السيسي يشكو لماكرون قنوات المعارضة.. هل يملكان حجبها؟

ماكرون (يمين) خلال استقبال السيسي في باريس (مواقع التواصل الاجتماعي)

لم يعد السؤال متعلقا برغبة النظام المصري في إغلاق قنوات المعارضة التي تبث من الخارج بعد أن هيمن على إعلام الداخل، لكن السؤال الحقيقي هو مدى قدرته على تنفيذ الرغبة المستمرة منذ الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في صيف 2013 عندما كان وزيرا للدفاع.

سؤال القدرة عاد للظهور في الأيام الماضية بعد حوار السيسي مع صحيفة لوفيغارو (Le Figaro) الفرنسية، والذي أجراه خلال زيارته الأخيرة لباريس، حيث بث شكواه من قنوات المعارضة، وعبّر عن أسفه لكونها تبث عبر الأقمار الصناعية الأوروبية، وألمح لوجود تفاهم مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على مواجهتها.

وفي الحوار، قال السيسي "نحن في مصر نعاني كل يوم من حملات التشويه التي تهدف إلى نشر الشك والفرقة في صفوف الشعب المصري، وهناك ما لا يقل عن 6 قنوات فضائية تديرها وتمولها دول أجنبية تستهدف شعبنا".

وتابع "من المؤسف أن هذه القنوات التي تنشر الأيديولوجية الظلامية تبث عبر الأقمار الصناعية الأوروبية، وقد أكّدنا -أنا والرئيس ماكرون- مجددا عزمنا منع نشر الدعوات إلى العنف والكراهية والإرهاب".

التفاهم الذي ألمح السيسي إلى وجوده مع ماكرون، فسره البعض بأنه يأتي في إطار مساع لمحاولة حذف تلك القنوات من الأقمار الصناعية الأوروبية التي تتيح للمصريين مشاهدة القنوات التي منعها النظام المصري من البث على القمر الصناعي المصري "نايل سات" (Nilesat).

وعضد هذا التفسير تعاطي وسائل إعلام مصرية مع تصريحات السيسي، حيث أفرد عدد منها تقارير ومقالات للتحريض على تلك القنوات، والمطالبة بالاستجابة لطلب حجبها.

ليست الأولى

لم تكن هذه المرة الأولى التي يهاجم فيها السيسي قنوات المعارضة باعتبارها خطرا يهدد استقرار البلاد، إلا أن الحديث عن كونها تبث عبر أقمار أوروبية في سياق توافق مع الرئيس الفرنسي ضدها، دفع إلى التكهن بوجود مساع جديدة لحجبها والتساؤل عن مدى إمكانية تحقيق ذلك.

الإعلامي والكاتب الصحفي سليم عزوز سخر من حديث السيسي عن تلك المساعي، واعتبر الأمر أشبه بمن يسعى لإصدار قرار بإغلاق مقهى يعمل دون ترخيص، واستبعد في مقال بصحيفة القدس العربي إمكانية حجب تلك القنوات، والسيطرة عليها.

ولفت عزوز إلى أن تلك القنوات تصل إلى المشاهد المصري، وأن البدائل في حال الحجب كثيرة ومتعددة، وأن فشل السيسي في محاولات سابقة لإغلاقها دفعه لتحريض الغرب عليها.

ويجد عزوز في هذا التحريض دليلا على فشل الترسانة الإعلامية التي تقف خلف السيسي، واعترافا من الأخير بذلك، رغم تحرر تلك المنابر الإعلامية الداعمة له من أي قيد أخلاقي، واستباحتها الخصوم، وممارستها التلفيق، على حد قوله.

البدائل متاحة

وفي سياق تأكيده على صعوبة حجب قنوات المعارضة، يوضح مدير قناة "مكملين" أحمد الشناف أن الشركات المالكة للأقمار الصناعية التي تصل من خلالها هذه القنوات للمشاهد المصري، هي شركات استثمارية، تحكمها التجارة والمصالح وترتبط بعقود واتفاقيات يصعب تجاوزها.

ويرى الشناف في حديثه للجزيرة نت أن تجاوب تلك الشركات مع مساعي حذف قنوات تبث عليها سيكلفها سمعتها ومصداقيتها، خاصة وأن القنوات المصرية المعارضة تحترم التزاماتها المالية، وتتبع القواعد المهنية العامة المنظمة للبث.

لكن الشناف في الوقت ذاته يؤكد أن البدائل في حال تحقق هذا المسعى متاحة، منها خيار الأقمار الصناعية الحرة مثل "سهيل سات" (Es’hailSat ) و"ترك سات" (Turksat)، وكذلك بث القنوات على تردد "هوت بيرد" (Hot Bird)، الذي يمكن للمشاهدين الوصول له في مصر، فضلا عن فضاء الإنترنت الذي بات أرحب وأوسع لوصول الرسالة الإعلامية للجمهور.

