خلاف دستوري وبروز قائمتين.. عقبات تعترض التشكيل الحكومي بعد تقديم الحريري لائحته لعون

Lebanese Prime Minister-designate Saad al-Hariri meets with Lebanese President Michel Aoun at the presidential palace in Baabda
الحريري (يمين) قدم قائمة من 18 وزيرا للرئيس ميشال عون الأربعاء (رويترز)

استطاع الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري أن يكسر حالة الجمود التي سادت في الأسابيع الماضية بتقديم تشكيلة حكومية لرئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون مكونة من 18 وزيرًا، على أساس الاختصاص وعدم الانتماء الحزبي، أمس الأربعاء، لكن الرئيس عون أعاد رمي الكرة في ملعب الحريري فسلمه طرحًا حكوميا متكاملًا يتضمن توزيعًا للحقائب على أساس مبادئ واضحة، بحسب بيان رئاسة الجمهورية.

ورغم إيحاء الرئيس المكلف بأجواء إيجابية لخطوته، سرعان ما ظهرت عقبات جديدة تنبئ بصعوبة ولادة الحكومة إثر بروز تشكيلتين، واحدة قدّمها الحريري لعون، وأخرى سلّمها الأخير للحريري كطرحٍ متكامل.

وذهب مراقبون لاعتبار أن لبنان بعد لقاء عون بالحريري، وقع في شباك "تشكيلة وتشكيلة مضادة"، والبعض وصف خطوة عون بالتجاوز الدستوري على صلاحيات الرئيس المكلف.

وليد جنبلاط - زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي
وليد جنبلاط: الدخان الأبيض حول الحكومة لن يصدر قريبا (الجزيرة)

خلاف دستوري
يعتبر خبير القانون الدولي في لبنان أنطوان صفير أنه لا يمكن الحديث عن خرق عون للدستور، موضحا للجزيرة نت أن الصلاحيات الدستورية المعطاة لرئيس الجمهورية والرئيس المكلف تتعلق بالتوافق الثنائي حول تشكيل حكومة على مستوى توزيع الحقائب والأسماء، لذا فإن الصلاحيات الدستورية مشتركة بينهما، ويمكن من خلالها أن يتباحثا للوصول إلى صيغة حكومية مقبولة تراعي التوازنات في لبنان.

لكن الخبير الدستوري سعيد مالك يصف تسليم عون للحريري طرحا حكوميا مضادا بسابقة دستورية لم تحدث في أي عهد رئاسي للجمهورية بعد اتفاق الطائف (1989).

وأشار مالك في حديثه للجزيرة نت إلى أن الفقرة الثانية من المادة 64 في الدستور اللبناني تنص بشكل واضح على أن صلاحية وضع المسودة الحكومية منوطة بالرئيس المكلف بتشكيل الحكومة فقط، وبعد أن يقدمها لرئيس الجمهورية.

وعملًا بالمادة 53 من الدستور -وفق الخبير- يحقّ له إما الموافقة على التشكيلة وإما رفضها وإما طلب تعديلها، أما الصلاحيات المشتركة بينهما فتتمثل في إجراء رئيس الجمهورية للمشاورات البرلمانية وتسمية الرئيس المكلف، ليقوم بدوره بالتشاور مع الكتل النيابية واختيار وزراء حكومته، ومن ثم يوقّع رئيس الجمهورية على مرسوم التشكيل.

لقاء يجمع الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري
لقاء سابق جمع الرئيس اللبناني ميشال عون (وسط) ورئيس مجلس النواب نبيه بري (يسار) ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري (الجزيرة)

صراع التمثيل والحقائب
الخلاف الدستوري ينسحب على عقبات أخرى تعيق ولادة حكومة الحريري، وهو ما استشرفه رئيس حزب التقدم الاشتراكي وليد جنبلاط الذي غرّد عبر تويتر بأن "الدخان الأبيض حول الحكومة لن يصدر قريبا، نتيجة مزيد من الاختبارات لاعتماد اللقاح الأفضل لعلاج الأزمة"، وفق تعبيره.

وعليه برزت عُقد خلافية حول تشكيلة الحريري أبرزها: عدد الوزراء، والصراع على الحقائب، والثلث المعطل، وعقدة تمثيل الدروز، وآلية اختيار أسماء الوزراء.

وفي السياق تقول مصادر مقربة من الحريري للجزيرة نت إن الأخير اعتمد وفقًا للدستور على التوازن الطائفي وليس الحزبي، وإن الحقائب الموزعة على 18 وزيرًا وزعها بالمناصفة بين المسلمين والمسيحين: 9 حقائب للمسلمين موزعة 4 حقائب للسنة و4 حقائب للشيعة وحقيبة للدروز، و9 حقائب للمسيحيين موزعة على 4 حقائب للموارنة و4 حقائب للروم وحقيبة واحدة للأرمن.

وتؤكد المصادر أن الفرنسيين لديهم مطالب واضحة من الحريري متعلقة ببعض الحقائب الوزارية في طليعتها الطاقة والاتصالات والمالية والشؤون الاجتماعية (نظرًا لأهمية دورها في المرحلة المقبلة)، وأنهم لن يقبلوا بأسماء لا تحظى برضى دولي.

ويبدو أن الخلاف حول تشكيل الحكومة يشتد بين الحلفاء أنفسهم، من جهة بين فريقي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري إثر تبادل الاتهامات حول ملفات فساد، ومن جهة أخرى لم يسلّم حزب الله أسماء وزرائه المقترحين للحريري ومثله فعل رئيس الجمهورية، في حين سلّم بري لائحة ليختار منها الحريري.

