكمته وتفادي الزج به وراء القضبان.

ووسط هذه المتغيرات والتحديات، يجمع المحللون على أن نتنياهو نجح -في العامين الأخيرين- في "شخصنة" الخارطة السياسية والحزبية بإسرائيل، حيث تحولت الحلبة السياسية والحكومة إلى رهينة بيده ووفق مصالحه الشخصية، وسط تغييب شبه تام للقضايا الملحة والتحديات الأمنية الإقليمية التي تشكل تهديدا للأمن القومي الإسرائيلي، رغم اتفاقيات التطبيع مع دول عربية وخليجية، بترحيل حل القضية الفلسطينية إلى المجهول.

Gideon Saar, a popular Likud party member and a challenger to Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu in Likud party leadership primaries, speaks to supporters in Rishon Lezion, Israel December 26, 2019. REUTERS/Amir Cohen
قواعد باليمين ترى في جدعون ساعر المنقذ للديمقراطية الإسرائيلية من ثقافة الفساد التي كرّسها نتنياهو (رويترز)


مصالح وبدائل

وأكد الإعلامي الإسرائيلي المختص في الشؤون العربية والفلسطينية يواف شطيرن أن إسرائيل ذاهبة لانتخابات رابعة لسبب وحيد، وهو اعتبارات نتنياهو الشخصية، الذي يريد التهرب من القضاء والمحاكمة بتهم الفساد التي يواجهها.

وعليه، فإن نتنياهو -حسب شطيرن- بحاجة إلى حكومة يمينية قوية لا يبدي الشركاء فيها أي تحفظات على محاولته التحصن وتشريع "القانون الفرنسي"، الذي يهدف إلى منع توجيه لوائح اتهام، والامتناع عن محاكمة رئيس الوزراء ما دام في منصبه.

وأوضح الإعلامي الإسرائيلي في حديثه للجزيرة نت أن "نتنياهو وخلافا لما يعتقد البعض فإنه يجر إسرائيل وبشكل تكتيكي إلى انتخابات رابعة في غضون أقل من عامين، ويروج لانطباع أن ذلك بسبب جائحة كورونا، كأنه لا توجد لديه مصلحة في الذهاب إلى صناديق الاقتراع، علما أن هذه مصلحته الأولى التي تلتقي مع مصلحته الثانية بتفكيك المعارضة داخل المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي حتى لا تتشكل قيادة بديلة لحكمه".

وأشار إلى "أن نتنياهو وخلال دورة الكنيست 23 نجح في تفكيك "أزرق-أبيض" حليفه الأكبر في الائتلاف الحكومي، الذي قد يكون بديلا له في الحكم، كما نجح في زرع بذور الفتنة والتفكيك في القائمة العربية المشتركة، وحاصر حزب "هناك مستقبل"، وقوّض نفوذه الانتخابي بمعسكر المركز واليسار.

لكن المشكلة التي تواجهه في هذه الانتخابات ستكون داخل معسكر اليمين الحاكم، الذي يرى ضرورة استبداله لضمان البقاء في الحكم والحفاظ على الدولة اليهودية الديمقراطية.

صورة 4 الإعلامي الإسرائيلي المختص بالشؤون العربية والفلسطينية، يواف شطيرن.
يواف شطيرن: إسرائيل ذاهبة لانتخابات رابعة لاعتبارات نتنياهو الشخصية الذي يريد التهرب من المحاكمة (الجزيرة نت)


نتنياهو وساعر

ولفت إلى أن الكثير من القواعد الانتخابية بمعسكري اليمين والمركز ترى في ساعر المنقذ للديمقراطية الإسرائيلية من ثقافة الفساد التي كرّسها نتنياهو، الذي يسعى للسيطرة على مفاصل النظام القضائي لتجنب محاكمته والزج به في السجن، وعليه فإن هذه القواعد الانتخابية تتجه للتصويت لساعر وعدم دعم الأحزاب الصغيرة بمعسكر اليمين التي تدور في فلك نتنياهو، علما أن الأغلبية العظمى من المجتمع اليهودي تميل إلى اليمين.

ويعتقد شطيرن أن الخارطة السياسية والحزبية ستشهد في الأسابيع المقبلة المزيد من المتغيرات والتحالفات، ومن ضمنها دخول شخصيات جديدة إلى المعترك السياسي والمنافسة الانتخابية، حيث يمكن لهذا النتاج إفراز قوة داخل معسكر اليمين بتحالف مع المركز، لتكون بديلة لشخص نتنياهو، مع ضمان بقاء اليمين في الحكم، وتشكيل حكومة من دون نتنياهو، الذي سيكون في قفص الاتهام إذا خسر معركة تشكيل الحكومة المقبلة.

