مقديشو تُصعّد ونيروبي تهدئ.. لماذا عاد التوتر للعلاقة بين الصومال وكينيا؟

العَلم الصومالي (يسار) والكيني (الجزيرة)

رغم ارتفاع درجة التوتر في العلاقة بين البلدين في الآونة الأخيرة، فإن قرار الحكومة الصومالية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع جارتها الكينية فاجأ المراقبين والمتتبعين للشؤون السياسية في القرن الأفريقي.

وقبيل الإعلان عن قطع العلاقات كانت الحكومة الصومالية قد اتخذت سلسلة خطوات تصعيدية ضد كينيا، من قبيل حظر استيراد القات منها، وفرض استخراج تأشيرة دخول "فيزا" من السفارة والقنصليات الصومالية بكينيا بالنسبة لحاملي جواز السفر الكيني، بينما كان يتم هذا الأمر في السابق عند وصولهم إلى مطارات الصومال.

كما استدعت سفيرها من كينيا وطالبت نظيره الكيني بمغادرة الصومال في الشهر الماضي، وكلها إجراءات كانت تهدف إلى الضغط على كينيا من أجل تغيير نهجها والتوقف عن ما تصفه الحكومة الصومالية بممارساتها المعادية للصومال.

دوافع ومبررات

وفي معرض تبريره لقطع العلاقات مع كينيا، قال مهدي جوليد نائب رئيس الوزراء الصومالي إن حكومة بلاده استنفدت كل السبل الممكنة لوضع حد للخلاف والتوتر مع جارتها الأفريقية.

وأضاف أن الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو بحث في وقت سابق مع نظيره الكيني الخلاف بين البلدين وتوصلا إلى تفاهمات تنهي التوتر وتعيد المياه إلى مجاريها، غير أن الحكومة الكينية لم تلتزم بتلك التفاهمات وضربت بها عرض الحائط، بل وصعدت ما وصفه بهجومها الشرس من أجل زعزعة أمن واستقرار البلاد ومضايقة المسؤولين الصوماليين في مطاراتها وعرقلة استخراج ثروة النفط في الصومال، هذا فضلا عن مطالباتها المتكررة بتأجيل الدعوى المتعلقة بالنزاع البحري بين البلدين لدى المحكمة الدولية دون مسوغ واضح.

وأكد جوليد في حديث له أمس أن الحكومة الصومالية رفعت شكوى إلى منظمة "إيغاد" وأن الرئيس الصومالي فرماجو سيتوجه إلى جيبوتي في الأيام المقبلة بخصوص هذا الأمر.

من جهته، قال وزير الإعلام الصومالي، عثمان دوبي، في كلمة متلفزة إن قرار قطع العلاقات جاء بعد ما سماها التدخلات السافرة للحكومة الكينية في الشؤون الداخلية للصومال، وخرقها لسيادته في الآونة الأخيرة.

ثلاثة عوامل

يرى المحرر العام لموقع "مقديشو بريس" الإخباري عبد القادر عثمان "برنامج"، أن التوتر الحالي في العلاقة بين البلدين يعود لـ3 عوامل أساسية هي سيطرة كينيا على ولاية جوبالاند سياسيا وأمنيا، وإن كان الجانب الأمني يأتي في إطار "قانوني" كون قواتها تعمل ضمن قوات حفظ السلام الأفريقية، واحتضانها ودعمها رئيس الولاية أحمد مدوبي يأتي كورقة سياسية لتنفيذ أجندتها حسب "برنامج".

المحرر العام لموقع مقديشو بريس الإخباري عبد القادر عثمان "برنامج" (الجزيرة)
المحرر العام لموقع مقديشو بريس الإخباري عبد القادر عثمان "برنامج" (الجزيرة)

واستشهد "برنامج" بالزيارة الأخيرة التي قام بها مدوبي إلى كينيا وكيف غيّر موقفه تجاه الانتخابات المقرر إجراؤها قريبا في الصومال، بعد عودته من كينيا، وتنصله من الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة الصومالية وقادة الولايات وذلك بإيعاز من الحكومة الكينية.

ويشير برنامج إلى أن السبب الثاني -في اعتقاده- لتوتر العلاقات بين البلدين، هو ما وصفه بالتدخل الكيني "المكشوف" في العملية الانتخابية بالصومال، وتوفير منصة في أرضها تجمع شخصيات صومالية ودولا غير راغبة في التطور الحاصل في الصومال على الصعيد السياسي، تحاك فيها ما يصفه بالمؤامرات ضد الصومال وضد حكومتها وقادتها، مع السعي لتقويض الاستقرار السياسي والأمني للبلد، وإفشال مساعي تنظيم الانتخابات.