أحمد الشناف: بدائل الأقمار الفرنسية متاحة وكثيرة (الجزيرة)

واعتبر الشناف مهاجمة السيسي قنوات المعارضة دليل على قوتها وتأثيرها ووصولها لشرائح كبيرة وواسعة من المجتمع المصري، لأن المشاهد يجد فيها ما يعبر عن همومه ويوصل به صوته، في ظل الصوت الواحد لإعلام النظام العسكري.

يشار إلى أن السيسي كرر في أكثر من مناسبة مهاجمة إعلام المعارضة بوصفه يشكك فيما يعتبرها السيسي إنجازات للنظام، وتوعد بمحاسبة القائمين عليه مرات عدة.

المسلك القانوني

بدوره، أبدى رئيس تحرير قناة "الشرق" مسعد البربري استغرابه لنقل صحيفة فرنسية حديث السيسي عن توافق مع رئيس بلادها للعمل على إيقاف قنوات المعارضة، وتساءل: كيف يحدث ذلك في بلد تقدم نفسها كقبلة الحريات؟

وذهب البربري في حديثه للجزيرة نت إلى أن ذلك يستلزم رد فعل قويا من قبل منظمات حقوق الإنسان وحماية الصحفيين والإعلاميين في فرنسا، كون ما ذكره السيسي "مسيء لفرنسا قبل أن يكون كاشفا وفاضحا له ولنظامه".

 

ومع استبعاد البربري قدرة القاهرة على حجب قنوات المعارضة، إلا أنه يرى أن تقليد السيسي أعلى وسام في الدولة رغم الانتقادات الواسعة لحقوق الإنسان بمصر، وتقديم ماكرون مصالح فرنسا الاقتصادية والعسكرية، يجعلان الأمر غير مستبعد، وذلك من خلال إدراج القنوات تحت تصنيف يجعلها مخالفة لشروط الظهور على الأقمار الفرنسية، ومن ثم حذفها.

لكنه يرى أن الأمر مع عدم استبعاده ليس سهلا، مؤكدا أنه في حال حصول هذا الحجب، فإن القائمين على هذه القنوات سيسلكون المسلك القانوني للدفاع عن حقوقهم، فلديهم تعاقدات رسمية، وجميعهم ملتزمون ببنود تلك التعاقدات، سواء المادية أو الفنية أو المهنية.

كما لفت إلى وجود العديد من البدائل المتاحة، حيث تتوفر أقمار بديلة في مختلف المدارات الموجودة، مشيرا في هذا السياق إلى استمرار قنوات مختلفة حاولت أنظمة كثيرة إسكاتها إلا أنها لم تفلح في ذلك.

ويقول عاملون في قنوات المعارضة إن اتهامات السيسي ونظامه هي مكايدة سياسية بالأساس، خاصة تهمة التحريض والإرهاب، مؤكدين أن الإعلام المؤيد للسيسي هو من يحرض على قتل المصريين، مثل تحريض المذيع المقرب من النظام محمد الباز على قتل المرشح الرئاسي الأسبق أيمن نور والمذيعين محمد ناصر ومعتز مطر.

فشل السيسي

بدوره يلفت المذيع السابق بقناة "وطن" محمد جمال إلى أن محاولات السيسي حجب قنوات المعارضة ليست وليدة الأيام الأخيرة، ولا محصورة في محاولاته التوافق مع ماكرون لتحقيق هذا الغرض، وأنها بدأت حتى قبل الانقلاب العسكري.

وأغلقت السلطات المصرية في نفس يوم انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 فضائيات عدة ذات توجه إسلامي، كما أغلقت مكتب الجزيرة في القاهرة، ونفذت عمليات تشويش على قنوات الجزيرة، لكن بعض القنوات المغلقة عاودت بثها خارج مصر على أقمار اصطناعية بديلة للقمر الاصطناعي المصري "نايل سات".

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى جمال -المقيم في تركيا- أن فشل السيسي المستمر منذ 7 سنوات في تحقيق هذا الهدف لن يتغير، مشددا على أن نظامه "لا يمتلك القدرة ولا الدبلوماسية اللازمة لتحقيق هذا الغرض".

ولفت إلى أن الشركات التي تتعاقد معها قنوات المعارضة هي شركات وسيطة أغلبها لاتيني، ومواقفها محايدة، ولن تسمح بأن تُبتز من طرف السيسي ونظامه.

ويؤكد جمال أن خشية السيسي من أي صوت معارض لا تتوقف عند هذه القنوات، وإنما تقلقه أمور أقل تأثيرا من تلك القنوات التي باتت ترعبه، ففي تقديره أن مقالة أو قصيدة تكفي لإزعاجه وينشغل بكيفية حجبها أو استهداف صاحبها.

ويعتبر الإعلام من أبرز الموضوعات التي يكرر السيسي الحديث عنها في معظم المناسبات، حيث يبدي ضيقه من الإعلام المعارض في الخارج، كما يلوم إعلامه المحلي ويتهمه بالتقصير في الدفاع عن النظام وحشد المصريين وراء السلطة، كما كان يفعل إعلام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

المصدر : الجزيرة