وأوضح أن المجتمع الإسرائيلي على قناعة ودراية تامة بأن التطبيع بين إسرائيل ودول عربية وخليجية لا يُنهي القضية الفلسطينية التي عمد نتنياهو إلى تأجيل الحل أو أي تسوية مستقبلية؛ وبالتالي يعتقد أن القضية الفلسطينية ستبقى ورقة ضغط بأيدي الدول العربية والإسلامية والمطبعة منها، على أي حكومة إسرائيلية حتى بعد رحيل نتنياهو.


تطبيع وتقويض

وليس من المستبعد تشكيل حكومة يمينية يقودها ساعر، الذي يؤمن بمعتقدات يهودية وأيديولوجية صهيونية تعبر عن آراء الأغلبية من الرأي العام الإسرائيلي، وهو السيناريو الذي يخشاه نتنياهو ويعيش حالة من القلق بسبب انشقاق منافسه عن الليكود.

وما يعزز سيناريو تولي ساعر رئاسة الحكومة المقبلة أن القواعد الانتخابية الإسرائيلية غير مكترثة بالاحتلال والقضية الفلسطينية، ولا حتى التطبيع الذي يعد إنجازا لنتنياهو، ويحظى بإجماع صهيوني، بيد أن المجتمع الإسرائيلي يبدي قلقه من عمق الشرخ بين اليهود وثقافة الفساد وتقويض أسس النظام الديمقراطي بإسرائيل.

هذا الطرح عبر عنه الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت، الذي يجزم بأن الانتخابات الرابعة تضع استمرار نتنياهو في الحكم على المحك، وأمام تحديات غير مسبوقة، خاصة في معسكر اليمين الذي ينتمي إليه، الذي بات يضجر منه، وما عاد يطيق تحمله في قيادة إسرائيل؛ بسبب ثقافة الفساد والمساس بما تسمى الديمقراطية وسلطات إنفاذ القانون لخدمة أجندة شخصية، علما أن نتنياهو بات صاحب أطول ولاية كرئيس للحكومة، وفاق حتى ولاية بن غوريون المؤسس لإسرائيل.

وأوضح شلحت للجزيرة نت أن الميزة الأبرز للانتخابات الرابعة والحاضرة أكثر من كل المنافسات السابقة، هي السباق والتنافس بين أحزاب اليمين وقيادات في اليمين ترى نفسها بديلا عن نتنياهو، حيث إن هذا التنافس -وإن أدى إلى الإطاحة بشخص نتنياهو من رئاسة الحكومة- سيبقي على معسكر اليمين بكل سياساته وأجندته وأيديولوجياته ومواقفه المبدئية من الصراع مع الفلسطينيين في الحكم.

صورة 5 عنه الباحث بالشأن الإسرائيلي، أنطوان شلحت.
أنطوان شلحت: السؤال الملح هو هل سيجذب حزب ساعر أصواتا من القواعد الانتخابية الداعمة لنتنياهو (الجزيرة نت)


تحالف وانشقاق

وعليه، يرى شلحت أن نتنياهو سيعمد في حملته الانتخابية المقبلة إلى الترويج للإنجازات في مواجهة جائحة كورونا، وإحضار لقاحات "فايزر" (Pfizer)، وتوفير اللقاحات ضد الفيروس لجميع المواطنين، والأهم سيتمادى للترويج لاتفاقيات "أبراهام" والتطبيع مع دول عربية وإسلامية بما يتماشى مع عقيدته "السلام مقابل السلام"، وركل الفلسطينيين جانبا وحيدهم كما كان في ما تسمى "صفقة القرن"، وذلك نتيجة علاقاته مع الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب.

لكن، ورغم ذلك، يقول شلحت إن "الانتخابات الرابعة تجرى وسط انشقاق داخل حزب الليكود، وتشكيل ساعر لحزب جديد، وهي الحالة التي لم تكن في السابق، وهو ما يتم التعويل عليه لاستبدال نتنياهو مع بقاء اليمين في الحكم، كما أن نتنياهو عمد سابقا إلى مواجهة ومنافسة قيادات محسوبة على معسكري المركز واليسار، ولكنه لأول مرة ينافس شخصيات من معسكر اليمين".

وفي ظل هذا المستجدات والمتغيرات يشير شلحت إلى أن الأسئلة التي تطرح هي: هل حزب ساعر سيجذب أصواتا من القواعد الانتخابية الداعمة لليكود ونتنياهو؟ وهل حسم الصندوق يشكل بديلا لنتنياهو؟ وهي الأسئلة التي تزيد المشهد السياسي الإسرائيلي ضبابية، وستبقى دون أجوبة إلى ما بعد الانتخابات، وذلك رغم أن قيادات بمعسكر اليمين صرحت بأنها لن تكون شريكة مع نتنياهو في حكومة مستقبلية؛ بسبب تهم الفساد التي يواجهها، لكن الذهاب لانتخابات رابعة في أقل من عامين مؤشر قوي لبداية نهاية عصر نتنياهو.

المصدر : الجزيرة