أما العامل الثالث في نظره فيتمثل في الدعوة الرسمية التي وجهتها حكومة كينيا إلى رئيس إقليم أرض الصومال الذي أعلن انفصاله عن الصومال من جانب واحد عام 1991 موسى بيهي عبدي، واستقباله بشكل رسمي من طرف الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، وإبرام اتفاقات بين الطرفين بينها فتح قنصلية تابعة لأرض الصومال في العاصمة الكينية نيروبي دون موافقة الحكومة الصومالية.

ويشير إلى أن الحكومة الصومالية ترى في تلك الخطوات تصعيدا خطيرا يمس وحدة الصومال، ويعزز النزعة الانفصالية، وهو ما جعلها تبادر لقطع العلاقات مع كينيا.

وبغض النظر عن الأسباب المستجدة في الصراع بين البلدين، فمن المهم التذكير بوجود نزاع بحري بينهما ما زال ملفه مفتوحا أمام المحكمة الدولية للبتّ فيه، كما أن هذا النزاع يشمل أيضا منطقة واسعة على الحدود البرية بين البلدين والتي تمتد على طول 800 كيلومتر، حيث لا تعترف الصومال بتبعية أجزاء منها لكينيا وتحديدا المنطقة التي يقطنها الصوماليون بشمال شرق كينيا.

خطوات متسرعة

لكن برأي الباحث في مركز الأجندة العامة للدراسات فرحان إسحاق يوسف، فإن القرار كان متسرعا وغير مدروس وكانت متاحة أمام الحكومة الصومالية بدائل أخرى قبل القيام بهذه الخطوة، من بينها عقد لقاء على المستوى الوزاري أو على مستوى الرئاسي لتخفيف حالة الاحتقان ومعالجة القضايا الخلافية، وحتى إذا لم تنجح تلك الخطوات الدبلوماسية، فكان يفترض رفع شكوى إلى منظمة "إيغاد" أو الاتحاد الأفريقي.

الباحث من مركز الأجندة العامة للدراسات فرحان إسحاق يوسف (الجزيرة)
الباحث من مركز الأجندة العامة للدراسات فرحان إسحاق يوسف (الجزيرة)

ويرى أنه إذا فشلت كل تلك الجهود، فيفترض أن يصار إلى خطوات أقل حدة من قبيل تخفيض التمثيل الدبلوماسي، وبعد استنفاد كل البدائل، يبقى خيار قطع العلاقات هو الأنسب.

وبشأن الرد المتوقع من كينيا فيرى يوسف أنها قد تقوم بخطوتين على الأقل هما تعزيز دعمها المعنوي والسياسي لولاية جوبالاند ورئيسها أحمد مدوبي الذي تعيش علاقته مع الحكومة الفدرالية في توتر منذ أكثر من سنتين، والإلقاء بثقلها السياسي خلف مرشح المعارضة للإطاحة بالرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو في الانتخابات المقبلة.

ويتوقع يوسف في حديث مع الجزيرة نت أن يكون التصعيد المتبادل هو سيد الموقف في الأيام المقبلة، ما لم تقم دول الجوار أو منظمة "إيغاد" بمبادرة للتوسط بين الجانبين والحد من الخلافات بينهما.

كينيا: نحافظ على الهدوء

بيد أن الناطق باسم الحكومة الكينية سيروس أوغونا أكد أن حكومة بلاده تحافظ على هدوئها ولا تقوم بإجراء ثأري.

وقال أوغونا للصحفيين أمس إنهم شكلوا لجنة كلفت بالنظر في الأمور التي شابت العلاقات بين البلدين، وإن "هناك جهودا جارية لإعادة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها".

وشدد على أن بلاده غير مستعدة للقيام بخطوات مماثلة لتلك التي أقدمت عليها الحكومة الصومالية.

يذكر أن كينيا تحتضن نحو 250 ألف لاجئ صومالي فروا من الحرب وأعمال العنف المستمرة في الصومال منذ 1991، وفي أواخر عام 2011 توغلت قوات كينية في الأراضي الصومالية بذريعة منع العمليات والهجمات التي تنفذها حركة الشباب داخل أراضيها، غير أن هذه القوات تم دمجها لاحقا في بعثة حفظ السلام الأفريقية بشكل رسمي في شهر فبراير/شباط عام 2012 بقرار من مجلس الأمن الدولي.

المصدر : الجزيرة