وحول توزيع الحقائب، تشير مصادر مقربة من عون للجزيرة نت إلى أن الطرح الذي قدمه للحريري يتضمن تصورًا عن كيفية توزيع الحقائب بين الطوائف على قاعدة الاختصاص، وتراعي "وحدة المعيار" تحقيقا لتوازات الكتل النيابية وفق أحجامها التمثيلية.

وهنا يذهب مراقبون لاعتبار أن تمسك عون ومن خلفه حزب الله ببعض الحقائب السيادية، ومن بينها الدفاع والعدل والطاقة والأشغال والداخلية، هو ردّ معنوي على العقوبات التي تفرضها الإدارة الأميركية بعد أن طالت أخيرًا رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.

لكن أنطوان قسطنطين مستشار باسيل يؤكد للجزيرة نت أن تياره ليس جزءًا من المفاوضات، وأن الحريري لم يتواصل مع باسيل، في حين تفاوض بشكل مباشر مع مختلف القوى وفي طليعتها حزب لله وحركة أمل والحزب الاشتراكي، وحتى مع حزبي الطاشناق والسوري القومي الاجتماعي، على حد قول قسطنطين.

وأوضح مستشار باسيل أن مطلب التيار ما زال ثابتًا لجهة اشتراط تشكيل حكومة منتجة وفاعلة، وأن ترتكز على قاعدة الاختصاص من دون أن تلغي شرعية التمثيل النيابي. أمّا إذا لم تراعِ الحكومة المعايير التي يطالب بها فريق باسيل السياسي، فلن يمنحها الثقة في البرلمان، بحسب قسطنطين.

من جهته، ييبن مصطفى علوش نائب رئيس تيار المستقبل سعد الحريري أن الأخير قدم تشكيلة متكاملة بناء على تصور المبادرة الفرنسية، معتبرًا أن عدم قبول عون بها نتيجة إصراره على نيل الثلث المقاعد بما يسمح له بتعطيل قرارات الحكومة، لافتًا أن عون يطالب الحريري بتوسيع الحكومة إلى 20 بدل 18 وزيرا.

مصطفى علوش- عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل
مصطفى علوش: سعد الحريري قدم تشكيلة متكاملة بناء على تصور المبادرة الفرنسية (الجزيرة)

صراع إقليمي دولي
وتبدو هذه الخلافات الداخلية، برأي محللين، تمريرًا للوقت في لبنان لحين اتضاح مشهد الصراع الإيراني الأميركي من جهة، وبلورة المساعي الأوروبية والفرنسية قبل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المرتقبة بين 21 و23 من الشهر الجاري من جهة أخرى.

وفي السياق، يذكر أستاذ العلاقات الدولية رئيف خوري أن الضغط الفرنسي على لبنان لم يثمر نتيجة، ولم تستطع المبادرة الفرنسية تحقيق أي اختراق، بل إنها انعكست سلبا، رغم مساعي ماكرون لإنجاح طرحه في لبنان، مما دفعه في مؤتمر المانحين لمساعدة الشعب اللبناني بربط المساعدات الدولية بتشكيل حكومة.

ويلفت خوري في تصريح للجزيرة نت إلى أن آخر اجتماع عقد في بروكسل بين دول الاتحاد الأوروبي وضع الملف اللبناني على طاولته، وحاول الضغط للإسراع بتشكيل الحكومة، وبدأ يمهد لاستبدال المبادرة الفرنسية بمبادرة أوروبية، يكون لألمانيا فيها شروط مشددة، وتوكل لإيطاليا مهمة تسويقها في لبنان، بحسب خوري، وعلى رأس الشروط "تشكيل حكومة مستقلة تنفذ الإصلاحات الدولية المطلوبة منها".

وهذه الضغوط الأوروبية تقابلها ضغوط أميركية ومساع روسية في لبنان، وفق أستاذ العلاقات الدولية، مستبعدا نجاح الحريري بتشكيل حكومة قبل زيارة ماكرون، واصفًا ما يحدث في الداخل اللبناني بعملية تبادل أدوار بين الأقطاب السياسية التي تواجه ضغطا شعبيا على شفير الانفجار نتيجة توالي الانهيار الاقتصادي، لإيهام المجتمع الدولي أنهم بصدد تشكيل حكومة، "بينما كل القوى في لبنان تنتظر دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض يوم 20 يناير/كانون الثاني 2021 لجس نبض الإدارة الجديدة تجاهها".

ويرجح خوري ألا تختلف إدارة بايدن عن إدارة دونالد ترامب في التعاطي مع ملفات الشرق الأوسط.

ويستبعد خوري تقديم إيران التنازل لفرنسا في لبنان، ويرى أنها تتعاطى معها كمنصة للعبور إلى التفاوض المباشر مع أميركا عبر هذا البلد الصغير.

وقال خوري إن لبنان سيبقى بحالة ترقب سلبي، ويجسد حاليا ساحة انعكاس لصراعات المنطقة، وهو ما تجلى في آلية التعاطي الدولي في ملف ترسيم الحدود مع إسرائيل، معتبرًا أن عدم تحديد موعد للمفاوضات التقنية بعد تأجيلها هو لتأكيد أن الأزمة اللبنانية ما زالت عالقة إقليميا من دون أفق للحل.

المصدر : الجزيرة